إن الفكرة الاشتراكية في المعارضة ليست هي قطعا نفسها في السلطة، إنها في المعارضة ذات بعد فاتن مجند، لكنها في السلطة ذات بعد باهت متهافت متآكل. لكن العيب، ليس في الفكرة ، بل في فصل حس المبادرة وروح الخلق عن الفكرة .ذلك أن هذه العوامل، هي الطاقة المغذية للفكرة التي لا تجد إشعاعها في تسيير الروتين اليومي، وإنما في ارتباطها الدائم بحلم الإنسان ، بمعنى مشروع حضاري دائم التجدد، دائم الافتتان .. إن الاشتراكية الاوروبية لم تكسب معركة وكفى، لكنها كسبت حربا عمرت طويلا انطلقت مع الثورة الفرنسية ؛ لقد كسبت معركة حقوق الإنسان ومعركة المواطنة ومعركة الديمقراطية ….إن الأمر يتعلق بإرث حضاري ومجموعة قيم ذات طابع سياسي مؤسساتي تربوي وأخلاقي . وهذا الإرث لا يجب اليوم أن يكون إرثا ثقيلا ولا إنجازا للاستعراض ، ولكن إلهاما لمواجهة مشاكل ذات طابع جديد كل الجدة …إنها الانفجارات البورصوية وعواقبها على الاقتصاد الوطني …إنها كيفية الحفاظ على الدولة الحاضنة لا بتقويتها، وإنما بإصلاح ميكانزمات تدخلها مع ما يتلاءم وحرية المبادرة والسوق …إنها كيفية إدماج المهاجرين ثقافيا واجتماعيا …إنها نوعية العلاقات الجديدة مع بلدان العالم الثالث وكيفية انتشالها من وحل تخلفها وبؤسها حتى تكون كفؤا في اقتصاد عالمي متكافئ …الخ …إن هذه الاسئلة ببعدها التقني والثقافي وهمومها الإنسانية، تسير بما لا يدع مجالا للشك لاهتمامات ذات رهافة محلية وكونية حاضرا ومستقبلا… اسبانيا: تجديد الاشتراكية الديمقراطية وانتصار الوردة “…إن مركز الثقل ، في الأممية الاشتراكية وتحديث الفكرة ، يوجد حاليا في شبه الجزيرة الايبيرية، حيث الحزب الاشتراكي الاسباني والحليف الجار في البرتغال، جددا الاشتراكية الديمقراطية، وأعطاها قوة إثبات الجدوى، بعد خفوت، إن لم نقل خبو الفكرة في معظم اوربا…” رسالة الاتحاد ، ج الاتحاد الاشتراكي ، عدد 12.227 هكذا أسفرت الانتخابات التشريعية الاسبانية التي جرت يوم 28 ابريل 2019، عن فوز الحزب الاشتراكي العمالي الاسباني بقيادة بيذرو سانشيز بالمرتبة الأولى ، وهو فوز مهم جدا . فلأول مرة بعد عشر سنوات، لم يحتل الحزب الاشتراكي العمالي الاسباني الصدارة في الانتخابات السابقة، التي جرت في العشرية الأخيرة. وهذا مؤشر مهم على نجاح سياسة الحزب بزعامة سانشيز …إن سياسة الحزب التي نهجها أعادت الثقة للناخبين الاسبان الذين صوتوا بكثافة على الحزب الاشتراكي في معظم المدن والمناطق القروية وفي كل مناطق الحكم الذاتي. وما هو واضح من خلال هذه النتائج، أن إرادة الناخبين الاسبان الذين ذهبوا لمكاتب التصويت، أن يواصل سانشيز مشوار مسيرته والإصلاحات والمبادرات التي قام بها في عدة مجالات وقطاعات مختلفة . فهذه رسائل واضحة ومعبرة …إن الحزب الاشتراكي له تاريخ طويل في النضال من أجل الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وتحسين مستوى عيش الشعب الاسباني ، بفضل سياسة الاشتراكية الديمقراطية التي اعتمدها الحزب ، هكذا تبقى الديمقراطية الاسبانية متميزة على المستوى الأوروبي وعلى المستوى العالمي . وفوز الحزب الاشتراكي العمالي الاسباني بهذه الانتخابات تشكل صفحة جديدة في تاريخ اسبانيا…ونسجل هنا،”…. المكانة التي يعطيها القائد الاشتراكي الجديد، بيذرو سانشيز ، للأممية الاشتراكية في تصوراته العامة، وفي بناء الفكرة الاشتراكية الجديدة، ومنها إلى الشركاء الأعضاء فيها، في المنطقة المتوسطية، شمالا وجنوبا.” رسالة الاتحاد». الاتحاد الاشتراكي يتفاعل مع فوز الاشتراكيين بإسبانيا “… لا بد من التذكير بأن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يظل الحزب الوحيد في شمال إفريقيا، العضو في الأممية الاشتراكية، الذي حافظ على تواجده المؤسساتي. فهو عكس العديد من الأعضاء في هذه الأممية، الذين رحلوا برحيل أنظمتهم ، كما في تونس ومصر، ظل قائما، وحافظ على وجوده المؤسساتي الذي يجعله شريكا