يتقدم اليمين المتطرف بفرنسا على باقي الأحزاب في الانتخابات الاوربية المقررة في نهاية هذا الشهر، وهو ما كشف عنه آخر استطلاع للرأي، وحصل حزب التجمع اليميني بزعامة مارين لوبين على نسبة 22 في المئة حسب استطلاع أجراه معهد “ابسوس سبير ستيريا،” في حين تراجع حزب الرئيس ايمانييل ماكرون “الجمهورية إلى الامام” ولائحته تحت اسم ” النهضة ” إلى الصف الثاني، وخسر 2.1 نقطة ليحصل فقط على 21,5 في المئة. وهو ما يعني ان المعركة السياسة على الصعيد الانتخابي سوف تكون مرة أخرى ثنائية: بين اليمين المتطرف المعادي للبناء الأوربي وبين الجمهورية إلى الامام، الذي يطمح إلى إعطاء دفعة جيدة للبناء الأوربي . وهي معركة لن تقتصر على فرنسا لوحدها، بل ان تهديد وصول اليمين المتطرف إلى البرلمان الأوربي يمس اغلب البلدان الاوربية سواء إيطاليا،المانيا،اسبانيا، هولندا بالإضافة إلى بلدان شرق اوربا و بعض بلدان شمال اوربا. أي ان اغلب بلدان اوربا أصبحت مهددة بتصاعد قوة الأحزاب الفاشية، جعلت البعض يقارن هذه الوضعية باوربا اليوم ، باوربا في تلاثينات القرن الماضي. المشهد السياسي بفرنسا خلال هذه الحملة تغيب عنه الأحزاب الكلاسيكية المعروفة، لينحصر الصراع بين الجمهورية إلى الامام، حزب ليبيرالي مؤيد لاوربا، وتتزعم لائحته وزيرة سابقة بالحكومة وهي ناطالي لوازو وبين حزب اليمين المتطرف الذي يتزعم لائحته شاب غير معروف وهو جيروم بارديلا، في حين ان حزب الجمهوريين وهو يمين محافظ ووضع على رأس لائحته فرنسوا غزافيي بلامي لا يحصل حسب نفس الاستطلاع على اقل من 13,5 في المئة. اما حزب فرنسا الابية، وهو يسار راديكالي الذي توجد على رأس لائحته مانون اوبري، لم يحصل على 8 في المئة، وحزب الاوربيون الخضر يتصارع من أجل نفس النسبة. في حين أن الحزب الاشتراكي الفرنسي لا تتجاوز النسبة التي يمنحها إياه استطلاع الرأي اكثر من 5 في المئة، وهي نفس النسبة بالنسبة للائحة نوفيل جينيرأسون لبونوا حامو. اما فيما يخص حركة السترات الصُّفر، فإن المنتمين اليها او المقربين اليها يشاركون في ثلاث لوائح في هذه الانتخابات ، احداها محسوبة على اليسار والتي يتزعمها فرانسيس لالان، واللائحتان الباقيتان محسوبتان على اليمين المتطرف. وحسب الاستطلاع الأخير، فإن مجموع هذه اللوائح المقربة من السترات الصفر لن تحقق اكثر من 3 في المئة من الأصوات في الانتخابات الاوربية المقبلة. وتم في 3 ماي تسجيل 33 لائحة انتخابية، وهو رقم قياسي بالنسبة للانتخابات الاوربية المقبلة، من حيث عدد اللوائح المشاركة في انتخابات لا تعرف اقبالا شعبيا كبيرا بفرنسا والتي لا تتجاوز نسبة المشاركة فيها اكثر من 40 في المئة حسب ارقام السنوات الأخيرة وهو رقم ضعيف في انتخابات جد مهمة بالنسبة للاوربيين. بالنسبة لرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون، فإن الرهان على هذه الانتخابات الاوربية ودورها السياسي في القارة الاوربية، هو جد مهم. النجاح في هذه المعركة الانتخابية يعني بالنسبة لرئيس ايمانييل ماكرون وحزبه تقوية الجبهة الداخلية، بعد الإجراءات