ضوضاء تشبه السكات، تلك هي الخلاصة التي لايمكن لأي زائر لمعرض صانعات مدينة أصيلة أو» المعلمات» بمركز الحسن الثاني للملتقيات، إلا أن يخرج بها وهو في حضرة السكون المطلق الذي تمنحه عناصر هذا الفضاء، والتي تلفك في لفائف من صوف صوب طمأنينة داخلية تعز على الوصف، صوف حي يردد أصداء أولئك النساء اللواتي نسجنه في غسق الورشات على إيقاع أشعار شافية بن عيسى المنحدرة من أصيلة ، وعلى إيقاع ألحان محمود الحلوي المعروف ب»دي جي مود»، كأنما الغزْل صار مغازلة بأنامل تهفو إلى الحياة ببساطتها الأولى. معرض «ضوضاء» أو «من الحياة إلى الحياة» الذي أشرفت عليه الفنانة أمينة أكزناي رفقة 15 صانعة تقليدية من معلمات أصيلة، يتخذ شكل مكعب تملأ واجهاته الأمامية 210 أوعية، تضم أنسجة من الصوف الأبيض الطبيعي وأخرى ملونة توحي بتهجين الأنماط التقليدية للنسيج والطرز (راندة، طرز، مناول…) ، زخارف في أشكال نباتية متشابكة ، موزعة بين لفائف وكريات صوفية مجمعة بغرزات مختلفة بواسطة الكروشيه (غرزات، شبكات الصيد، سلاسل كبيرة من الصوف، ورود، عيون بألوان تتدرج من الأبيض إلى الأزرق إلى الأخضر في إحالة على ألوان مدينة أصيلة) ترسم من خلاله الصانعات تراكمات أو تجاويف تموجات أو خطوطا متقطعة توحي للزائر بأنه في مرفأ بحري . في هذا الفضاء المشع بنورانية مطلقة، تتداخل المادة باللامادة، والضوء بالظل في مسار يقود شيئا فشيئا إلى اللامدرك، مسار يكتشف معه الزائر أنه يغوص في «ضوضاء» منظمة تعيد ترتيب إيقاع الحياة داخله، في صمت لا يضاهيه إلا خشوع المتصوفة في عزلتهم. في هذا العالم المربع الذي يتقاسمه الأبيض والأزرق بدرجاته، تختلف الأشكال لكن الحركة تبقى واحدة، تدب بخطى وئيدة باتجاه النفس والسلام الداخلي الذي تمنحه للزائر رؤية هذه الضوضاء الصامتة، حيث يدعوك الفضاء إلى الانصات إلى النبضات الأولى للوجود ذات ملمس الصوف الناعم، والعيش مع هذه المادة بعيدا عن ماديتها الملموسة. لوحات صوفية، معنى ومبنى، تستدرج فيك الرغبة إلى استكناه أسرار هذا الطقس الأنثوي الباذخ بامتياز، طقس تدخله فتغتسل العيون والنفوس من كل أثر للفوضى التي تحيط بنا في كل مكان.