يخلد الشعب المغربي ومعه نساء ورجال الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير يوم الخميس 6 نونبر 2014، من طنجة إلى الكويرة، بكل مظاهر الاعتزاز والإكبار، وفي أجواء التعبئة الوطنية المستمرة واليقظة التامة تحت القيادة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس ، ذكرى من أغلى وأعز الذكريات المجيدة في ملحمة استكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية. إنها الذكرى 39 للمسيرة الخضراء المظفرة التي أبدعتها عبقرية الملك الموحد جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه، وانطلقت فيها جماهير المتطوعين من كل فئات وشرائح المجتمع المغربي، ومن سائر ربوع الوطن في مثل هذا اليوم من سنة 1975 بنظام وانتظام في اتجاه واحد صوب الأقاليم الصحراوية لتحريرها من براثن الاحتلال الإسباني، بقوة الإيمان وبأسلوب حضاري سلمي فريد من نوعه، أظهر للعالم أجمع صمود المغاربة وإرادتهم الراسخة في استرجاع حقهم المسلوب وعزمهم وإصرارهم على إنهاء الوجود الاستعماري بتماسكهم والتحامهم قمة وقاعدة، حيث حققت المسيرة الخضراء المظفرة أهدافها وحطمت الحدود المصطنعة بين أبناء الوطن الواحد، سلاحها كتاب الله ورواية الوطن والتمسك بالفضيلة وبقيم السلم والسلام في استرداد الحق المسلوب والذود عنه. لقد أظهرت المسيرة الخضراء للعالم أجمع بالحجة والبرهان مدى التلاحم الذي جسدته عبقرية ملك مجاهد وشهامة شعب أبي وتصميم كافة المغاربة من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال على استكمال استقلالهم الوطني وتحقيق وحدتهم الترابية، وأن سلاحهم في ذلك يقينهم بعدالة قضيتهم وتجندهم وتعبئتهم للدفاع عن مقدساتهم الدينية وثوابتهم الوطنية والذود عن حوزة التراب الوطني المقدس، تحذوهم الإرادة الحازمة لتحقيق وحدتهم التي عمل المستعمر بكل أساليبه على النيل منها، إلى أن عاد الحق إلى أصحابه وتحقق لقاء أبناء الوطن الواحد. لقد قدم المغرب جسيم التضحيات في مواجهة الاحتلال الأجنبي الذي جثم بثقله على التراب الوطني قرابة نصف قرن وقسم البلاد إلى مناطق نفوذ موزعة بين الحماية الفرنسية بوسط المغرب، والحماية الإسبانية بشماله وجنوبه، فيما خضعت منطقة طنجة لنظام دولي، وهذا ما جعل مهمة تحرير التراب الوطني صعبة وعسيرة بذل العرش والشعب في سبيلها تضحيات كبرى ورائعة في غمرة كفاح وطني متواصل الحلقات، طويل النفس، ومتعدد الأشكال والصيغ لتحقيق الحرية والاستقلال والوحدة، والخلاص من ربقة الاستعمار بنوعيه والمتحالف ضد وحدة الكيان المغربي إلى أن تحقق النصر المبين والهدف المنشود بعودة الشرعية ورجوع بطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس والأسرة الملكية الشريفة من المنفى إلى أرض الوطن، منصورا مظفرا في 16 نونبر 1955 حاملا لواء الحرية والانعتاق من نير الاحتلال الأجنبي والوجود الاستعماري. ولم يكن انتهاء عهد الحجر والحماية إلا بداية لملحمة الجهاد الأكبر الاقتصادي والاجتماعي لبناء المغرب الجديد الذي كان من أولى قضاياه تحرير ما تبقى من تراب المملكة من نير الاحتلال. وفي هذا المضمار، كان انطلاق جيش التحرير بأقاليمنا الجنوبية سنة 1956 لاستكمال الاستقلال وتحرير الأجزاء المحتلة من التراب الوطني، واستمرت مسيرة التحرير بقيادة بطل التحرير والاستقلال جلالة المغفور له محمد الخامس رضوان الله عليه، بعزم قوي وإرادة صلبة ليتحقق استرجاع إقليم طرفاية في 15 أبريل 1958. وواصلت بلادنا في عهد جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه ملاحمها النضالية,حيث تم استرجاع مدينة سيدي افني يوم 30 يونيو 1969، وتكللت بالمسيرة التاريخية الكبرى، مسيرة فتح الغراء في 6 نونبر 1975 التي جسدت عبقرية الملك الموحد الذي استطاع بأسلوب حضاري سلمي فريد يصدر عن قوة الإيمان بالحق وبعدالة القضية الوطنية، استرجاع الأقاليم الجنوبية، وكان النصر حليف المغاربة، وارتفعت راية الوطن خفاقة في سماء العيون في 28 فبراير 1976، مؤذنة بنهاية الوجود الاستعماري ربوع الصحراء المغربية وتلاها استرجاع إقليم وادي الذهب في 14 غشت 1979. وتواصلت ملحمة صيانة الوحدة الترابية بكل إيمان وعزم وإصرار لإحباط مناورات خصوم، وها هو المغرب اليوم، بقيادة محمد السادس أن يقف