فعليا لكل الأحزاب المتواجدة معه في المنظمة الدولية الأكثر حضورا …” وإذ نشيد بفوز الحزب الاشتراكي الاسباني واندحار اليمين، لا بد من التنويه بالمجهود والالتزام الذي أبانت عنه فعاليات الالتزام المغربي، مدنيا وسياسيا ، من خلال الاتحاد الاشتراكي في اسبانيا، وما أظهرته مناضلات ومناضلو الاتحاد في هذه المعركة من نضج وفعالية في تحديد الأولويات وتعبئة المواطنين في اسبانيا ضد التيارات العدمية اليمينية، ومن أجل فوز الاعتدال والروح الجماعية والمشترك الإنساني ..” رسالة الاتحاد. في هذا السياق تتأطر زيارة الكاتب الاول للاتحاد الاشتراكي، ذ ادريس لشكر، لمدريد، زيارة تهدف بالأساس الى التهنئة والاحتفاء بالفوز الذي حققه الحزب العمالي الاشتراكي باسبانيا خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة ، خاصة وأن هذا الحزب تربطه بالاتحاد الاشتراكي علاقات تعاون وثيقة… وفي لقائه مع كريستينا ناربونا، رئيسة الحزب العمالي الاشتراكي الاسباني، ومع خوسيه لويس أبالوس المسؤول المكلف بالتنظيم بالحزب العمالي الاشتراكي الاسباني ووزير التجهيز ، يوم الثلاثاء 30 أبريل بمدريد ، قال ذ لشكر ” إن الاسبان بعثوا من خلال الفوز الذي حققه الحزب العمالي الاشتراكي رسالة واضحة لليمين المتطرف الشعبوي وخطابه المناهض والمعادي للهجرة ، مشيرا إلى أن انتصار الاشتراكيين ” يطمئننا بخصوص مواصلة تقوية وتعزيز علاقات اسبانيا مع الدول المجاورة ” وسجلت كريستينا ناربونا في تصريحات للصحافة في ختام مباحثاتها مع الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، أن هذا أول لقاء يجمعها مع زعيم حزب اشتراكي من بلد أجنبي مباشرة بعد الانتخابات التشريعية . وقالت ” أعتقد أن هذا الأمر له قيمة رمزية كبيرة في ما يتعلق بالأهمية التي نعلقها في الحزب العمالي الاشتراكي الاسباني لعلاقاتنا مع المغرب. انتصار الوردة باسبانيا انتصار للمغرب كل التطورات التي تجري في اسبانيا لديها انعكاسات وتأثيرات على المغرب، الذي يعد بمثابة ملف من الملفات الداخلية الاسبانية، نتيجة العلاقات المعقدة في الهجرة وملف مكافحة الإرهاب والتعاون في شتى المجالات. لقد تنفسنا الصعداء بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الاسبانية الأخيرة، وكان شبح فوز اليمين القومي المتطرف يقض مضجع بلادنا لما له في برامجه من مبادرات مخيفة، ربما أكثرها حماقة وتهورا اقتراحُ حزب ” فوكس ” بناء جدار اسمنتي في الحدود المفروضة بين المغرب ومدينتيه المحتلتين سبتة ومليلية، يكون بتمويل مغربي مفروض من طرف مدريد للحد من الهجرة القادمة من الصحراء جنوب الساحل!! يضاف إلى هذا أن المغرب كان حجر الزاوية في حملة هذا الحزب الذي استقطب جنرالات ونخبا شوفينية مهمتها إخراج الأشباح من الماضي وإحياء ايزابيلا الكاثوليكية التي أسقطت غرناطة!!! ” إن الفوز الاشتراكي، اذن، شكل سدا في وجه النزعات الأكثر تطرفا في اليمين الاسباني، ممثلا في حركة “بوكس”، والتي يشكل الفرانكويون العتاة عمودها الفقري، وهي تعلن بوضوح لا مواربة فيه، عداءها للمغاربة والمغرب، كبلد وكمهاجرين وكأرض..” و”يمكن للرأي العام المغربي ان يعتبر، بدون مخافة الخطأ، فوز الاشتراكيين الاسبانيين، انتصارا للمغرب في الدائرة الشرق متوسطية. أولا، في شخص القائد الاشتراكي الجديد نفسه، والذي قاد حزبه إلى انتصار فريد منذ قرابة عقد من الزمن، أي من خلفه وأستاذه لويس ثباتيرو في 2008 ، باعتبار أن انحيازه والتزامه بالمغرب لا شبهة فيه، ولا تضمينات غير قابلة للقراءة ينطلق الفائز الجديد في الانتخابات الاسبانية ، من أن المغرب يشكل ” المفتاح ” لبلاده وحكومته ، كما أنه يعد بلدا محوريا في استقرار المنطقة المتوسطية بكاملها. (…) يعتبر سانشيز أن “تقدم المغرب ورخاءه يشكلان عنصرا حاسما في استقرار شرق المتوسط وبشكل ملموس بالنسبة لإسبانيا”،….” عبد الحميد جماهري – ج الاتحاد الاشتراكي، عدد 12.225