أفريقيا هي ثاني أكبر قارة في العالم بعد أوراسيا (مجموع قارتي أوروبا وآسيا)، ويبلغ مجموع عدد سكان بلدانها الخمسة والخمسين مليار نسمة، وبدأت تكتسب مكانة بارزة في العلاقات الدولية، وهي تشارك بالفعل في حل المشكلات السياسية والاقتصادية العالمية. ويُعتبر تطوير العلاقات مع الدول الأفريقية من الأولويات المهمة في سياسة الدولة الروسية، ونحن ننطلق في هذا التوجّه من الواقع التعاوني الروسي – الأفريقي الراهن الذي يزداد قوة وتجذّراً، ويتجلّى الحافز المهم لتحقيق ذلك في اقتراب موعد انعقاد القمة الروسية – الأفريقية الأولى بين الطرفين، والتي ستستضيفها مدينة سوتشي الروسية في شهر أكتوبر المقبل. وخلال السنوات القليلة الماضية، حققنا تقدماً لافتاً في تعميق أسس الحوار السياسي والتعاون مع القارّة من خلال الاجتماعات البرلمانية، والتقارب مع المجتمعات المدنية الأفريقية. ومن شأن هذا الإنجاز الميداني أن يمثل تمهيداً عملياً لإحراز تقدم كبير في مجال زيادة التعاون المشترك في ميادين التجارة والاقتصاد والاستثمار وتطوير القطاع البنكي، بحيث يتم كل ذلك في إطار التخطيط لمشاريع تحقق مصلحة الطرفين. وشهدت موسكو في شهر يونيو الماضي، انعقاد اجتماع لكبار المساهمين في «بنك التصدير والاستيراد الأفريقي»، جاء متزامناً مع مؤتمر اقتصادي آخر نُظّم تحت شعار «روسيا – أفريقيا «. وفي مطلع شهر يوليو الجاري، انعقد اجتماع برلماني روسي – أفريقي على هامش «المنتدى الدولي للتطوير البرلماني»، ومن أجل ضمان تحقيق أعلى مستوى من التعاون مع القارّة، فإننا نحرص على عقد الاجتماعات الثنائية المنتظمة للجان الحكومية التابعة للطرفين. وفي عام 2018، تجاوز حجم التجارة الروسية مع القارة الأفريقية 20 مليار دولار، وبالمقارنة مع حجم تجارة الشركاء الآخرين لأفريقيا، لا يُعتبر هذا الرقم كبيراً، ولكنه يُعدّ مؤشراً مهماً ومشجّعاً لو نظرنا إلى ديناميكية تطور هذه الشراكة خلال السنوات القليلة الماضية. وتندرج التطلعات الطموحة لأصدقائنا الأفارقة من خلال التعاون مع روسيا، ضمن أولوياتنا السياسية، وهي تنبع من الحقيقة القائمة من أن القارة تتذكر جيداً إسهاماتنا في كفاح شعوبها ضد الاستعمار والتمييز العنصري، ونضالها من أجل الحرية والاستقلال، ومساعدتنا لها على إقامة أسس الدولة الحديثة، وإنشاء المؤسسات الاقتصادية والدفاعية الوطنية. واليوم، نحن نسهم بالفعل في حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية لبلدان أفريقيا بمنحها الأفضليات التجارية والفوائد التسعيريّة والضريبية، ودعمها في المؤسسات الدولية المختلفة وخاصة في الأممالمتحدة. ويَتحتم علينا الآن أن نهتم بشكل أكبر بالقارة الأفريقية في ظلّ أوضاع تشهد تنافساً محتدما عليها من عدد كبير من اللاعبين الآخرين، وينظر معظم هؤلاء اللاعبين لعلاقاتنا المتنامية مع أفريقيا بشيء من الحسد والغيرة الخفيّة. وعلى أية حال، فإن شركاءنا الأفارقة ينظرون إلى المنهج السياسي والاقتصادي الذي تلتزم به روسيا إزاء قارّتهم بأنه منهج بنّاء.