تميزت نهاية سنة 2014 بحدثين اثنين لهما ارتباط بصحة الفم والأسنان عند المغاربة، الأول يتعلق بتنظيم هيئة أطباء الأسنان الوطنية لفعاليات الأسبوع الوطني لتعزيز صحة الفم والأسنان بشراكة مع وزارة الصحة، وكليتي طب الأسنان بالرباط والدار البيضاء، ما بين 24 نونبر و19 دجنبر، تحت شعار "لِتُحَافِظُوا عَلَى صِحَتِكُمْ، اعْتَنُوا بِأسْنَانِكُمْ" . وهي الحملة التي استهدفت جميع فئات المجتمع، مع إعطاء أهمية خاصة للأطفال والشباب والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة من خلال تحسيسهم بوسائل الوقاية والحفاظ على صحة الفم والأسنان، كمدخل للحفاظ على الصحة العامة للفرد والمجتمع، مع تقديم الإمكانيات المتاحة بالمؤسسات الصحية في مجال العناية بصحة الفم والأسنان. وخلال هاته الأيام التحسيسية استفادت بعض المناطق المعزولة من الكشف والعلاجات الطبية بفضل تجهيزات طبية متنقلة تم إعدادها خصيصا لهذا الغرض، كما تم تنظيم ندوات حول العلاقة بين صحة الفم والأسنان والصحة العامة ككل، وذلك بكليتي طب الأسنان بالرباط والدار البيضاء، بالإضافة إلى تنظيم أيام مفتوحة بعيادات طب الأسنان للقطاع الخاص والعام والجامعي للتحسيس والكشف عن التسوس والأمراض التي تصيب اللثة. والحدث الثاني تمثل في تنظيم الحملة الوطنية الخامسة للكشف عن داء السيدا ما بين 1 و10 دجنبر، والتي أعقبتها ليلة لجمع التبرعات لفائدة المستهدفين بهذا المرض، الذين ليس بالضرورة أصيبوا به نتيجة لأسباب تقليدية تحضر بشكل بديهي في مخيلة واعتقاد العديدين، وإنما قد تكون بفعل عوامل أخرى لا دخل للشخص المريض بها، ومن بينها إمكانية التعرض للداء نتيجة للتوجه نحو مزاولين غير شرعيين لمهنة طب الأسنان طلبا للعلاج أو لاقتلاع ضرس أو غيره. وهنا نستحضر جميعا كيف أنه ومنذ اكتشاف داء فقدان المناعة (السيدا) في العالم سنة 1981 وفي المغرب سنة 1986، وعدد الأشخاص المصابين به في تزايد مطرد، وذلك رغم الحملات الكثيرة والمتنوعة التي تنظمها عدة هيئات حكومية ومنظمات المجتمع المدني. ففي المغرب تتحدث التقارير عن وجود حوالي 30 ألف حالة إصابة سنة 2013، والأخطر من هذا هو كون 74 في المئة من المغاربة المصابين هم يجهلون أنهم مرضى بفيروس نقص المناعة، مما يزيد من احتمالات تنقل الفيروس لأشخاص آخرين، فضلا عن كون السيدا هي فيروس كامن قد يتطلب سنوات عديدة لتبدأ أولى الأعراض في الظهور عند المصابين. وفيما يتعلق بتشخيص الإصابة بالسيدا، يحتل طبيب الأسنان مكانة هامة، إذ تمكن الحالة الصحية للفم والأسنان من اكتشافه مبكرا من خلال ظهور أعراض واضحة بالفم على شكل تقرحات وانتفاخات باللثة مصاحبة بنزيف مستمر مع وجود تحلل بسيط في الأسنان، وطفح بيضاء تظهر على اللسان أو داخل الخد أو الحلق يكون سببها ضعف أو انعدام المناعة عند المريض. ومن هنا تأتي أهمية دور طبيب الأسنان في تشخيص أعراض الإصابة بالسيدا، إذ يمكنه توجيه ومساعدة المريض على إجراء كشف مبكر عن السيدا، وبالتالي المساهمة في مكافحته والحيلولة دون انتشاره بشكل واسع. فأي طبيب أسنان تلقى تكوينا طبيا كما هو متعارف عليه في كليات طب الأسنان يمكنه تشخيص مرض فقدان المناعة المكتسبة من خلال فحص بسيط للمريض الذي يقصده لعلاج أمراض الفم والأسنان، بل يمكن الاعتماد على بعض تقرحات