كل منا يشارك شاء أم أبى في لعبة الحياة. نظرياً ترتكز هذه اللعبة على الانطلاق من ضفة وصولا إلى أخرى باستعمال قارب، ولكل قاربه وآليات تحريكه. الطريق في بداية الأمر يبدو يسيراً سهل المنال، ما إن تقترب من المنتصف حتى تظهر لك المطبات والمنعرجات، ثم الأمواج كناطحات السحاب، وتتلبد السماء بالغيوم وتمطر وتزمجر. وستكون سعيد الحظ، إذ لم تصادف في طريقك بعض التماسيح والعفاريت التي تصطاد في الماء العكر أو إن لم تصب بدوار البحر. وإن حدث وفي طريقك صدمك أو مر بجانبك قارب أسرع وأقوى من قاربك لمتبار آخر، وسقطت في عرض البحر، فما بين لحظة سقوطك ووصولك إلى قعر البحر، ستستعرض شريط حياتك بالأسود والأبيض، لأنه خال من الألوان زينة الحياة. وأنت في رحلة نزولك هذه، ستشاهد حطام قوارب وجتت من لم يساعدهم الحظ مثلك، الذين لم يعدو العدة والعتاد. وتقف على أصحاب الملاعق الذهبية وهم يعبرون الضفة على متن غواصات على المقاس متكئين لا يخشون لومة لائم وأشياء أخرى لا علم لنا ولك بها. وستبصر كيف أن عالم أسفل يختلف عن عالم فوق، وكيف يزول القناع عندما يتعلق الأمر بالأسفل، وترى تصافح الأيادي من تحت الموائد والطاولات وتعانق الأبدان المكتنزة، وتصلك رائحة الصفقات والمصالح وإشراقة الوجوه غير مكترة بالضربات المتتالية ولهيب الأسعار. ويقع في نفسك العجب ويحدث لك إلتباس وتتساءل كيف يتنفسون تحت الماء، كما تغنى العندليب، وأنت المختنق في زحمة المشهد لا تصدق أن هناك عالم سفلياً في جنح الماء المظلم، وتتحسر على نفسك، عندما كنت تستيقظ باكراً لتصل لعملك في وقته لكي لا يقتطع رب عملك من راتبك عن كل تأخر أجرة نصف يوم أو يوم بكامله، وتختل ميزانيتك في آخر الشهر وتضطر إلى الاقتراض من المؤسسات، التي ما إن توقع على القرض حتى يختفي حسن الإستقبال وإبتسامة الموظفة الوسيمة المكلفة بالقبض عليك. فتصبح رقماً من الأرقام التي يبتلعها النظام الرقمي. وتتداولك البورصة المحلية ثم العالمية وكل في فلك يسبحون. ترتفع قيمتك بنشوب الحرب في الشرق الأوسط وتنهار بحلول السلام فيه. وتصاب بعاهة مستديمة في مرتبك الهزيل، ويختلط عليك الأمر، فلا تدري ما تسدد القرض القديم أم الجديد، فتنهار وتلقي بنفسك في ثقب الديون الأسود، إذا ما خرجت منه سليم العقل، فسيصاب بدنك بالهزال ونقص في المناعة وتعجل بمثواك الأخير. لماذا تسألني وأنت خجل عن ذلك الذي يداعب ويلاعب الجميلات من حريات البحر، هناك وراء الكتيب الرملي الذي يداريه بعض الطحالب. أنت غير متأكد : إنه فعلا إمام مسجد الحي. تتذكر حينما كنت تلجأ إليه، عندما يفور بركانك بفرط ما تشاهد من كاسيات عاريات وينصحك بالصبر والالتزام، وكثيراً ما كنت تتساءل أين يختفي مباشرة بعد صلاة العشاء. وكنت تظن أنه يختلي بنفسه ويناجي ربه، بينما لم يصبر هو على بركانه، مع العلم أنه متزوج وله أبناء، حين قام بحفر سرداب تحت المحراب يقوده مباشرة إلى العالم السفلي، ليختلي بالجميلات والرشيقات من حوريات البحر. هيه أفق فأنت تقترب من الارتطام بالقعر، فإذا ما وصلت واستقررت في القعر، وبعد أن تستوعب ما سبق ذكره، وكان لايزال لك نصيب من الدنيا فستحيط بك بعض القروش (جمع قرش) بالزي المدني لكي لا ينكشف أمرها وتساومك على الصعود والرجوع إلى ما كنت عليه. بعد أن تتنازل لها عما تبقى من كريات دمك البيضاء والسوداء، كإجراء تأديبي، وعلى عدم المحاولة مرة ثانية، أو تحيط بك بعض الكلاب والعقبان المائية تنتظر استسلامك لتقتات على صورتك، لأنه بعد هذا كله لن يتبقى منك شيء. وعليه، وحرصاً منا على سلامتك، اختر قاربك ومجاديفك بعناية حتى لا تضطر لاستكشاف العالم السفلي، وتصبح كريات دمك بالأبيض والأسود. تنبيه قانون اللعبة لا يسمح إلا بمحاولة واحدة، وأن لا يقل عمرك عن 18 سنة. وبه وجب الاعلام والسلام.