بعد عقود من النداءات المدنية والبحوث التاريخية حول مدينة/ قلعة»فازاز» الأثرية، ضواحي خنيفرة، دخلت وزارة الثقافة والاتصال على الخط، وقررت التعامل مع ملفها بتدابير حمائية لصيانتها، حسب بلاغ للوزارة، نشرته على موقعها الالكتروني، يوم الأربعاء 20 فبراير 2019، معلنة أنها «باشرت، من خلال مديرية التراث الثقافي، مسطرة تسجيل الموقع ضمن لائحة التراث الوطني كإجراء استعجالي ضمانا لحمايته قانونيا»، وذلك بالنظر ل «الأهمية الأركيولوجية والتاريخية التي يكتسيها الموقع الأثري، باعتباره معلمة تؤرخ لحقبة تاريخية مهمة من تاريخ المغرب»، وبالنظر إلى «ما يتعرض له من انتهاكات وخروقات وتجاوزات»، حسب البلاغ. وحسب المصدر ذاته فإن «مفتشية المباني التاريخية والمواقع، بتعاون مع السلطة المحلية، قد سطرت، لهذا الغرض، عدة زيارات لتسلم القطع الأركيولوجية»، كما اتخذت مديرية التراث الثقافي بالوزارة «مجموعة من التدابير التي تصب في الاتجاه نفسه، إذ تم الشروع في تطبيق مسطرة اقتناء موقع «فازاز» الأثري، الممتد على ما يناهز 50 هكتارا، سواء بالتراضي أو عن نزع الملكية للمنفعة العامة، وكذا القيام بمسح أثري عاجل لتحديد الامتداد العمراني لمدينة فازاز»، في حين عملت ذات الوزارة على «إدراج الموقع ضمن برامج البحث الأثري الخاصة بالمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث». ويشار إلى أن الموقع الأثري يؤرخ ل 300 سنة من التاريخ المهمل لقبائل زناتة، ومؤسسها، عام 1000م، المهدي بن توالا اليحفوشي الزناتي، نسبة إلى قبيلة بني يحفش أو يجفش إحدى القبائل الزناتية الأمازيغية، ووفق ما تم العثور عليه من قطع نقدية، فكان يوسف بن تاشفين، قد حاصرها، دون تمكنه من اختراقها إلا بعد اتفاقية صلح عام 1071 -1072 م، ويقول بعض الباحثين أن قاضي قضاة بالأندلس، المعتمد بن عباد،كان قد نفي،وابنه الرشيد،إلى مدينة فازاز، في حقبة لاتزال حلقتها مفقودة، وبناء أيضا على ما تم اكتشافه من أثار للنار فقيل بأن المدينة كانت قد تعرضت لحريق كبير، وسبق لبعض المزارعين أن أكدوا موضوع الحريق لعثورهم على أثار حبوب محترقة كلماقاموا بحفر آبار أو قنوات للري. وقد ظلت مدينة أو قلعة»فازاز»عرضة للإهمال والتهميش والنهب والتخريب، ولعبث لصوص الكنوز ومافيا الآثار، إلى أن وصلها بعض الباحثين والجمعوين، أواسط تسعينيات القرن الماضي، وتم اكتشاف أسوارها وأبراجها،وبقايا حلي، وقطع نقدية وفخارية وحديدية،وأشياء مهمة، اندثرت في ظروف غامضة،كما سبق للجنة من الوزارة الوصية أن التحقت بالموقع، بعد تعرض أحجار أثرية للسرقة ونقلها إلى مكان مجهول، بتواطؤ مع بعض السكان،وتم إنجاز محضر بالواقعة دون أية تدابير ملموسة، إذا لم يكن خلف الأمر ما يثير شهية التحقيق والمساءلة، والمسجل أن الكثير من القطع الأثرية المهمة التي تم العثور عليها قد ضاعت لأسباب متعددة. والقلعة التي كانت تشتمل على كل مقومات المدينة، أو أكبر مدينة أمازيغية، قد جاء ذكرها غير ما مرة في العديد من كتب التاريخ، ولعبت دورا محوريا في التاريخ القديم والوسيط للمغرب الأقصى، وبها قلعة حصينة،استعصت على الكثير من القادة،ولا أحد يعلم كيف تمت محاولة تسميتها «الكارة» أو «اعميرة»، وقيل بأنها كانت رمزا للخارجين عن طاعة المخزن، وكتب عنها ابن خلدون قائلا:»… واستلحم كثير من المرابطين، واتصل خبرهم بيوسف بن تاشفين وهو محاصر لقلعة مهدي بلاد فازاز، فارتحل سنة ست وخمسين وأربعمائة ونزل عليها عسكر من المرابطين وصار يتنقل في بلاد المغرب فافتتح بني مراسن ثم قبولادة، ثم بلاد ورغة سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، ثم افتتح بلاد غمارة سنة ستين وأربعمائة». أما الناصري، صاحب كتاب «الاستقصا في أخبار المغرب الأقصى» فقال «..وَلما دخلت سنة خمس وثلاثمائة وَألف غزا السُّلْطَان مولَايَ الْحسن أيده الله آيت ومالو من برابرة فازاز وهم بطن من صنهاجة يشْتَمل على أفخاذ كَثِيرَة مثل ظيان وَبني مكيلد وشقيرين وآيت سخمان وآيت يسري وَغَيرهم أُمَم لَا يحصيهم إِلَّا خالقهم قد عمروا جبال فازاز وملؤوا قننها وتحصنوا بأوعارها مُنْذُ تملك البربر الْمغرب قبل الْإِسْلَام بأعصار طَوِيلَة فَلَمَّا كَانَت السّنة الْمَذْكُورَة خرج السُّلْطَان من مكناسة الزَّيْتُون عَاشر رَمَضَان مِنْهَا بِقصد غَزْو هَذِه الْقَبَائِل العاصية وتدويخ بلادها». وحسب الباحث في الثقافة الأمازيغية، محمد شفيق، فإن كلمة «فازاز» مشتقة من الكلمة الأمازيغية «أفزا» أو «ثفزة» التي تعني الصخر الخشن، وربما هذا راجع إلى الطبيعة الوعرة لتضاريس المكان ولتقلب احوال الجو فيه، بالإضافة إلى أن عدة خرائط تتضمن أسماء أماكن مثل (تفرن نثافزة، مثافزا، بوفزا، أيتثفزة، إفزيوين، إفزازن، إشبوفزا)، كلها أسماء مشتقة من كلمة «أفزا» وهذه هي الدلالة التاريخية لفازاز، ويجمع الباحثون والمؤرخون على أن المدينة المكتشفة كانت مكانا مفضلا ل «السلطان الأكحل»، أي أبي الحسن المريني، الذي عاش ما بين 1331 و1384 م.