ربط بلاغ الديوان الملكي قرار إعفاء وزير الاقتصاد والمالية محمد بوسعيد من منصبه بتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، لكنه لم يشر إلى الأسباب المباشرة التي دفعت إلى اتخاذ هذا القرار المفاجئ، ليفتح باب التخمينات على مصراعيه حول الاختلالات المرصودة في أداء الوزير بوسعيد، والتي كانت وراء إعفائه من منصبه، خصوصا أن ذلك تزامن مع التقارير التي رفعت إلى جلالة الملك من طرف كل من والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري، وكذلك رئيس المجلس الأعلى للحسابات ادريس جطو، وهي التقارير التي رصدت مجموعة من الاختلالات والنقائص التي يعاني منها الاقتصاد الوطني. في هذا السياق، كان التقرير الذي رفعه والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري أشار إلى أن المغرب في حاجة إلى إقلاع حقيقي يتيح نمو اقتصادي أسرع، في إشارة إلى بعض التباطؤ الذي تعرفه بعض الأوراش على مستوى الإنجاز، وهو ما يعني تقصيرا من لدن المسؤولين عن إنجاز وتتبع هذه المشاريع. في هذا الصدد، واستنادا إلى بعض المؤشرات والأرقام، أشار التقرير إلى التباطؤ الملموس الذي عرفه النمو الاقتصادي على المستوى الداخلي في شقه غير الفلاحي، حيث تراجعت وتيرة نمو القيمة المضافة غير الفلاحية إلى 2,2% مقابل 4,4% في العقد الأول من القرن الحالي، وهو ما انعكس على دينامية التشغيل غير الفلاحي التي عرفت ضعفا، وبالتالي تفاقم معدلات البطالة. وعلاقة بالنمو والاقتصاد دائما، أشار التقرير كذلك إلى عدم وضوح الرؤية التي تقلل فرص الانتعاش والنمو، في إشارة إلى الاستثمار الخاص الذي يظل ضعيفا بسبب مجهودات الاستثمار العمومي والتحفيزات الممنوحة غير الكافية، مما يدفع الفاعلين الاقتصاديين إلى الانتظار والترقب. وفي مجال مناخ الأعمال، أشار تقرير والي بنك المغرب إلى الجمود الذي تتخبط فيه مجموعة من المؤسسات الدستورية بسبب طول آجال اتخاذ القرار، وهو ما ينعكس سلبا على الظروف المواتية للاستثمار وإحداث فرص الشغل. وقد دعا التقرير إلى إعادة النظر في حكامة السياسات العمومية، بالإضافة إلى تقوية الشفافية في عملية صنع القرار على المستويين المركزي والمحلي، مما يمكن من إعطاء رؤية أوضح للفاعل الاقتصادي. من جانب آخر، رصد التقرير الذي قدمه رئيس المجلس الأعلى للحسابات بين يدي الملك مجموعة من الاختلالات تهم مالية الاقتصاد الوطني والاستثمارات الأجنبية إلى جانب ما عرفه مشروع الحسيمة منارة المتوسط من خروقات تمس في جانب منها وزارة الاقتصاد والمالية. ففي الشق المالي، أشار التقرير إلى ارتفاع الدين العمومي وبوتيرة متسارعة وتصاعدية، مما يشكل خطرا على استدامة المالية العمومية، وكذلك إشكالية متأخرات الدولة إزاء بعض المؤسسات العمومية ومقاولات القطاع الخاص، والتي تهم بالأساس الارجاعات برسم الضريبة على القيمة المضافة. وفيما يتعلق بالاستثمار، سجل تقرير المجلس الأعلى للحسابات محدودية أثر الاعتمادات التي تخصصها الدولة للاستثمار على التنمية وعلى إحداث فرص الشغل، موصيا بتبني النجاعة والمردودية في اختيار البرامج واستهداف تنمية مستدامة ومتوازنة تستفيد منها كافة الشرائح الاجتماعية ومختلف مجالات التراب الوطني. في الجانب المتعلق بمشروع الحسيمة منارة المتوسط، والذي ارتبط اسمه بالزلزال السياسي، حيث كان سببا في إعفاء مجموعة من الوزراء والمسؤولين العموميين، أشار تقرير ادريس جطو إلى تقصير وخروقات شابت إنجاز البرنامج تتحمل فيه وزارة الاقتصاد والمالية جانبا من المسؤولية. في هذا الصدد، أشار التقرير إلى أن تعثر إنجاز بعض المشاريع المتعلقة بالحسيمة منارة المتوسط، كان بسبب عدم توصل بعض الأطراف بالاعتمادات المالية المخصصة من طرف وزارة الاقتصاد والمالية، إلى جانب إخلال الوزارة بتحديد المشاريع المزمع تمويلها بواسطة تلك الاعتمادات.