عرفت الشوارع والمحاور الطرقية والمدار السياحي لعين أسردون أشغالا وحركة دؤوبة، وسرعة في التبليط والتكسية، تثبيت الأعمدة الكهربائية الجديدة وهرولة أعمال هنا، ومسارعة الزمن لحلول مؤقتة في الإنجاز من هناك، لكن سرعان ما خفت هذه الحركة ولم يعد لها أثر سوى دقات مطرقة تتناهى إلى المسامع من بعيد، أو رجفات محرك شاحنة تحمل الأتربة لتنفث نصفها غبارا، وترى بالمقابل كذلك أكوام أرصفة وياجور وزليج بجنبات الطرق النصف مكتملة، شاهدة على أن وتيرة إنجاز الأشغال منعدمة ولم تعد كما كانت في السابق خلال شهري مارس وأبريل الماضيين. وهو ما أثار استغراب وتساؤلات كثيرة من طرف ساكنة مدينة/ القرية الكبيرة، والذين لم يسلموا من استغلال وتوظيف هذه الأشغال لتمرير الحملات الانتخابية قبل الأوان، وتوظيف كل ما من شأنه خدمة الأجندة الانتخابية، وحب الكراسي، والكسب غير المشروع،... أمام التعنت القوي لقوى التسلط على الشأن المحلي إمعانا في تعميق الجراح ومزيد من التنكيل بانتظارات الساكنة ومستقبل المدينة، وهم مصرون على مواصلة كل أشكال تخريب المحيط البيئي للمدينة، ويقومون بالتقطيع والتفصيل على المقاس الانتفاعي والجشع العقاري الذي امتهنه منعشون وهميون انطلقوا بمعاول شيطانية، للإجهاز على آلاف أشجار الزيتون وفضاءات مترفة بالاخضرار وبالضلال، وسواقي وشعاب مائية أقبروها بالكامل. وانطلق مسلسل التدمير هذا بالبسملة وبالود، والود نسبة «للوداديات» وبعضها هادمة لمجال المدينة الأخضر ولعمقها البيئي، هذا الوضع البيئي المقلق الذي جعل الحزن والغبن يعتصران قلوب سكان المدينة وزوارها، مقابل عناد أصدقاء الإسمنت والحديد ومن يدور في فلكهم وهم أعداء للطبيعة ألفوا أن يقتاتوا لحساباتهم البنكية ملايين السنتيمات بدون أي جهد يذكر، ولبناء حظوة الهرولة نحو المواقع الرسمية، الإدارية منها والانتخابية. ولم تسلم آثار المدينة وذاكرتها والكهوف التي بنيت بها وعليها من هذا المسار العنكبوتي لمصادرة بيوت، وأحيانا مغارات مبنية توقف عندها الزمن، بالرغم مما أكدته جل الدراسات والأبحاث من كون المدينة القديمة كتراث وذاكرة يجب أن تخضع لحلول استراتيجية ولدراسة علمية لإعادة تهيئتها طبقا لتصور حقيقي يحمي الذاكرة والساكنة على حد سواء، لكن الراغبين في تحقيق أغراض أخرى لهم تصورهم ولهم خلاياهم اليقظة لاقتناص فرص الانقضاض على أنقاض المدينة العتيقة. فمتى يتوقف زمن العبث بالذاكرة الملالية، وجمالها وطبيعتها الخلابة والجذابة والتي تجذب العقول وتطمئن بها القلوب. وتظل غصة تعطل أشغال مجموعة من المشاريع والتي قد يجد لها أصحاب الحل والعقد مبررات سواء ما تعلق الأمر بإلصاق التهم بالمقاولات وعدم احترامها لدفتر التحملات أو لأسباب مختلفة، أم أن الخفي والمستور أشد من وطأة بطء وتعطل الأشغال، خاصة حين تكون معادلة المال ودفعات التكلفة حسب الأشطر معادلة صعبة المنال والأطراف المتدخلة في المشروع من قطاعات حكومية وهياكل منتخبة ووو...؟؟ !، ومن جهة قاسية أخرى ، فالمواطن والمتتبع يحتار لما يقع لهذه المدينة على جميع المستويات، فعن أي نماء يتحدثون وهم يمعنون النظر لضرب عروس الأطلس منتج عين أسردون ومدارها؛ والسماح بمسخ مجالها الأخضر بالبناءات الإسمنتية والتي تخرج شيئا فشيئا من وسط البساتين والحقول المجاورة وبعض المناطق تحولت إلى أحزمة بناءات عشوائية لم يعتقد أحد يوما ما أن موطن «دجاجة الماء» السوداء اللون، ونبتة صابون العجول، والهدد وسمكة الصدفات الذهبية ونبتة «ترهلة» «فليو» «تمجة» حيث سيتم اجتثاثه بالكامل على مرأى ومسمع من الجميع وعلى امتداد حقب من الزمن، والأخطر من ذلك هو شرعنة هذا المسخ المجالي بربط هذه الأعشاش الإسمنتية المختبئة وسط الأشجار، وسياجات نبتة ثمرة التوت الشوكي أو ما نسميه بلهجة المنطقة ب»الشدير»، بالتيار الكهربائي ويقابل هذا التخريب كذلك سيطرة أشخاص بعينهم ودون غيرهم على محيط المنتجع في أبشع صور استغلال هذا الفضاء وتشويهه، واستهداف زواره للنيل من جيوبهم وحتى كرامتهم سواء بفرض أثمنة خيالية على الأكلات، طاجين « 300 درهم» قنينة مشروب غازي 30 درهما، كراء أفرشة قد يصل إلى 50 درهما، ومن لم يمتثل فمصيره الإهانة والبهدلة، و هذه مشاهد تتكرر ولا أحد يثنيهم عن ذلك. وليمتد هذا القبح السياحي ليطال مواقف السيارات وفرض خدمات «غسل السيارة أو مسحها من الخارج»، بأثمنة حسب مزاج الحراس المفروضين على مواقع توقف السيارات، وحسب قراءتهم ودراستهم لعقلية ومكانة وموقع صاحب السيارة، ويبقى هذا القبح السياحي كالوباء لينتهي خلال المساء إلى فضاء لأشياء وأعمال أخرى داخل بيوت تفبرك من أفرشة حول الأشجار. ورمي كل القاذورات والأزبال وبقايا الخضر والقنينات بكل أنواعها بالسواقي المجاورة والتي يدورها تنقل المياه الملوثة إلى الحقول والبساتين الممتدة على طول عدة كيلومترات من سهول دير منتجع عين أسردون، أما الجبال المجاورة فلم تسلم هي الأخرى من زناد القبح المجالي، فأضحت مصدر تلوث ونتوءات معمارية جعلت «ذات العماد» تبكي حظها كطبيعة وكتراث.