سيدي وزير الداخلية، هل تسمعني، هل يصلك صوتي، أنا المواطن المغربي حميد بعلي، البالغ من العمر ثلاثين سنة، الساكن بدوار تانشرارامت، التابعة لجماعة بويبلان بإقليم تازة. وأنا المواطن المغربي الحامل لبطاقة التعريف الوطنية بأرقام تعرفها سلطات المنطقة. أنا الآن أناشدك من موقعي تحت الثلوج. سيدي لقد اخترت أن أخاطبك مباشرة ضد كل الأعراف في التسلسل الإداري، متجاوزا في ذلك مقدم الدوار والشيخ وقائد الدائرة، وحتى عامل المنطقة، وكل رجال السلطة في الإقليم. وأنا أعرف سيدي، أنه من غير اللياقة تجاوز هؤلاء كلهم، إيمانا مني بأن المرحلة تقتضي ممارسة القرب. أقوم بذلك، فقط سيدي لأني انتظرتهم كثيرا،منذ أول وحل أبيض أغرق قدمي، وأنا مشدود إلى غنمي، التي ابتعدت قليلا، وأحسست في لحظة صعبة، أني سأعود من دونها، والحال سيدي أن نصفها عاد وظللت أنا الراعي لها، أستنجد بمن يرعاني. لقد نطقت مستنجدا باسم المقدم والشيخ والقائد ورجال الدرك، وكل الأسماء التي كنت دائما أبتعد عن ممراتها، اعتقادا مني بأنها ستسجنني لأنني تجاوزت الحدود المرسومة لرعي غنمي، أو هكذا تخيلت سيدي الوزير، أنا المواطن حميد بعلي، راعي الغنم، المنتمي إلى هامش، طالما سمعت أن هناك إرادة فعلية لرفع «الحكرة «عليه، كي يكون هامشا في مستوى تطلعات المرحلة في زمن المسؤولية والمحاسبة. وسامحني سيدي، إن قلت لك أنا بعلي الساكن بمنطقة يخفي جمال بياضها سواد ليل ظالم، ببرده القارس الذي يرحل نزولا إلى درجات متعددة تحت الصفر، ليصبح الصفر أرحم من أرقام أخرى تجره إلى حضيض القسوة، بلارحمة، تلك التي أحدثت شقوقا في أيادينا وأرجلنا، ومناطق أخرى من أجسادنا، فضلنا في لحظات اللاتحمل أن لا نزيل ملابسنا لقافلة طبية عابرة، إن كانت، كي لا نكون شاهدين على درجات تقطيع أجسادنا بمنشار ثلج، خبر التجربة في أهالينا في نصف عام كامل ، ليأتي الشعراء في نصفه الثاني من أجل التغني بقمم جبالنا التي حافظت على بياض قممها، تلك التي ألهمت حتى شعراء جوارنا في الضفة الأخرى من المتوسط. سيدي وزير الداخلية أناشدك أن يكون جسدي الممتد قهرا تحت الثلوج – التي بلغت اليوم مترين، وغدا خمسة أمتار وربما عشرة أمتار أو أكثر، علما بأنني أعرف أنكم لن تستطيعوا إزالتها عن جسدي النحيف، أمام غياب خطة واضحة في معالجة أحداث أليمة شبيهة – عنوان زمن بديل الذي نعيشه، في هامش أفادت فيه «المؤشرات الإحصائية بأن معدل الأمية في هذه الجماعة القروية -التي تضم دوارنا-، يصل إلى 66.2 في المئة»، زمن تبحثون فيه عن نموذج تنموي يرفع الظلم عن أهلي، ويمسح دموع أمي، ودموع حبيبتي، وأبناء الدوار، هؤلاء الذين حفروا بأظافرهم ممرات الثلج التي امتصت قامتي، أنا الراعي الذي اعتقدت أني قادر على حماية ماشيتي من ضياع تربص بها، ضياع آت سيدي الوزير من سقوط ثلج من السماء، ذلك الذي رأيت شبيهه في إحدى القنوات الأجنبية، عندما تسللت إلى إحدى مقاهي تازة، كان ثلجا في أرض مختلفة، عانق بياضها أطفالا يركضون بلباس أحمر يغطي قاماتهم الجميلة التي زادها اللون الأحمر جمالا، عرفت بعدها أنهم يحتفلون بطريقتهم، بالسنة الميلادية قبل موعدها بأيام. سامحني سيدي وزير الداخلية إن تطاولت عليك، وحملتك كل هذا الهم الذي يسكنني، لكن سيدي أريدك أن تخبر رئيسك في الحكومة المتضامنة طبعا، أني جسد بألف معنى، أنا المختفي قهرا وليس قسرا، في زمن أوصلتم فيه إلى مسامعي أن ثلجا وغبارا ووحلا سيدبر في هامشنا، وأن الجهة التي أقطن في دوار من دواويرها لن تكون أقل من جهات أخرى، وأن الرقم «إثنا عشر» سيحرك كافة القنوات الدولية بالتغيير الكبير الذي سيحل به، بكل الحلم الذي أرق أجدادنا في مسلسل التغيير والانتقالات التي عشناها بشكل أو بآخر. سامحني سيدي وزير الداخلية، إن أبلغتك بأني أعرف جيدا أنك لا تعرف «دواري»أنا المواطن المغربي الملقب بحميد بنعلي ، الذي سيصل اليوم إسمه إلى قنوات أجنبية لتوظف الحدث الأليم ضد بلدي.علما بأني كتمت كل قهري وقهر أهلي في صدري رغم كل الضيق، كي يظل وطني في أعين الجوار هو ذلك البياض الذي يشع مع ظهور الشمس من أعلى جبل «موسى أوصالح» في الأطلس المتوسط الشمالي الشرقي. فتعالى إلى قريتي سيدي ، فدواري موجود ضمن دواوير جماعة بويبلان، القريبة من مدينة تازة، وإن أردت أن أقودك إلى ممراتها الصعبة ، فهي قريبة من بلدة أهرمومو، عند قدم جبال تحتل المرتبة الثالثة في المغرب من ناحية الارتفاع، ما يجعلها تعيش أشهراً طويلة تحت الثلج. لا تنتظر مصادرك سيدي، فقط اركب الصعاب، ولن تندم على ذلك، لأن المثل المغربي يقول «اللي شاف ماشي بحال اللي سمع»، تعالى سيدي لن أزعجك بأنيني وأنا أتواجد قهرا تحت الثلوج، لكني سأتركك تسمع أنين الموجودين قهرا فوق الثلوج…