عاد الهدوء إلى البيت الرجاوي بانتخاب جواد الزيات رئيسا جديدا للنادي، عقب الجمع العام العادي والاستثنائي، الذي عقد مساء أول أمس الأربعاء بأحد فنادق الدارالبيضاء. ولم يكن انتخاب الزيات سهلا، لأن الطريق لم تكن سالكة لقيادة هذا الفريق العريق، خاصة وأن بعض الأطياف كانت تسعى لتمديد زمن المؤقت، حسب غايات شخصية، لم تنطل على أوزال الذي أظهر حنكة كبير في الخروج بهذا الجمع العام من النفق المسدود إلى طريق الأمان، رغم ما كان يطفو على السطح من خلافات، خرجت في بعض الأحيان عن سياقها العادي، وقدمت صورة سيئة لواقع هذا الفريق الذي يتطلع إلى الخروج من أسوأ أزمة في تاريخه. وتفوق الزيات على علي حمدي، أحد المقربين من الرئيس السابق محمد بودريقة، ليحمل على عاتقه مسؤولية إعادة الاستقرار والتوازن إلى البيت الرجاوي، الذي تصدعت أركانه، وتفرق أبناؤه بفعل الخصومات والخلافات والتطاحنات، ليختار الرجاويون عرض أوزال ضمانا للعمل الذي تم القيام به، وأشاد به المنخرطون بشكل كبير،وأيضا لتغليب مصلحة النادي خاصة وأن الزيات وفريق عمله أظهرا كفاءة عالية في تدبير الأزمة
.واقع رجاوي متردي عرى التقرير التقني الذي عرضه فتحي جمال، المكلف بالشق التقني داخل اللجنة المؤقتة، التي عهد إليها بتسيير شؤون الفريق منذ 13 أبريل الماضي، واقع الفريق الاخضر، بعدما كان يضرب به المثل في التكوين والتنقيب عن المواهب. وأشار فتحي في معرض تقريره إلى أن أول ما بادر به عند تسلمه مهمة الشق التقني، هو القيام بتشخيص دقيق لحالة الفريق، بيّن أن الفريق فَقَد هويته، بعدما تحول مركز التكوين إلى خراب، وافتقد المؤطرون للحافز، في ظل عدم توصلهم بأجورهم، مع تسجيل غياب للمنقبين عن المواهب، الذين كثيرا ما جلبوا للرجاء أسماء تركت بصمتها في تاريخ النادي، فضلا عن إغلاق مدرسة النادي، مما يعكس بجلاء حالة التردي التي بات عليها النادي قبل مجيء اللجنة المؤقتة. وسجل فتحي جمال تراجع أداء الفئات الصغرى، بعدما كانت تنافس على الألقاب، حيث أن فريق الأمل، ولأول مرة، سيجد نفسه خارج بطولة النخبة، بعدما أنهى الموسم في الرتبة الثامنة. وأضاف التقرير التقني أن التشخيص بين أيضا أن 75 بالمائة من مجموع لاعبي الفريق الأول ليسوا أبناء النادي، وهذا معطى يعكس وضعية التراجع التي بلغتها سياسة التكوين، آملا أن يتواصل العمل والاجتهاد في أفق استعادة هيبة وهوية الرجاء في هذا الجانب، وأن تؤسس سياسة التكوين على أسس متينة، تقطع مع حالة الارتباك التي سجلت مؤخرا، بعدما كانت الرجاء رائدة ونموذجية في هذا الجانب، مشيرا إلى ما يمكن أن تقدمه أكاديمية الفريق في هذا الباب، حيث يحتمل أن ترى النور بعد أربعة أشهر من الآن. وأضاف أن الفريق أطلق عملية تنقيب واسعة عن المواهب، بدأت يوم 15 غشت الماضي، تم خلالها انتقاء سبعة لاعبين من خارج الدارالبيضاء و 27 من العاصمة الاقتصادية، قبل أن يشدد على أن الباب