صامدا في الدفاع عن حقوقه المشروعة، مبرزا بإجماعه التام استماتته في صيانة وحدته الثابتة، ومؤكدا للعالم أجمع من خلال مواقفه الحكيمة والمتبصرة إرادته القوية وتجنده التام دفاعا عن مغربية صحرائه، ومبادرته الجادة لإنهاء كل أسباب النزاع المفتعل، وسعيه إلى تقوية أواصر الإخاء بالمنطقة المغاربية خدمة لشعوبها وتعزيزا لاتحادها واستشرافا لآفاق مستقبلها المنشود. وإن أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير التي صنعت بقيادة العرش العلوي المنيف الملحمة الكبرى لثورة الملك والشعب الخالدة، لتجدد بهذه المناسبة الغراء تعبئتها المستمرة ووقوفها الموصول تحت القيادة الحكيمة والمتبصرة لجلالة الملك محمد السادس من أجل الدفاع عن وحدتنا الترابية وتثبيت المكاسب الوطنية، كما تؤكد دعمها وتأييدها للمقترح المغربي القاضي بمنح حكم ذاتي موسع لأقاليمنا الجنوبية في ظل السيادة الوطنية، باعتباره الحل السياسي والواقعي والجاد والمسؤول الذي يحظى بالإجماع الوطني، ويلقى الدعم والاستحسان لدى المنتظم وفي المحافل الدولية. وبهذه المناسبة، فإن بلادنا تؤكد عزمها الراسخ على مواصلة الدفاع عن وحدتنا الترابية وحقوقنا المشروعة في أقاليمنا الصحراوية المسترجعة, كما ورد في الخطاب السامي لجلالة الملك محمد السادس بمناسبة تخليد الذكرى 15 لعيد العرش المجيد يوم الأربعاء 30 يوليوز 2014، حيث جدد دعوته إلى التعبئة الجماعية والمزيد من اليقظة للتصدي لمناورات خصوم الوحدة الترابية التي تستهدف الوطن وسيادته ووحدته المقدستين. ومما ورد في الخطاب المولوي قول جلالته :» فقضية الصحراء كما سبق أن أكدت أكثر من مرة، هي قضية كل المغاربة، وأمانة في أعناقنا جميعا. وفي هذا الإطار، نجدد الدعوة لمواصلة اليقظة والتعبئة الجماعية، واتخاذ المبادرات اللازمة، لاستباق مناورات الخصوم، فلا مجال للانتظار أو التواكل، ولردود الفعل. كما نؤكد التزامنا بمبادرتنا بتخويل أقاليمنا الجنوبية حكما ذاتيا، وهي المبادرة التي أكد مجلس الأمن مرة أخرى، في قراره الأخير، جديتها ومصداقيتها. غير أننا لن نرهن مستقبل المنطقة، بل سنواصل أوراش التنمية والتحديث بها، وخاصة من خلال المضي قدما في تفعيل النموذج التنموي لأقاليمنا الجنوبية، بما يقوم عليه من مقاربة تشاركية، وحكامة جيدة، ومن برامج متكاملة ومتعددة الأبعاد، كفيلة بتحقيق التنمية المندمجة». وفي موضوع الاتحاد المغاربي، جدد جلالته بنفس المناسبة حرصه الأكيد على بناء صرح اتحاد مغاربي قوي حيث يقول:» فعلى الصعيد المغاربي، نجدد إرادتنا الراسخة في بناء اتحاد قوي، عماده علاقات ثنائية متينة، ومشاريع اقتصادية اندماجية. إننا نؤمن بأن الخلاف ليس قدرا محتوما. وهو أمر طبيعي في كل التجمعات. فالاتحاد الأوروبي مثلا، كان ولا يزال يعرف بعض الخلافات بين أعضائه. إلا أنها لا تصل حد القطيعة. غير أن ما يبعث على الأسف هو التمادي في الخلاف لتعطيل مسيرة الاتحاد المغاربي. ومهما كان حجم هذا الخلاف، فإنه لا يبرر مثلا، استمرار إغلاق الحدود. فقد بلغ الوضع حدا لا يفهمه ولا يقبله المواطن المغاربي، لدرجة أن عددا من الذين التقيت بهم، خلال جولاتي في بعض الدول الشقيقة، يسألون باستغراب عن أسباب استمرار هذا الإغلاق، ويطلبون رفع الحواجز بين شعوبنا». وإن أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير وهي تخلد هذه الذكرى الوطنية المجيدة، الذكرى 39 للمسيرة الخضراء المظفرة، لتؤكد صمودها وتعبئتها واستعدادها لمواصلة السير قدما على درب الملاحم والمكارم لصيانة وحدتنا الترابية وتثبيت مكاسبنا الوطنية، وبذل كل التضحيات في سبيلها، متوخية إبراز ما تزخر به من قيم ومثل عليا ومعاني سامية لتوعية وتنوير الناشئة والأجيال الجديدة بأقباسها في مسيرات الحاضر والمستقبل إعلاء لصروح المغرب الجديد وتعزيز المكانة المتألقة وأدواره الرائدة بين الأمم والشعوب. ولنا في هذه الذكرى مناسبة ووقفة للتأمل والتدبر توحي بواجب الاعتزاز بالوطن والتشبع بالحس الوطني في خدمته والدفاع عنه، والنهل من ينابيع الوطنية الحقة والمواطنة الإيجابية التي يطفح بها تاريخنا التليد الزاخر بالأمجاد والملاحم والبطولات جسد حدث المسيرة الخضراء الغراء إحدى حلقاتها الذهبية التي نعتز بها ونفخر بتراثها النضالي الخالد.