أثار رفع الرسوم الجامعية للطلبة غير الأوروبيين في فرنسا استياء وإحباطا في بلدان المغرب العربي التي تتحدر منها أكبر جالية طلابية في ذلك البلد. وبات الأمر “حلما مستحيلا” ونوعا من “الإقصاء” بالنسبة إليهم. يقول عمر (21 سنة) “يمكن أن نتقبل رفع الرسوم الجامعية لكن ليس إلى هذه الدرجة”. ويضيف هذا الطالب واقفا قبالة مقر كامبوس فرانس، وسط العاصمة الرباط “انتقلنا من لاشيء إلى 2800 يورو في السنة، هذا كثير!”. ويتجمع حوالي عشرة تلاميذ أمام مقر هذه المؤسسة المكلفة ترويج التعليم العالي الفرنسي، في انتظار دورهم لإجراء “مقابلة شفوية” تسبق وضع طلب الحصول على التأشيرة. وزيادة على هذه الإجراءات الإدارية المعقدة في الغالب والمكلفة، صار عليهم مواجهة مشكلة ارتفاع الرسوم الجامعية. ويعرب صلاح (22 سنة) عن أسفه لكون فرنسا “أضحت وجهة يقصدها الطلبة الميسورون، أما الفقير أو متوسط الحال فما عليه سوى البقاء في بلده”. وقد اضطر هذا الشاب الذي يتابع دراسته في تسيير المقاولات بإحدى المدارس الخصوصية بالرباط إلى التخلي عن مشروع التسجيل في ماجستير بفرنسا، ويقول موضحا “أفضل التوجه حيث الدراسة أقل كلفة”. وكانت الحكومة الفرنسية أعلنت في نونبر 2018 زيادة رسوم التسجيل الجامعية للطلاب غير الأوروبيين. سيصبح الطلبة الأجانب من خارج الاتحاد الأوروبي، ابتداء من السنة الجامعية 2019-2020، مجبرين على دفع رسوم تسجيل في دراسة الإجازة بقيمة 2770 يورو والماجيستر والدكتوراه بقيمة 3770 يورو، مقابل مبلغ يتراوح بين 170 و380 يورو حاليا. ويحتل المغاربة صدارة الطلبة الجامعيين في فرنسا من خارج الاتحاد الأوروبي بحسب آخر إحصاء لكامبوس فرانس سنة 2017، إذ بلغ عددهم 38 ألف طالب. لكن نسبة المسجلين منهم في الجامعات الفرنسية شهدت انخفاضا بحوالى 15,5 بالمئة منذ رفع الرسوم الجامعية. وفي الوقت نفسه، بات دفع رسوم مكلفة مقابل الدراسة في مؤسسات خصوصية بمثابة القاعدة لدى الفئات الميسورة والمتوسطة في المغرب، في ظل تدهور صورة التعليم العمومي والانتقادات الكثيرة التي تطال جودته. ومن بين هؤلاء الذين استقطبهم التعليم الخصوصي يرى خالد (17 سنة) أن رفع الرسوم الجامعية للطلبة الأجانب غير الأوربيين في فرنسا “أمر طبيعي، بما أن الطلبة الفرنسيين يدفعون الضرائب بينما نحن لا ندفع سوى رسوم الدراسة”. ويستطرد هذا التلميذ الذي يتابع دراسته في ثانوية خصوصية بمدينة القنيطرة شمال الرباط، “يجدر بي دفع 3000 يورو” للحصول على شهادة ماجستير في الاقتصاد وإدارة الأعمال بفرنسا مضيفا “لكنني لا أجد المبلغ باهظا بالنظر إلى أننا نكون في الغالب مضطرين إلى الدفع من أجل الدراسة في المغرب كذلك”. وتراجع في المجمل عدد الطلبة من خارج الاتحاد الأوروبي المرشحين لولوج سلك الإجازة، خلال الدخول الجامعي المقبل بفرنسا، بنسبة 10 بالمئة. بينما أعلنت 15 جامعة فرنسية عزمها اللجوء لكل الوسائل القانونية الممكنة من أجل تمكين الطلبة المعنيين من الاستفادة من الدراسة وفق الرسوم المعمول بها حاليا. يمثل الطلبة المتحدرون من شمال إفريقيا حوالى ربع عددالطلبة الأجانب الذين يتابعون دراستهم في فرنسا والمقدر عددهم بأكثر من 300 ألف طالب. وكما حصل في المغرب، أثار قرار رفع الرسوم الجامعية استياء في الجزائروتونس، حيث سجل انخفاض في عدد المرشحين لمتابعة الدراسة بفرنسا بنسبة 22,95 بالمئة و16,18 بالمائة تواليا، بحسب أرقام نشرتها مؤسسة كامبوس فرانس مطلع شباط/فبراير. ويعتبر هشام الطالب في السنة الثانية بشعبة البيولوجيا في جامعة بجاية شرق الجزائر رفع الرسوم الجامعية “نوعا من الإقصاء بالنسبة للطلبة الأجانب”. ويضيف موضحا أنه اضطر بسبب ذلك للتخلي عن مشروع متابعة الدراسة في فرنسا، “بلغت مستوى متقدما في تحضير ملف الترشح (…) وعندما بلغني رفع الرسوم الجامعية أوقفت كل شيء، فالتكاليف باهظة جدا ويستحيل علي تغطيتها”. واضطر الطالب في نفس الجامعة عامر هو الآخر “للتخلي” عن مشروع متابعة الدراسة في فرنسا رغم أنه “أعد كل الوثائق اللازمة”، و”حصل على مواعيد إجراء المقابلات” الضرورية. ويبدو أثر هذا الإجراء أشد وطأة في تونس، حيث ارتفعت تكاليف الدراسة في الخارج أصلا، بسبب تراجع قيمة الدينار التونسي. بالإضافة إلى الاضطرابات التي شهدتها الثانويات التونسية، وأثرت على سيرها العادي مما حرم بعض التلاميذ من الحصول على نتائج الدورة الأولى، وهو الأمر الذي يضعف ملفات ترشحهم للدراسة بفرنسا. ويؤكد ممثل كامبوس فرانس في تونس العاصمة حسني دخلاوي تسجيل تراجع ملموس “بالمقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية” في عدد المرشحين للدراسة بفرنسا. وتأسف رانيا (20 سنة) التي تحضر الباكالوريا في الآداب بإحدى الثانويات العمومية في تونس لكون حلمها بالدراسة في فرنسا بات بعيد المنال. وتوضح “منذ طفولتي وأنا أحلم بذلك، لكن هذا الحلم أصبح مستحيلا، فقد صارت التكاليف باهظة جدا بالنسبة لمن هم في مستواي، باهظة مع ارتفاع الرسوم الجامعية وتراجع قيمة الدينار.