مفتوح في وجه كافة المواهب، التي ترغب بشكل طوعي في اللعب للرجاء، الذي لم يقم إطلاقا بجلب أي لاعب ملتزم مع ناد آخر. وأكد العرض التقني على أن الرجاء سيعمل على توفير الدراسة للممارسين الصغار، طالما أنها كانت تشكل دائما عائقا بالنسبة لهم، مضيفا أنه سيتم التعاقد مع أربعة مؤطرين بكفاءة عالية، مع تفعيل خلية للتنقيب عن المواهب، في أفق توحيد نظام العمل التقني بالفئات، حتى تستعيد الرجاء هويتها وبصمتها التقنية. ولمح فتحي جمال إلى أن العمل تركز في البداية على الفريق الأول، حيث تم تطعيمه بابن الفريق يوسف السفري، من أجل ضمان الاستمرارية، وأيضا الاستفادة من خبرته التي راكمها خلال مساره الكروي، كما تمت إعادة تكوين الطاقم الطبي، بعد الملاحظات السلبية التي تم تسجيلها على فريق العمل السابق. أما التقرير الأدبي، الذي تلاه الرئيس المنتدب جواد الزيات، فإنه سار على نفس المسار، حيث جرد حجم الصعوبات التي واجهها النادي، خاصة في الشق المالي، بفعل كثرة المنازعات، والتي بلغت 64 أمام المحاكم المغربية، وتصل قيمتها المالية الى 500 مليون سنتيم، تضاف إليها 14 شكاية أمام الاتحاد الدولي لكرة القدم، بقيمة مالية تصل الى 800 مليون سنتيم و 700 مليون سنتيم أخرى لدى محكمة التحكيم الرياضية، يضاف إليها 24 نزاعا مرفوعا لدى الجامعة، بقيمة 2.4 مليار سنتيم، دون احتساب 1.4 مليار سنتيم أدتها الجامعة نيابة عن الفريق. كل هذه النزاعات، يضيف الزيات، حدت من تحركات اللجنة، في ظل الحجز القضائي على كافة الحسابات البنكية، قبل أن تدخل في مجال تسوية مع العديد من الدائنين، من أجل رفع هذا الحجز. وأضاف الزيات أن اللجنة وجدت نفسها أمام وضع قانوني وإداري غامض، بفعل غياب تأطير قانوني لأغلب المعاملات، حيث أخذت اللجنة على عاتقها مهمة تقنين المعاملات والتصرفات التي تربط النادي بشركائه، كما فعلت نظام ترشيد النفقات، وخاصة تقليص كلفة الأجور، عبر اللجوء إلى مفاوضات مع اللاعبين الذين غادروا الفريق وفسخ عقودهم في إطار حبي ،مما مكن الفريق من توفير مبلغ 480 مليون سنتيم.وبدوره وجه أوزال شكره بالخصوص إلى الخماسي، زهير الواصلي وأشرف الزاهر وعبد العظيم خضروف ومحمد السناوي وزكرياء الهلالي، الذين اختاروا التسوية الودية مع الفريق. مدقق الحسابات يشعل الأجواء رفعت الملاحظات التي سجلها مدقق الحسابات محمد بركاش درجة السخونة خلال الجمع العام، خاصة عند تأكيده على أن التقرير المالي لمرحلة ما قبل اللجنة المؤقتة يفتقد إلى الوثائق، الأمر الذي جعله لا يصادق عليه، عكس التقرير المالي لما بعد 13 أبريل. هذه الملاحظات رفعت حرارة القاعة، عندما توجه المنخرط عبد اللطيف خاليص إليه مباشرة يدعوه الى تحديد موقفه إما بالمصادقة أو الرفض، أما تسجيل موقف بينهما فهو بنظره مرفوض. ولم تفلح تدخلات أوزال في إعادة الأمور إلى نصابها، لأن أغلب المنخرطين يريدون التوجه إلى إجراء افتحاص