الفم واللثة لتحديد مستوى الإصابة. ولا يخفى على أحد التأثيرات الخطيرة لهذا النوع من التقرحات المرتبطة بفيروس السيدا على الحياة الطبيعية للمصابين، إذ لا يستطيعون تناول الأطعمة بشكل عادٍ كما لا يمكنهم تركيب رمامات الأسنان التي قد تسبب لهم آلاما فظيعة مما يؤثر بشكل سيء على حياة المرضى. ولهذا، يبقى التشخيص المبكر وتلقي العلاج ذا أهمية كبرى في تمكين المرضى من العيش بشكل أفضل. ولمساعدتهم في تلقي العلاجات المناسبة، فإن المصابين بالسيدا مطالبون بإخبار طبيب الأسنان بمرضهم حتى يستطيع هذا الأخير تقديم العلاج الطبي المناسب لحالتهم وبالتالي تجنب التشخيص الخاطئ لطبيعة مرضهم. وعلى مستوى آخر يبقى طبيب الأسنان ومساعدوه هم أيضا عرضة للإصابة بداء فقدان المناعة المكتسبة لاشتغالهم في وسط قد يكون فيه دم "ملوث" بالسيدا أو بأمراض أخرى، وهو ما يرفع من احتمالات إصابتهم أو نقل الفيروس لأشخاص آخرين. لكن احترام إجراءات السلامة المعتمدة في جميع العيادات الطبية، كتعقيم وتطهير الأدوات الطبية، والعمل بالقفازات البلاستيكية ذات الاستعمال الوحيد، ووضع واقي الفم والأنف ، تبقى أفضل وسيلة للوقاية من تنقل العدوى كيفما كان نوع المرض. وتجدر الإشارة إلى أن كل طلبة كلية طب الأسنان يتلقون دروسا تهم داء فقدان المناعة المكتسبة وباقي الأمراض التعفنية الخطيرة وكذا سبل الوقاية منها والطرق الطبية الضرورية للتعامل مع المصابين بها. هذا التكوين العلمي هو ما لا يتوفر، للأسف، عند المزاولين غير الشرعيين لمهنة طب الأسنان، الذين يغامرون بتقديم خدمات طبية لمرضى قادتهم الأقدار والجهل بين أيديهم، فهم لا يمكنهم تشخيص الأمراض، ولا يتوفرون على الدراية ولا الوسائل اللازمة لتعقيم الأدوات الطبية المستعملة بشكل صحيح، بل يكتفون في أفضل الحالات بغسل هذه الأدوات بالكلور أو الكحول... وهي طبعا إجراءات غير كافية للوقاية من نقل السيدا بين المرضى الذين يقصدونهم. وأمام هذا الخطر البين للمزاولة غير الشرعية لمهنة طب الأسنان، التي يعاقب عليها القانون، مطلوب من كل المواطنين اتخاذ الحذر عندما يفكرون في علاج أمراض الفم والأسنان، وأن يتوجهوا عند طبيب الأسنان. وإذا اختلط عليهم الأمر ولم يستطيعوا التمييز بين طبيب الأسنان وصانع الأسنان، يمكنهم التأكد من شهادة المعالج ومن رقم انخراطه في هيأة أطباء الأسنان قبل المغامرة بصحتهم وربما بحياتهم، وبذلك سيساهمون في محاربة المزاولة غير الشرعية لمهنة طب الأسنان التي أخذ المجلس الجهوي للجنوب على عاتقه مهمة التصدي لها بكل قوة. وبالفعل اتخذ المجلس مؤخرا قرارا، الأول من نوعه في المهنة، يقضي بالتشطيب على طبيب أسنان بالدار البيضاء من جدول الهيأة لخرقه القوانين المنظمة للمهنة ولتورطه في مساعدة صانعي أسنان يزاولون مهنة طب الأسنان. ونرجو أن يكون هذا القرار عبرة للجميع وأن يساهم في محاربة هذه المزاولة غير الشرعية للمهنة. وبما أن القانون يعاقب من ينتحل صفة طبيب الأسنان، فإن السلطات مطالبة بحماية المواطنين من هؤلاء المزاولين غير الشرعين، لتنخرط بذلك في سياسة الحكومة التي تصرف ملايير الدراهم سنويا لعلاج مرضى السيدا ولتمويل الحملات التحسيسية التي تهدف للحفاظ على صحة المغاربة، وبالتالي الرقي بأوضاع الصحة العمومية التي توصي بها منظمة الصحة العالمية.