في خطوة جديرة بالمتابعة والتشجيع أبدع نزلاء ونزيلات مؤسسات سجنية في تشخيص مسرحية « مبارك ومسعود « التي لقيت استحسان وإعجاب الحضور المكثف الذي تابعها بالمركب الثقافي الفقيه المنوني التابع للمديرية الإقليمية لوزارة الثقافة بمكناس. عرض شخص فيه النزلاء معاناتهم وقربوا الحاضرين من حياتهم اليومية داخل أسوار السجن، من خلال رسمهم لوحات فنية جمعت ما بين الهزل والفكاهة والسخرية والترفيه والنقد والانتقاد للواقع المعيش. وقدم رشيد علي العدواني مخرج المسرحية، أحد خريجي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، فكرة عن العرض وسياقه وأهدافه فتشخيصه في المسارح داخل وخارج أسوار السجن، مشيرا إلى كيفية انتقاء هذه الفرقة المشكلة من 28 نزيلا ونزيلة ، شاكرا كل من ساهم في إخراج الفكرة إلى الوجود بدءا من المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، والمدراء الجهويين ومدراء المؤسسات السجنية والمشرفين الاجتماعيين وجميع الموظفين بها، ورجال الدرك والشرطة و… وتابع العرض المسرحي، إلى جانب الحضور النوعي والكمي الذي صفق بحرارة للأداء الرائع لهؤلاء النزلاء على خشبة قاعة مسرح المنوني، المدير الجهوي للمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج بجهة فاسمكناس ومدراء المؤسسات السجنية تولال 1و2و3 وممثلو السلطات المحلية والأمنية والدرك الملكي، وبعض نساء ورجال القضاء ، وجمعيات المجتمع المدني. كما تابع العرض الكاتب والباحث المسرحي الدكتور حسن المنيعي والمسرحي الضعيف بوسلهام والفنانة وسيلة صادق التي زارت وواكبت أعمال الفرقة من داخل أسوار السجن المركزي بالقنيطرة. وجدير بالذكر أن هذا العرض المسرحي الذي احتضنت فعالياته قاعة المنوني بمكناس، شكل المحطة الرابعة في إطار الجولة المسرحية التي تقوم بها المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج بتعاون مع وزارة الثقافة، بعد مسرح محمد الخامس بالرباط ومسرح لآلة عائشة بالمضيق ومسرح محمد السادس بوجدة، ثم المؤسسات السجنية الواقعة في نفوذ تراب هذه الجهات، ستواصل هذه الفرقة المسرحية التي تضم 28 معتقلا بوضعيات جنائية مختلفة يمثلون شرائح مجتمع مختلفة عرض عملها ب أزيد من 87 مؤسسة سجنية عبر تراب المملكة. وعبر مخرج المسرحية عن سعادته بنجاح هذا العمل النابع من فكرة راودته صيف 2011 بلبنان كتجربة رائدة رغم أنها فصلت الذكور عن الإناث. ومنذ تلك الفترة وهو منشغل بها علما بأنه اشتغل وهو طالب بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي ، على التداوي باللعب «La Drama thérapie « من أجل إدماج السجناء ذوي العقوبات الطويلة بالسجن المركزي بالقنيطرة لمدة 3 أشهر ، وبتنسيق مع مصلحة العمل الاجتماعي والشؤون الثقافية تم اقتراح مسابقة « كوميك « أي التنقيب عن المواهب الكوميدية فقام بهذا العمل بجميع المؤسسات السجنية بالمغرب فتم انتقاء 400 مشارك ثم 120 ثم 40 إلى أن وصل إلى هذه المجموعة المكونة من 28 سجينا الذين قدموا عرض مسرحية « مبارك ومسعود « بمسرح محمد الخامس بالرباط في اليوم الوطني للنزيل، فحظي العرض بإعجاب الحضور والمسؤولين بالمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، فتقرر أن يتم عرض المسرحية داخل وخارج أسوار المؤسسات السجنية عبر التراب الوطني. وعن الهدف من هذا العمل النبيل أشار رشيد علي العدوان، إلى «أن الإنسان الذي أجبرته ظروف ما على دخول السجن و قضاء عقوبته فيخرج بوصمة عار ، بإمكانه مواجهة نفسه والتصالح معها أولا ، ثم يقنع المجتمع قبل مواجهته له بكونه يتوفر على كلمة وله ثقة في نفسه وله قدرات تمكنه من تغيير نفسه»، مبرزا «أن تحولا ملموسا طرأ على هؤلاء النزلاء من خلال احتكاكه معهم خلال 6 أشهر التي عايشهم فيها، ونفس الشيء شعرت به عائلاتهم». وعلى هامش العرض قال عزالدين شفيق المدير الجهوي للمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج بجهة فاسمكناس « إن هذا العرض هو ثمرة مجهودات بذلت خلال سنة 2018 في إطار مسابقة « كوميك « التي نظمتها المندوبية العامة، وهي المسابقة التي تندرج ضمن البرامج التربوية والإصلاحية التي تقوم بها المندوبية العامة لفائدة السجناء»، مشددا على «كون العرض مناسبة للتعريف بالمبادرات التي تقوم بها المندوبية العامة في إطار استراتيجيتها التي تهدف إلى إعادة إدماج السجناء في النسيج الاقتصادي والاجتماعي بعد الإفراج عنهم»، مؤكدا أيضا « أنها رسالة كذلك من المندوبية العامة لكي تحظى هذه الفئة من أبناء المجتمع بما ينبغي من رعاية واهتمام على اعتبار أن فترة العقوبة هي فترة انتقالية فقط « ، مضيف أنها «فرصة لعودته إلى المجتمع وهو مؤهل يحمل رصيدا معرفيا ورصيدا ثقافيا «. وختم تصريحه قائلا « إن إعادة الإدماج ليست مسؤولية المندوبية العامة لوحدها، بل هي مسؤولية مشتركة بينها وبين جمعيات المجتمع المدني وقطاعات حكومية وأن المندوبية العامة تفتح أبوابها في وجه هؤلاء من أجل المساهمة في بناء مجتمع يحتضن جميع أبنائه بدون استثناء.» وفي ذات السياق ثمنت أسماء بنمسعود مبادرة العرض المسرحي، متمنية « أن تتكرر هذه المبادرة لأنها تساعد النزلاء على إعادة الإدماج، كما أنه نوع من التحسيس للمواطنين بأن النزيل هو أيضا يحمل بداخله إبداعات ومواهب، ربما سقط في أخطاء نظير ظروف ومشاكل معينة جعلته يرتكب جرما قاده إلى السجن، لذا لا يجب علينا أن نقسو عليه، بل من واجبنا أن نعطيه فرصة ونساعده من أجل إعادة إدماجه داخل المجتمع».