التي اتخذها على المستوى الاجتماعي من أجل تقوية موقعه وموقع عائلته السياسية في الانتخابات الرئاسية المقبلة، والخروج من الازمة الاجتماعية ومن الاحتجاجات التي تقوم بها السترات الصفر والتي وصلت إلى 5 اشهر حتى الان. وفي حالة الهزيمة في هذه الانتخابات، فإن ذلك يعني تقوية المعارضة خاصة المعارضة التي يقوم بها اليمين الراديكالي، الذي سيصبح المنافس الرئيسي لحزب الأغلبية في غياب المعارضة الكلاسيكية وهي حزب الجمهوريين وحزب الاشتراكيين اللذين تراجعا بشكل كبير منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة إلى حد لم يعد لهم دور يذكر. اما على المستوى الأوربي، فإن نجاح اللائحة التي تنتمي إلى العائلة السياسية للرئيس، فهي تعني تقوية المجموعة التقدمية التي يدعو لها على مستوى اوربا وتقوية هذا التيار الذي يريد الاستمرار في البناء الأوربي وتوقية مؤسساته. لكن في حالة الهزيمة، فإن موقف الرئيس الفرنسي سيكون ضعيفا لدى باقي شركائه الاوربيين، و لن يكون بمقدوره لعب دوره كبلد رائد في اوربا، وهو الدور الذي مازال يلعبه ايمانييل ماكرون منذ وصوله إلى الحكم منذ سنتين، والذي تصادف مع تراجع قوة المستشارة الألمانية انجيلا ماركيل، التي لم تحصل على اغلبية مريحة في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وقررت تسليم قياة الحزب المحافظ إلى خليفة لها. لهذا، فإن الرئيس الفرنسي يعول كثيرا على هذه الانتخابات من أجل تقوية موقفه على الصعيد الأوربي، ومن أجل مواجهة التيارات الشعبوية التي تقوت في السنوات الأخيرة بشمال وشرق اوربا، وتعزز موقعها في جنوب اوربا بوصول اليمين المتطرف إلى الحكم في بلد أساسي ومؤسس للاتحاد الأوربي وهو إيطاليا. في ظل هذه الأجواء، فإن الرئيس ايمانييل ماكرون أمام التذبذب الذي تعرفه لائحته، وبعد الإجراءات الاجتماعية التي اتخذها الأسبوع الماضي، يتوقع العديد من المقربين له أن يشارك في الحملة الانتخابية، وهو عمل يمكن ان يغير مسار هذه الحملة سواء لصالحه كما يحلم بذلك او تتحول هذه الانتخابات الاوربية إلى محاكمة لسياسة الرئيس في السنتين الأخيرتين لحكمه، وهي سياسة اثارت العديد الانتقادات خاصة من طرف السترات الصفروالفئات الاجتماعية التي تضررت من الضرائب حول المحروقات ومن مختلف الإصلاحات التي قام بها. وإذن، فإن هذه الانتخابات هي حيوية ومصيرية للرئيس الفرنسي ولمستقبل البناء الأوربي بصفة عامة، الذي أصبح مهددا في السنوات الأخيرة، بسبب تقوي اليمين المتطرف، والذي يطمح إلى تحقيق الأغلبية بالبرلمان الأوربي، من أجل تحقيق هدفه الأساسي، وهو تفكيك مؤسسات الاتحاد والعودة بأوربا إلى الوراء أي إلى البلدان القومية القطرية في إطار حدودها القديمة، بعد ان حققت هذه البلدان تطورا كبيرا في السنوات الأخيرة في ظل مؤسسات الاتحاد الأوربي، في عدة مجالات، منها توحيد العملة، وإنشاء بنك مركزي، وخلق فضاء حدودي مشترك يعرف باتفاق “شنغن”، بالإضافة إلى العديد من القوانين تجعل من اوربا كثلة موحدة في مواجهة باقي الكثل الكبرى مثل الصين، روسيا والولايات المتحدةالأمريكية.