شمس تونس ذلك اليوم كانت جد حارة، لكن رغبتنا في الذهاب إلى بيت المغرب في تونس، أو سفارة المملكة المغربية في تونس ، بالاسم المتعارف عليه دبلوماسيا، لم تثننا عن مواصلة السير على الأقدام، بعدما تعذر علينا إيجاد سيارة أجرة لإقالتنا إلى هناك،خصوصا وأن اليوم يصادف الجمعة، الذي عمل فيه سائقو هذه الوسيلة من النقل على إزالة علامة «الركوب» من واجهة سياراتهم ، في الساعات الأولى من هذا اليوم الروحي الذي بدأ يأخذ أبعادا أخرى بعد ثورة الياسمين، التي اختفت رائحتها لتتيح الفضاء الضيق والطلق لرائحة بخور الخليج، تلك التي لا أستحبها، وتضايقني بالفعل كلما التقط أنفي البعض من خيوطها النابعة من ثياب البعض من دربنا أيضا وتلك حكاية أخرى
شمس تونس ذلك اليوم كانت جد حارة، لكن رغبتنا في الذهاب إلى بيت المغرب في تونس، أو سفارة المملكة المغربية في تونس ، بالاسم المتعارف عليه دبلوماسيا، لم تثننا عن مواصلة السير على الأقدام، بعدما تعذر علينا إيجاد سيارة أجرة لإقالتنا إلى هناك،خصوصا وأن اليوم يصادف الجمعة، الذي عمل فيه سائقو هذه الوسيلة من النقل على إزالة علامة «الركوب» من واجهة سياراتهم ، في الساعات الأولى من هذا اليوم الروحي الذي بدأ يأخذ أبعادا أخرى بعد ثورة الياسمين، التي اختفت رائحتها لتتيح الفضاء الضيق والطلق لرائحة بخور الخليج، تلك التي لا أستحبها، وتضايقني بالفعل كلما التقط أنفي البعض من خيوطها النابعة من ثياب البعض من دربنا أيضا وتلك حكاية أخرى لا حظت أن سيارات الأجرة الخاصة بالنقل العمومي، قد تحولت إلى سيارات خاصة بسائقي الركوب العمومي، تنقلهم إلى المساجد الموزعة على تونس الخضراء، في الوقت الذي ظل البعض منهم يشتغل بشكل عادي وسط الاكتظاظ الذي لحق بالمحطات الخاصة بوقوفهم. التفتت إلى رفيقي مازحة :» لقد عمل طاكسي النهضة، على إحداث أزمة ركوب في البلد بسبب الدين..» . وصلنا إلى بيت المغرب متأخرين، كانت الأشغال فيه متواصلة، اضطرت فيها سفيرتنا هناك السيدة والزميلة لطيفة أخرباش أن تظل فيه، صحبة الطاقم المصاحب لها، وسط أكوام من الورق والغبار. لم يكن موعدنا محددا معها، لكن الزميلة أخرباش، أو هكذا نسميها لاعتبارات كانت في ماضينا المشترك، استقبلتنا بكثير من الترحيب رغم أن زمنها لا يسمح، وواصلت معنا الحديث في اجتماع أضافته إلى مواعيدها، في قضايا منفتحة على تعقيدات كثيرة تهم المنطقة، مؤجلة في ذلك موعدا هاما مع إحدى الشخصيات الدبلوماسية. لاحظنا رغبة السيدة لطيفة في الحكي عن هذه التحديات، وضرورة التعاون المدني والإعلامي والحزبي، من أجل التعريف بمساعي المغرب الاستراتيجية النبيلة في المنطقة. كانت السفيرة تتحدث وهاتفها يرن بدون انقطاع، تجيب لطيفة: «قل لهم لحظة، ثم قل لهم عشر دقائق..» حتى كدت أبادر بإنهاء اللقاء معتذرة لها عن تكسير سير زمنها، ممتنة لحسن استقبالها لنا، موجهة الدعوة لها لحضور عرض مسرحية «الحكرة» التي ستقدم بتونس، وتحديدا بسوق الشواشين بالمدينة العتيقة، كما ستعرض بمجموعة من الدول الأخرى في إطار برنامج استراتيجي أنزلته الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة لمد جسر العلاقة الثقافية بين مبدعي المملكة وجاليتنا المقيمة