قضائي، علما بأن أوزال دعاهم إلى ثلاثة خيارات: إما المصادقة على التقريرين أو رفضهما معا أو المصادقة على واحد دون الآخر، أو عقد جمع عام ثان، يحضر فيه برفقة حسبان ويتم تقديم تقرير مالي موحد أو اللجوء إلى افتحاص قضائي بشأن الفترة المالية السابقة، بيد أن غالبية المنخرطين رفضوا هذه الاقتراحات، في الوقت الذي دعا فيه البعض الآخر إلى العفو عما سلف، والتأسيس لعهد جديد، خدمة للرجاء، الذي أصبح زبونا لدى المحاكم. وشدد المنخرط عبد الله بيرواين على اللجوء إلى القضاء، من أجل افتحاص قضائي لمالية الرجاء، قبل أن يعاتب اللجنة المؤقتة على عدم سلكها الطرق القانونية لانتزاع الوثائق من حسبان، الذي طعن في شرعية الجمع العام، بصفته رئيسا للمجلس الإداري، ومؤكدا في رسالته على أن اللجنة لم تطلب منه الوثائق، لكن حسبان طلب شهادة المنخرط وهبي، الذي رتب في أكثر من مناسبة لقاء بين أوزال وحسبان، الذي كان يتخلف بأعذار متعددة. ورغم أن المهدي البلغيتي، المكلف بالشق المالي، شدد على أنه لا يمكن تجزيء التقرير المحاسباتي، طالما أن المؤسسات المانحة تشترط التوصل بتقرير مالي سنوي، وليس عن فترة محدودة من السنة، فقد كان لزاما على اللجنة المؤقتة أن تعد تقريرا سنويا، قسمته إلى شقين الأول قبل 13 أبريل والثاني بعدها. وبدوره أعطى أوزال على أن للمنخرطين كامل الحرية في المصادقة على التقرير المالي بكامله أو رفضه، قبل أن يؤكد على أنه شخصيا لا يمكنه المصادقة على تقرير يفتقد للوثائق القانونية لتستعيد القاعة بعد ذلك هدوءها، باقتراحه عرض التقرير المالي بكامله على الافتحاص القضائي عن الفترة المالية السابقة بكاملها، وهو ما صادق عليه المنخرطون بالأغلبية. أوزال يمتص الغضب بحنكة عالية رغم علامات التوتر التي كانت تبدو بين الفينة والأخرى على امحمد أوزال، رئيس اللجنة المؤقتة، ورغم ارتفاع حدة النقاش، ورغم خروج بعض المنخرطين عن حدود اللباقة والأدب، من خلال تبادل عبارات السب والقذف والتحقير في ما بينهم، ورغم أنه وجد نفسه مضطرا في إحدى الفترات إلى مغادرة قاعة الجمع العادي، احتجاجا على الصورة السلبية التي قدمها بعض المنخرطين، إلا أنه نجح في امتصاص كل هذا الغضب، وسار بالجمع العام إلى بر الأمان، مؤكدا على أنه يبقى رقما صعبا في المشهد الكروي المغربي خلال العقود الثلاثة الأخيرة. لقد أفلح أوزال في قطع كل خيوط التآمر التي كان البعض يسعى الى جرها وجذب الفريق إلى مرحلة غامضة، ربما قد تعصف بكل العمل الذي قامت به اللجنة المؤقتة طيلة الأشهر الخمسة الماضية، وقدم الزيات على أنه ضامن استمرارية العمل الذي قامت به اللجنة، والتي شغل فيها منصب الرئيس المنتدب، فضلا عن توفره على خبرة إدارية مهمة، بحكم شغله منصبا عاليا داخل مؤسسة الضحى. ورغم هذه التوطئة التي قام بها أوزال، إلا أن القاعة انفجرت من جديد، خاصة وأنه لم يتم تطبيق القانون في هذا المجال، حيث لم يتم فتح