«الماء والخضرة والوجه الحسن»، إحدى المقولات الشهيرة التي أطلقت على مدينة بني ملال التي لها تاريخ عريق مازالت تشهد عليه بعض المآثر التاريخية العريقة. أول ما يشد انتباهك بالمدينة تلك المعلمة التاريخية الشامخة بين أشجار الزيتون المعروفة ب»قصر ملال «والتي يعود زمن تأسيسها إلى القرن السابع عشر. جمال ورونق أخاذان تتميز بهما هذه القصبة التي تعتبر مبعث فخر لسكان المدينة لما تشكله من مركز لاستقطاب السياح. قصر عين اسردون يوجد بأحد مرتفعات بني ملال وبه نرى المدينة بأكملها من مكان عال . يستقبل القصر زوارا من مدن مختلفة ويستقطب سياحا من كل البقاع، فهو من أجمل الأماكن لمن تستهويه الخضرة وأشجار الزيتون، فزيادة على تاريخه العتيق منظره بهيج. مجموعة من السياح يتأملون هذه البناية الشاهقة كأنها تحكي قصة قديمة أو حكاية ألف ليلة وليلة. تقول كاترين فتاة عشرينية:» أزور المغرب لثالث مرة، وقد زرت مدنا مختلفة، لكن ما أثار انتباهي في هذه المدينة هو هذا البناء الرائع والمنطقة الخضراء التي توجد بالأسفل، حقا إنه مكان رائع وجميل» ! الساعة تشير إلى السادسة مساء، مجموعة من الأسر تتوافد مشيا أوعلى سياراتها، البعض يلتقط صورا تذكارية، والبعض الآخر يساوم الباعة المتجولين على أثمنة بعض القلادات والإكسسوارات، بينما يقف الآخرون على جوانب القصر يتأملون هذا المنظر البديع الذي يعطي نظرة شاملة على المدينة بأكملها، خاصة عين أسردون التي تبدو من الأعلى كلوحة فنية جميلة. تقول عائشة( 28 سنة ممرضة): « متنسخاش نرجع من هنا، كل سبت وأحد تنجي مع الأسرة ديالي ندوزو النهار هنا… بلاصة. زوينة بزاف !». لحظات ويذهب الناس إلى الجهة المقابلة للقصر، حيث يقف الرجل الضخم المعروف ب»مول الجمل» والكل يتسابق لالتقاط صورة تذكارية بثمن 10 دراهم مع جمله الذي أصبح جزءا لا يتجزأ من هذه المنطقة. الأجواء صافية، والشمس نشرت خيوطها الذهبية، ومع اخضرار الأشجار وسط الجبال العالية يجذبك من بعيد منظر بعض الرعاة مع قطعانهم. لحظات ويحين موعد لباس الشفق لردائه الأحمر…، الشمس تميل للغروب لتشتعل أضواء المدينة، والكل يقف مغتنما هذه اللحظة ليرى هذا المنظر الخلاب. أثناء الحديث والتواصل تجد تمازجا لغويا بين أبناء المنطقة، فتجد الأمازيغي والعربي لا فرق بينهما، هذا التمازج في الحديث يعطي تناغما لغويا وثقافيا عبر عنه الفنان الراحل محمد رويشة حين قال: «بني ملال شلح وعربي حتى يعفو ربي»». خمر و»كريساج» على الرغم من أن مدينة بني ملال من المدن الهادئة، إلا أنها شهدت في الآونة الأخيرة تزايد عمليات السرقة و»الكريساج» والإجرام. يقول عزيز(56سنة) :»12عام وأنا فالقصر تنبيع الزريعة وتنبقى معطل تال الليل، ولكن دبا متنقدرش،غير تيأذن المغرب تنرجع لداري حيث داكشي لي وليت تنشوف وليت خايف على راسي» ! بعد اذان المغرب وبعد أن أرخى الليل سدوله، تسمع في الجهة الموالية موسيقى صاخبة للأغنية الشهيرة «سايس سايس» ومجموعة من الشباب والمراهقين متخفين عن الأنظار تحت شجرة الزيتون يحتسون أكواب الخمر ويتمايلون على إيقاعها. خيم ظلامعلى المكان فلم تعد تسمع إلا ضوضاء المدينة ولا ترى إلا أعمدة إنارة محيطة بجوانب القصر، حركة الناس بدأت تخف ليصبح المكان خطرا على كل من تأخر به الوقت في قصر عين أسردون. تقول زهرة ضاحكة( أم لسبعة أطفال):» أغلبية تندوز من جهة القصر مع 6 ديال الصباح باش نمشي للسوق ديال الشلوح وما عمر شي حد تعرض ليا الحمد لله ربي للي تيحفظ». عمليات السرقة تنشط في هذه المنطقة ليلا حيث يتم التربص بالمارة واعتراض سبيلهم تهديدا بالعنف اللفظي أو الجسدي من قبل أشخاص أغلبهم ذوو سوابق عدلية، ويعتبر صنف الإناث الأكثر تعرضا للضرر حيث تتطور العملية أحيانا لحالات اغتصاب. لهذا من الواجب على الفرق الأمنية التحرك ومراقبة هذه المنطقة خاصة فرق الدراجين للحد من تنامي وتفشي هذه العمليات. إهمال الموروث عرف قصر عين أسردون عمليات ترميم عديدة في فترة الاستعمار، وكان آخر ترميم عرفه سنة 2008 من طرف المجلس البلدي للمدينة، إلا أنه يجب إعادة النظر في هذا الموروث التاريخي من أجل الحفاظ عليه، وذلك بإعادة ترميمه مرة أخرى وإصلاحه،لأنه في موقع يحتمل عددا محدودا من الزوار، ولهذا تم إغلاقه بشكل نهائي. عبد السلام (44 سنة بائع متجول)، يقول بنبرة يغمرها الأسى: هاد البلاصة مزال خاصها شحال.. تيبان ليكوم غير الخضورة والرقص للي فيها الى ما تحركوش وصايبو هادشي مزيان هاد القصر غادي يجي واحد الوقت ويريب… «. فالمنطقة غنية بعدة مؤهلات، ولكنها تفتقر للبنية التحتية وليس هناك استراتيجية أو رؤية مستقبلية واضحة للنهوض بهذا المدار السياحي، خصائص متنوعة تمزج بين ماهو طبيعي وثقافي وتراث معماري أصيل من الواجب حمايته والحفاظ عليه.