شخص المندوب السامي للتخطيط، أحمد لحليمي علمي، إشكالية النمو الاقتصادي في المغرب معضلة التمويل، إذ أن عدم كفاية تعبئة الادخار الوطني، وضعف مساهمة الطلب الخارجي، تفرض على البلاد اللجوء إلى المديونية لاستكمال تمويل نموها. وأوضح لحليمي في عرضه حول حصيلة وآفاق الاقتصاد الوطني، أن معدل نمو الطلب الداخلي، الذي يعتبر المحرك الرئيسي لنمو الاقتصاد الوطني، انخفض من 5 في المئة في المتوسط خلال الفترة بين 2000 و2012، إلى نحو 3.1 في المئة بين2013 و2017. وأوضح لحليمي، أن هذا الانخفاض هم مكوني الطلب الداخلي، الاستهلاك والاستثمار، مشيرا إلى أن نفقات الاستهلاك النهائي نزلت خلال هذه الفترة من 4.3 في المئة إلى 2.9 في المئة، في حين نزل تكوين الرأسمال الثابت (الاستثمار) من 6 في المئة إلى 1.2 في المئة. وأضاف لحليمي أنه خلال نفس الفترة، ارتفع حجم الخصاص على مستوى تمويل الاقتصاد الوطني، بسبب عدم كفاية الادخار الوطني في تغطية الاستثمار الوطني مما يعادل 1.2 في المئة من الناتج الخام الداخلي إلى 4.8 في المئة، مشيرا إلى أن السبيل الوحيد لتغطية هذا الخصاص هو المديونية. وأمام هذا الوضع، عبر لحليمي عن تخوفه الشديد من استمرار تراجع الاستثمار وارتفاع المديونية. وقال إن "تقليص وتيرة نمو الاستثمار لن يكون إلا تعبيرا عن سياسة مقيدة، ومن شأنه أن يحد من النمو الممكن المستقبلي لبلادنا. وسيكون أيضا غير مبرر، خاصة وأن الكثافة الرأسمالية التي تقيس المخزون الرأسمالي لكل نشيط مشتغل، تظل أقل مما هي عليه بالبلدان الصاعدة والسائرة في طريق النمو، حسب ما خلصت إليه الدراسات المنجزة من طرف المندوبية السامية للتخطيط. وسيشكل [تقليص وتيرة نمو الاستثمار] قطيعة مؤسفة مع الخيار الإرادي المعتمد منذ سنوات 2000 من طرف المغرب في هذا المجال، حيث بلغ معدل الاستثمار بين 30 في المئة و33 في المئة وكان المعدل الأعلى من بين هذه البلدان باستثناء الصين". ودعا لحليمي بدلا من ذلك إلى مراجعة عميقة لسياسة الاستثمارات في اتجاه تعديل "عدم التوازن بين الاستثمار في البنيات التحتية والأنشطة الإنتاجية"، من جهة، وتحقيق "نجاعة تدبير البرامج الاستثمارية"، من جهة ثانية، كما ألح لحليمي على ضرورة التوجه نحو الاعتماد على "الادخار الوطني كبديل للمديونية في شقيها الداخلي والخارجي" في تمويل الاقتصاد الوطني. وبهذا الخصوص، دعا لحليمي إلى ضرورة إجراء تحليل دقيق لمكونات الادخار الوطني ومختلف مصادره، مقاولات أسر تحويلات المهاجرين، من أجل تعبئته بشكل أفضل وتحفيزه وتوجيهه للاستثمار. وانتقد لحليمي بعض التوجهات التي ترى في اعتماد نمو الاقتصاد الوطني على الطلب الداخلي مصدر ضعف. وقال "كنا سباقين إلى الإشارة إلى كون نمو الاقتصاد الوطني يعتمد بشكل كبير على الطلب الداخلي، لكن لم نقل أبدا بأن ذلك يشكل عيبا. فكل نماذج النمو تعتمد أساسا على الطلب الداخلي". غير أن لحليمي أشار إلى أن الإشكالية تكمن في كون نمو الطلب الداخلي في المغرب، لا يجد أمامه ما يلبي حاجياته من الإنتاج الوطني، وبالتالي يتوجه نحو الواردات. ولإصلاح هذا الخلل، نوه لحليمي بضرورة توسيع القاعدة الانتاجية للاقتصاد الوطني بدل الاقتصار على تنمية بعض القطاعات المعزولة، مشيرا إلى ضرورة اعتماد تخطيط استراتيجي مندمج وشمولي عوض الاستراتيجيات القطاعية المعزولة، والتي تفتقد بشهادة الجميع إلى التكامل والالتقائية، كما دعا لحليمي إلى ضرورة تشجيع الوطنية الاقتصادية، وجعلها عنصر تعبئة عامة لجميع القوى الحية، من مقاولات وأحزاب ومجتمع مدني، إضافة إلى توسيع الديمقراطية التشاركية التي دشنها المغرب مع اعتلاء الملك محمد السادس العرش، وتوسيعها في مجال التخطيط الاقتصادي إلى نسيج المقاولات الصغرى والمتوسطة، بعد أن كانت تقتصر على المقاولات الكبرى.