ولد بمراكش وترعرع فيها ونسج خيوطه في «المدينة الحمراء» قبل أن ينطلق، ليذيع صيته داخل المغرب وخارجه، إنه ابن «مدينة البهجة» الذي ارتبط اسمه بها، حميد الزاهر الذي يمر بأيام عصيبة حاليا نتيجة المرض وكبر السن. نحت حميد الزاهر اسمه على الصخر منذ بداياته الفنية الأولى والتي كان يمارسها بالموازاة مع مهنة الجزارة التي كانت مصدر عيشه، عرف أولا بوقوفه في ساحة «جامع الفناء» الشهيرة، التي نافس فيها العديد من الأسماء المعروفة آنذاك، وذلك في أواخر سنوات الخمسينيات، قبل أن يسير بخطى ثابتة ليِصل إلى ما أصبح عليه فنه الذي انفرد به، حيث كون فرقة ترافقه وهو يعزف على العود ويؤدي أنواعا مختلفة من الموسيقى والمقطوعات الغنائية التي تغرف من التراث المغربي على العموم والمراكشي على الخصوص. وفي هذا الصدد، تحدث محمد الصقلي، الإذاعي والشاعر الغنائي المغربي المراكشي المقيم بروما، واصفا إياه بكونه «فنانا كبيرا أبدع فنا له خصوصيته على مستويات متعددة، حيث قدم نمطا من الفن الشعبي ولكن برؤية مرحة وخفيفة، ساعده على ذلك وسامة وجهه وحضوره ثم خفة الروح التي ميزت أغانيه التي لا تتجاوز مدتها 4 أو 5 دقائق، حيث إنها، وحتى لو أطال مدتها بإضافة التصفيقات والرقصات، إلا أنها تبقى دائما قريبة إلى قلب الجمهور الذي لا يملها». أما من حيث تشكيلة فرقته فقد اعتمد حميد الزاهر على 3 أو 4 أفراد فقط ، كل واحد منهم مبدع في تخصصه، وله غنى ومعرفة كبيرة بالإيقاعات المراكشية وكلهم متشبعون ب «القفشات» الشعبية وبالغناء الضاحك وبالنكتة المغناة. هذه المعرفة الغنية والمختلفة أحسن حميد الزاهر توظيفها مما جعل منه «مايسترو» بارع وأيضا «صاحب ورشة فنية» تخلق الجديد في كل مرة. «الأغنية الشعبية التي قدمها حميد الزاهر، يقول الإذاعي محمد الصقلي، ليست هي العيطة أو الطقطوقة الجبلية أو العيطة الزعرية أو غيرها..كما تعودنا عليها، بل هي نمط مختلف وأصيل وعميق ومن الذاكرة المراكشية، من حيث إيقاعها وجملها القصيرة، كما أن التوليفة التي نعرفها والتي اشتغل عليها الزاهر شخصيا، مستعملا رؤيته الخاصة، لا تعتمد على السمعي، لتبث فقط على الراديو، بل إنها قدمت أيضا الفرجة للجمهور، وعندما ظهر التلفزيون لم يقم حميد الزاهر بإعداد فرقة مكونة من 20 أو 30 موسيقيا، كما كان عليه حال الأغنية العصرية آنذاك، بل اكتفى بفرقة صغيرة واعتمد على آلة العود وآلة الإيقاع وعلى الرق أو «الطر» بالدارجة المغربية ثم التصفيق ثم شكل اللباس والراقصات والكورال المتكون من ذكور وإناث». يضع محمد الصقلي حميد الزاهر، من حيث العطاء التأسيسي والتأصيلي، في مسار ومستوى مجموعة من الفنانين المغاربة الذين تفردوا بفنهم، أمثال حسين السلاوي وعبد الصادق شقارة ومحمد بوزوبع، فحميد الزاهر هو الآخر متميز في إبداعه…». وبالنسبة له فالفنان محمد الزاهر سيبقى في الذاكرة الفنية المغربية وقد خلق ليبقى فيها، إذ أن عطاءه الفني الذي يمتد ل 60 سنة يجعل منه رصيدا غنيا لتراث الأمة، كما يجعل منه فنانا عابرا للأجيال، لقد ردد جمهور الستينيات والسبعينيات أغانيه كما تغنى له جمهور الثمانينيات والتسعينيات، ونحن في هاته الألفية نقف شاهدين على تواجد أطفال دون ال 12 و ال 15 يرددون الكثير من الأغاني التي أطربنا بها، والتي أعاد غناءها مجموعة من الفنانين الشباب، مثل جوديا بلكبير حينما أطلقت «أش داك تمشي للزين»، ومن خلال كل هذا، حميد الزاهر هو بكل المواصفات وبتأكيد شديد يستحق عن جدارة لقب «فنان الشعب». شهادات أخرى أثبتت كون حميد الزاهر لم يطبع فقط ذاكرة المغاربة ومختلف الأجيال بل قلوبهم أيضا، شهادات التقطتها الجريدة من بين تلك المتداولة في حقه على الشبكة العنكبوتية، إذ أن هناك من اعتبره» رمزا للغناء المغربي الأصيل، وهناك من وضعه في مصاف فنانين لهم بصمة خاصة في عالم الفن العربي كفريد الأطرش، محمد عبد الوهاب، عبد الوهاب الدكالي، محمد رويشة، ومنهم من ذكر بأنه كان مثالا للأناقة بحيث ذكر بأن والده كان يقلده في شكله وأغانيه، وكثير من رواد الأنترنيت دعا له بطول العمر وشكره على ما أسداه للمشهد الفني المغربي من أعمال فنية خالدة أدخلت البهجة والسرور على نفوس الكثيرين، كما أثنى آخرون على أغانيه التي يعشقونها، وهي للتذكير كثيرة، منها على سبيل المثال أغنية: «يا مراكش يا سيدي كلو فارح بيك» التي تغنى فيها بالملك الراحل الحسن الثاني وكانت سبب شهرته في الستينيات من القرن الماضي، ثم أغان أخرى ك»للا سعيدة» و»للا فاطمة» و «للا خديجة» و « عندي ميعاد»، «ثق بيا»، «أشداك تمشي للزين»، «اليوم ليلة الخميس»، «زينة بنت بلادي» ،»للا زهيرو»، «آش بلاني بيك»، « سيدي عمارا»، «عذروني»… من خلال هاته الإطلالة القصيرة على مسار حميد الزاهر، يمكن القول إنه يحق له أن ينعم بلقب «فنان الشعب» الذي اختير له، وأن ينتشي بتربعه على قلوب المعجبين بأغانيه العديدة والتي نتمنى، كما طالب بذلك العديدون، بأن يتم تحفيظها وتدوينها بالنوتة الموسيقية، كما نرجو، خاصة، أن ينعم بالصحة وبلطف العيش حتى أواخر أيام عمره، كما كانت أغانيه بلسما لقلوب العديد من المغاربة.