بالخارج، ودفاعا عن الهوية الثقافية المغربية في دول الاستقبال، انسجاما مع تطلعات مغرب اليوم في سد الباب في وجه كل هؤلاء الذين يريدون الاستفراد بأبنائنا هناك لخلق قطيعة مع هويتهم الثقافية الفكرية والمعرفية، والزج بهم في ثقافات أخرى لا تؤمن لا بحوار الحضارات ولا باندماجها، بل بسلخ الذوات عن محيطها نحو محيط له أهدافه الكبرى التي ننتبه لها اليوم بكثير من الفهم والمتابعة والترقب . اعتذرت السفيرة لنا عن الحضور لالتزامات سابقة لها في إطار عملها الدبلوماسي في تونس، لكنها رفعت في الحين هاتفها إلى قنصل بلادنا، تدعوه إلى حضور عملنا المسرحي الذي سيقدم في إحدى أزقة المدينة العتيقة بتونس. غادرنا السفارة، وأنا أسجل في ذهني انضباط العاملين في السفارة ، الذين يبدو أنهم في حركة دائمة، وكأن حالة الطوارئ عمت في الأشغال والأعمال، كما بدا لي أن الشابات المغربيات والشباب طبعا يشتغلون بحماس، يبدو على وجوههم حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم ، وبعضهم ينجز أعماله واقفا، نظرا لضيق المكان والتصاق غبار الاسمنت بالكراسي والطاولات المخصصة. دفعني هذا المشهد لأتساءل من موقع فضولي كصحفية:» لماذا لم تنقل السفيرة دبلوماسيي بلادي وهي على رأسهم، إلى مكان هادئ ريثما تنهي هذه الزوبعة التي أحدثتها في بيت المغرب رغبة منها في تجديد معالم السفارة، وواجهاتها من أجل سفارة في مستوى جماليات فضاءات الوطن الفنية والتراثية. لم يظل السؤال معلقا في ذهني، لأني بكل بساطة ، أعرف السيدة لطيفة أخرباش، وربما تريد ترشيد النفقات على حساب نفسها وحساب هؤلاء الشباب والشابات الذين يبدو أنهم تعودوا على طبيعة السفيرة في تناول الأشياء، أو كما كنا نسميها دائما عندما كانت في حقلنا الإعلامي :» المرأة الحارة «، نظرا لجديتها وديناميتها، حتى إن بعضنا كانوا يطلقون عليها :» العسكرية». لقد حرصت السفيرة زميلتنا في الحقل الإعلامي بالأمس ،على أن نوصل إلى مكان إقامتنا بسيارة السفارة، ورغم اعتراضنا لكوننا مدعمين من وزارة الجالية بكافة المصاريف في التنقل الخارجي والداخلي والسكن والأكل والشرب، ولا نحتاج إلا حضورا بهيا لدبلوماسيتنا في تونس، معنا بشكل أدبي وسياسي،إلا أن إقناعنا في عدم القدرة على وجود سيارات أجرة في توقيت ما بعد صلاة الجمعة في تونس ، حيث يخلد السائقون للنوم بعد أكل «الكسكس»، جعلنا نقبل بذلك،كي لا نترك أصابعنا قهرا في أحذيتنا من شدة الحر والمشي في شوارع الخضراء، التي يبدو أن أوراشا فتحت فيها ولم تكتمل ، حتى أصبحت خطوطها العريضة مرسومة على ممرات الراجلين. وكانت الإدارة العامّة للحرس الوطني قد أعلنت، في زمن غير بعيد عن مجيئنا إلى تونس العاصمة في مهمتنا الدبلوماسية الثقافية ، أنّها سجلت إثر نزول كميّات هامّة من الأمطار، انقطاعا لحركة المرور بطرق جهوية تربط العاصمة بمناطق أخرى، و تراكم للمياه بالطريق السيار، كما قالت صحف البلد أن «ساعة واحدة من تهاطل الأمطار كانت كافية لإغراق العاصمة وكشف عيوب البنية التحتية المهترئة وتعميق معاناة المواطنين»، وهي المعاناة التي شاركت فيها عندما كادت رجلي أن تكسر عندما شد حذائي في أحد جوانب حفر شوارع العاصمة وتحديدا شارع بورقيبة .