48 سنة مرت على اختفاء الزعيم الوطني المهدي بن بركة (29 أكتوبر 1965)، يومها تقدم رجال شرطة فرنسيون اقتادوا المهدي بن بركة من قلب باريس وسلموه لعصابة من المجرمين وعملاء يعملون لحساب مسؤولين مغاربة كبار، ليلقي مصيره الرهيب الذي لا يزال إلى اليوم مجهولا، لكن الرجل مازال حيا في ذاكرة المغاربة من خلال إرثه السياسي وكذلك القضائي... على المستوى السياسي، كان المهدي بنبركة، قبل كل شيء، مقاوما شرسا في مواجهة الاحتلال والاستعمار الفرنسي والإسباني للمغرب، قبل أن يتبوأ أعلى المناصب السياسية والبرلمانية غداة الاستقلال. مؤسس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وكان بدون منازع زعيما للمعارضة التقدمية في مواجهة المخزن الرجعي المتواطئ مع القوى الامبريالية.. لكن صيته العالمي دفع الدوائر الرجعية المخزنية تفكر في القضاء عليه وإسكات صوته بالاغتيال، منها محاولة اغتياله في حادثة سير مدبرة سنة 1962 نجا منها بأعجوبة، أو الحكم عليه بالإعدام غيابيا لكونه ساند الموقف الجزائري في حرب الرمال سنة 1963 . ومنذ ذلك الوقت ظل في المنفى، وتحول إلى وجه بارز في نضال شعوب العالم الثالث من أجل التحرر والاستقلال، وانخرط في العمل من أجل بناء تنظيم عالمي ثالثي لمواجهة الامبريالية الزاحفة. وتحول بذلك إلى رجل مزعج ليس فقط بالنسبة للنظام المخزني المغربي، بل أيضا للدوائر الامبريالية والصهيونية العالمية. المهدي بن بركة كان رجل الطموحات الراديكالية والإصلاحات البراغماتية، رجل المبادئ الواضحة و التوافقات الواقعية، رجل دولة ورجل المعارضة. لكنه في نفس الآن كان إنسانا مثل باقي البشر. له نقط ضعفه، سذاجته التي سهلت اختطافه، ونقط قوته يشهد بها الجميع. كان صوت المظلومين في المغرب والعالم. و بالتأكيد أنه أدى ثمن هذه القناعة غاليا. وإذا كان اختفاؤه يشكل خسارة فادحة بالنسبة للمغرب والمغاربة، فإنه يبقى دائما شاهدا دائما على جرائم الدولة السياسية، جرائم لا يراد لها أن تنجلي. اختفى المهدي في باريس يوم 29 أكتوبر 1965 ، ولازال مصيره مجهولا إلى اليوم. وبالرغم من الروايات والتفاصيل الكثيرة، هناك حقيقة ساطعة وأكيدة وهي أن العدالة (الفرنسية والمغربية) لم تستطع، أو لم ترد توفير كل الظروف والوسائل الممكنة لكشف الحقيقة. ففي فرنسا، بلد الحقوق والحريات ودولة القانون والعدالة، وقعت الجريمة التي لا يمكن ان تسقط بالتقادم، وبالتالي فالملف لايزال مفتوحا أمام القاضي الذي يتابع التحقيق، والذي أصدر العديد من مذكرات الاعتقال والاستماع، أو الإنابة القضائية ضد شخصيات أمنية مغربية مبحوث عنها كشهود.. لكن أطرافا عديدة تبذل كل الجهود الممكنة من أجل عرقلة مسار التحقيق القضائي، مما يؤكد أن أطرافا عديدة سواء في المغرب أو في فرنسا لا تريد بأي شكل من الأشكال الكشف عن الحقيقة في هذه الجريمة، وليتأكد معها أن الدولة المغربية مستمرة في التكتم على الجريمة وعرقلة الكشف عن ملابساتها والإمعان في السير في طريق الإفلات من العقاب... مرة أخرى.. سيجتمع أفراد عائلة المهدي وبعض الرفاق والمساندين أمام مقهى ليب، بالحي اللاتيني بباريس، إحياء لذكرى الاختطاف، وستكتب الصحافة عن الذكرى... لكن مع ذلك لا مجال للإحباط أو الملل من المطالبة بالكشف عن الحقيقة، لأنه واجب الذاكرة وواجب العدالة الذي يبقى حيا. بل لأن الأمر يتعلق كذلك بما تعنيه هذه الجريمة بالنسبة لحياتنا السياسية منذ 50 سنة وتقلباتها وتطوراتها بالنسبة للشأن العام والقراءات الممكنة على ضوء الأوضاع الراهنة. وكما قال دانييل غيران في كتابه»بن بركة وقاتلوه: 16 سنة من التحقيق» «... هذا الميت ستكون حياته صعبة. هذا الميت ستكون له الكلمة الأخيرة» وبالتأكيد من أعماق قبره غير المعروف، سيبقى شهيدنا المهدي بن بركة يذكرنا ويذكر الأجيال القادمة بضرورة أخذ مصيرنا بأيدينا والذي لن يكون سوى مصير مغربنا.