نور الدين ضرار شاعر ومترجم من جيل الثمانينات، صدرت له لحد الآن خمس مجموعات شعرية والعديد من الأعمال الترجمية في الشعر والرواية والموسيقى والتوثيق وأدب الاطفال.. وفي مجال الهايكو تحديدا صدرت له مجموعة من الأعمال منها: ومضات من آخر سماء (ديوان)، نفحات من هايكو اليابان (أنطولوجيا)، الهايكو العربي وشعريات هايكو العالم(مؤلف جماعي)، كما صدر له مؤخرا عن دار الفنك «باقات من حدائق باشو»، في انتظار إصداره المرتقب قريبا بعنوان «نفحات من الهايكو المغربي» بالاشتراك مع الشاعر مصطفى قلوشي.. حول واقع وآفاق شعر الهايكو كان لنا معه هذا الحوار المقتضب.. – هناك موجة كبيرة لشعر الهايكو في المغرب عقد عنها مؤخرا مؤتمر، وتعد حولها أنطولوجيات ، وهناك اهتمام كبير بها. لكن ما جدية الموضوع؟ – فعلا، بإمكان المتتبع لمستجدات الحياة الثقافية في المغرب أن يلامس تنامي الاهتمام بشعر الهايكو، ويلحظ أنه تجاوز في العامين الأخيرين مرحلة التجارب الفردية المعزولة لمرحلة الانخراط الجماعي في تمثله على مستوى الإبداع كما على مستوى المقروئية والممارسة. وعليه، بات من المستساغ اليوم الحديث عندنا عن حركية هايكوية آخذة في التبلور بشكل لافت على أكثر من واجهة ومستوى؛ وذلك باعتبار الحصيلة الإبداعية المتمثلة في نشر العديد من الأضمومات الورقية والإليكترونية، والحصيلة التوثيقية المتمثلة في عدد من الإصدارات من صنف المختارات والمجاميع الأنطولوجية والمتابعات النقدية، فضلا عما تحقق تنظيميا من عقد ملتقيات وندوات بحضور مغربي وعربي ودولي وازن. – هل يمكن فعلا العودة إلى القرن السابع عشر في اليابان لإعادة إنتاج نصوص مماثلة؟ – قطعا لا، ما عدا أن تكون العملية برمّتها مجرد استنساخ من باب التقليد الأعمى. إن الهايكو في منشئه الياباني مع رائده باشو معروف بثبات بنيته الهندسية، غير أنه سيخضع في مراحل لاحقة لموجات من التطور عبر حساسيات شعرية متباينة وتصورات إبداعية متنوعة. وككل الفنون يبقى قابلا للتهجير والتصدير انطلاقا من أرخبيله الأصلي لجغرافيات أخرى متاخمة أو متباعدة، في شكل امتدادات متواصلة بلغات مرادفة وجماليات مغايرة. ومن هنا فالتجارب المغربية الواعية بآليات اشتغالها مدعوة للاستجابة لنزوعات التأصيل والمغايرة بمقتضيات خصوصيتها الثقافية ومقومات هويتها الثقافية, وذلك من أكبر رهانات التجربة الهايكوية في المغرب. – ما المسافة بين الشذرة والهايكو؟ – لعل الشذرة أقرب فكريا إلى الالتماعة الفلسفية، وأقرب شعريا إلى التوقيعة أو الومضة، بينما الهايكو درج المقعدون على توصيفه التقني القاضي بحصر بنائه في الأسطر الثلاثة على مستوى التوزيع الهندسي، وضبط وزنه بسبع عشرة وحدة (5،7،5) على مستوى التقطيع الصوتي، وحكر تيمته على المشهدية الطبيعية على مستوى الاشتغال الموضوعاتي.. لكن بيقىفي نهاية التوصيف، علاوة على هذه الخصائص الشكلية، شعرا بميزته الجوهرية المفارقة التي تتمثل أساسا في عنصر التكثيف القائم على الاقتصاد اللفظي والعمق الدلالي والغنى الرمزي. إنه «نص مضغوط بشعرية مركزة» كما لمحت في مقدمة الأنطولوجيا العربية التي أنجزتها في مستهل الألفية بعنوان «نفحات من هايكو اليابان». – كيف تقيمون تجربة الهايكو في المغرب؟ وكيف تم تلقيها في الأوساط الثقافية؟ -لا يمكننا أن ننفي في هذا الصدد وجود قلة من الشعراء المبدعين وسط هذا المَدٍّ الكاسح من الممارسين، وهو أمر طبيعي يتيح على الأقل تكريس النوعي من داخل الكمي. وبتصفحنا للمنجز الهايكوي المغربي، تطالعنا أساسا حساسيتان: حساسية الأصول بوفائها للقواعد الكلاسيكية، وحساسية التأصيل بنزوعها لممكناتها الإبداعية. هذا مع وجود تجارب توفيقية بينهما، وإن كان من الملاحظ هيمنة المنحى التقليدي على المنحى التجديدي. والخلاصة أن كل هذه التجاذبات هي من صميم انغمارناالجماعي في تشكيل حركية هايكوية في المغرب جديرة بالمتابعة والإنصات إسوة كقرينة للشرقية وسلسلة لليابانية.