باب الترشيحات واحترام الآجال القانونية، وهو ما أكد عليه حمدي، الذي قال إنه حرم من حقه في الترشيح، حيث كان يعتقد أن أوزال سيواصل مهمته، قبل أن يتفاجأ بتقديم الزيات على أنه رجل المرحلة، ليعلن تمسكه بحقه في الترشيح، وهو ما استجاب له أوزال في الحين. وكادت الأمور أن تخرج عن السيطرة، لكن أوزال أظهر ذكاء كبيرا في تدبير الاختلافات، وأيضا رد الدين للبعض، وفي مقدمتهم رشيد البوصيري، الذي تزعم قبل سنوات حركة» باسطا» التي أطاحت بعبد السلام حنات، وفتحت الرجاء على مصراعيها في وجه محمد بودريقة، مع ما رافق هذا التحول من أزمات، لاتزال الرجاء تعيش تداعياتها إلى الآن. وشدد أوزال على أنه لا يمكن له الاستمرار في رئاسة الرجاء، و»أنه لا بد من التغيير، انسجاما مع مطلب البوصيري، باسطا»، لتنفجر القاعة ضحكا، ثم دعوته البوصيري إلى الهدوء، قائلا «السي رشيد.. باسطا» ليفهم الجميع أن أوزال لا ينسى ثأره. وعموما، ورغم هذا التجاوز، فإن كل الرجاويين قبلوا الأمر الواقع، ورضخوا له لما في ذلك من مصلحة للنادي، الذي يتعين عليه أن يوفر في الأيام القليلة المقبلة مبلغ 3.2 مليار سنتيم لتسديد مستحقات اللاعبين، وبعض الديون الأخرى، خاصة في أنه دخل في تسوية مع بعض الدائنين، علما بأن الديون التي يتعين على النادي تسديدها في القريب تصل إلى 8 ملايير سنتيم، رغم أن مجموع الديون يصل إلى 20 مليار سنتيم، منها خمسة ملايير سنتيم مستحقات ضريبية، وحوالي ثلاثة ملايير سنتيم مستحقات آجلة للاعبين، إضافة إلى حوالي 1.2 مليار سنتيم مستحقات انتقال بابا توندي والياميق إلى الاحتراف. وتم خلال هذا الجمع الإبقاء على سومة الانخراط في حدود 20 ألف درهم، رغم أن البعض طالب برفعها إلى 100 ألف درهم نظرا لحاجة الفريق إلى المال، كما تمت المصادقة على القانون الأساسي والنظام الداخلي، انسجاما مع القانون 30.09، وكذا المصادقة على إحداث شركة باسم النادي، في انتظار تهييء الجامعة للقانون النموذجي لإحداث الشركة، وهو ما استهجنه بعض المنخرطين، الذين ساءلوا ممثل الجامعة، حسن الفيلالي، كيف تطالب الجامعة الأندية بالتحول إلى شركات، وهي لم تنجز بعد النظام النموذجي الخاص بهذا الأمر. الزيات يعد الرجاويين قال جواد الزيات مباشرة بعد انتخابه رئيسا للرجاء إنه سيحرص على مواصلة العمل على نفس الاوراش التي فتحتها اللجنة المؤقتة، وأنه سيعمل وفق منهج احترافي وشفاف، وهذا سيتم بالاعتماد على نفس الكفاءات التي اشتغلت داخل اللجنة المؤقتة، مع تطعيمها ببعض المنخرطين، حسب الحاجة، في أفق إعادة الرجاء إلى سابق عهدها، مشددا على أن مكتبه المسير سيرى النور في الأيام القليلة المقبلة. وأضاف أن عملا كبيرا ينتظره لأن الفريق يحتاج على الأقل لأربع سنوات حتى يعود إلى وضعه الطبيعي والعادي، مؤكدا على أنه رغم هذا الظرف الاستثنائي، فإن الرجاء لم يتخل عن دوره كمنافس قوي على الألقاب وطنيا وقاريا وعربيا.