من بين التوصيات الخطيرة للمناظرة الوطنية للجبايات "توسيع مجال الضريبة على القيمة المضافة ليشمل جميع الأنشطة الاقتصادية، وذلك بتحويل تلك الموجودة خارج نطاق التضريب إلى إعفاء أو إخضاعها لسعر 0 إن اقتضى الحال". وأدرجت هذه التوصية في "باب الإنصاف الضريبي"، بيد أن الضريبة على القيمة المضافة تعتبر من أكثر الضرائب إجحافا من منظور العدالة الاجتماعية. فالمعلم أو العامل المتوسط عندما يشتري سيارة اقتصادية يؤدي الضريبة على الدخل، في حين أن المدير أو رب العمل يمكنه شراء سيارة فاخرة على حساب المؤسسة ويستفيد من استرجاع الضريبة على القيمة المضافة. المشكلة في الضريبة على القيمة المضافة أنها ضريبة غير مباشرة، يؤديها المواطن باعتباره مستهلكا دون إرادته. لذلك فهي تعتبر الحائط القصير بالنسبة للحكومات الباحثة عن وسيلة لملء خزينتها. فكل الضرائب الأخرى وراءها لوبيات وجماعات ضغط ونفوذ تسهر على عدم المساس بها. ووصل الأمر بإحدى الحكومات السابقة إلى إقرار رسم بقيمة 20 في المائة على "الزبدة". علما بأن غالبية المترفين لا يتناولون الزبدة بسبب الكوليسترول، في حين أن المواطنين الموجودين في عتبة الفقر تشكل الزبدة والخبز والشاي وجبة رئيسية بالنسبة لهم. الجانب الخطير في التوصية هو أنها تشغل العداد الجبائي للضريبة على القيمة المضافة بالنسبة لمواد "أساسية" كانت معفية أو خارج نطاق هذه الضريبة، وتوصي بأن يفرض عليها سعر 0 في المائة، علما بأن التوجه العام للإصلاح هو السير نحو إخضاع جميع المنتجات للسعر العادي المحدد في 20 في المائة. وللإشارة فإن من بين المواد التي سيشغل لها العداد الجبائي ويضبط في صفر بالمائة ليكون قابلا للتفعيل لاحقا نجد الخبز والكسكس والسميد وأنواع الدقيق المستعملة للغذاء البشري وكذا الحبوب المستعملة لصنع أنواع الدقيق المذكورة والخمائر المستعملة في الخبازة والحليب والحليب الخاص بالرضع والزبدة ذات الصنع التقليدي غير المعبئة باستثناء المنتجات الأخرى المشتقة من الحليب والسكر الخام والتمور الملففة المنتجة بالمغرب ومنتجات الصيد البحري واللحوم زيت الزيتون … والجرائد والمنشورات والكتب وأعمال التأليف والطبع والموسيقى المطبوعة والورق المعد لطبع الجرائد والمنشورات الدورية والأشرطة الوثائقية والتربوية والحمامات والأفرنة التقليدية وتجهيزات المعاقين… وتجدر الإشارة إلى أن الضريبة على القيمة المضافة عندما أحدثت في المغرب في 1986 حدد سعرها العادي في 19 في المائة، لكن أغلب المنتجات الواسعة الاستهلاك كان سعرها مخفضا، بينما كان يطبق سعر 30 في المائة على السلع الفاخرة. غير أن الأمور تطورت من قانون مالية إلى آخر، وتم إلغاء سعر 30 في المائة على السلع الفاخرة، فيما ارتفع السعر العادي إلى 20 في المائة وارتفعت أسعار العديد من المواد الاستهلاكية من 5 أو 7 أو 10 في المائة إلى السعر الهادي وهو 20 في المائة. مشكلة الضريبة على القيمة المضافة من وجهة نظر العدالة الاجتماعية هي أن ثقلها ينزل بشكل شبه كامل على طبقة الأجزاء والموظفين ودووي الدخل المحدود، لأن هؤلاء لا يملكون سوى ذلك الدخل المحدود من أجل الاستهلاك، ويصرفونها كاملا في الاستهلاك، وبالتالي يؤدون عليه مكرهين سعر 20 في المائة برسم الضريبة على القيمة المضافة. وبخلاف باقي الملزمين الآخرين، خاصة المقاولات، لا يمكنهم الغش أو التهرب. وعندما لا يكفيهم الدخل العادي لاستيفاء استهلاكهم يلجؤون إلى الإقتراض، مع ما يعنيه ذلك من مصاريف إضافية ضمنها الفوائد والعملات المصرفية التي يؤدون عليها أيضا رسم الضريبة على القيمة المضافة في المصدر، مع العلم أن 20 في المائة من مبلغ القرض ستبلعه الضريبة على القيمة المضافة عندما ينفقونه. ولكونها "الحائط القصير" ارتفعت حصة الضريبة على القيمة المضافة من 9.16 في المائة من المداخيل الجبائية في سنة 2000 إلى 25 في المائة في سنة 2008 إلى 30.4 في المائة في 2019. وأصبحت بذلك مصدرا أساسيا لموارد الميزانية الجبائية. وتأتي هذه التوصية لتركس هذه الوضع، ومعه عدم الإنصاف الضريبي، من خلال نقل ثقل الموارد الجبائية إلى كاهل المستهل، في الوقت الذي ترفع الدولة يدها عن دعم المواد الأساسية وتترك مكانها تدريجيا في مجالات الصحة والتعليم للقطاع الخاص.