لن ينسى عبد العزيز بوتفليقة الحديث الذي جمعه بنظيره الأمريكي وزير الخارجية هنري كسينجر عام 1975، والذي صرح خلاله بأن منطقة الصحراء ستكون بمثابة كريت المغرب العربي. هذا التصريح يكشف النقاب عن السبب الاستراتيجي الذي دفع الجزائريين، طوال 36 سنة، إلى تقديم مساعدات مالية ولوجستيكية وعسكرية تقدر بملايير الدولارات لانفصاليي البوليساريو، بهدف إنشاء دويلة تشكل بوابة قصر المرادية على المحيط الأطلسي، ويضمن لحكام الجزائر وضع اليد على ثرواتها. ففي أحد اجتماعاته مع مسؤولين أمريكيين، تلقى عبد العزيز بوتفليقة، وزير الخارجية الجزائري آنذاك، صفعة قوية من نظيره الأمريكي سنة 1975 عندما طرح مبدأ تقرير المصير في الصحراء المغربية، محاولا مقارنته مع مشكل الفلسطينيين، ليجيبه كيسنجر: لا أعلم ماذا يعني مفهوم تقرير المصير بالنسبة لمشكل الصحراء، إنني أتفهم الأمر بالنسبة للفلسطينيين، إذ الأمر مختلف نوعا ما» . الجزائر صرح مسؤولها مرارا أن «لا ناقة ولا جمل» لهم في مشكل الصحراء، لكن كيف يفسرون موقفهم الذي أعلنوا عنه في أواسط السبعينيات عندما قال بوتفليقة: «هناك حل وحيد، إنها مشكلة مبدأ، بالإمكان إجراء استفتاء (في إشارة إلى الصحراء المغربية) والجزائر ستقبل بنتائج هذا الاستفتاء . وقد حاول المسؤولون بقصر المرادية، خلال لقاءاتهم بالأمريكيين، الضغط على واشنطن من أجل التخلي عن حيادها، وهو ما كانت ترفضه أمريكا، الشيء الذي آثار حفيظة الجزائريين، إلى حد استغرب معه حتى كسينجر أثناء لقائه مع وزير الخارجية الجزائري السابق بوتفليقة، ما جعله يتساءل، حسب ما جاء في وثيقة أمريكية رسمية، بعد محاولات حثيثة لحمله على تغيير موقفه من النزاع الجزائري مع المغرب حول الصحراء: «مما يتذمر وزير الخارجية الجزائري، من أننا لا ندعم الجزائر، إذا تبنينا موقفهم فإنه سيتعين علينا أن نعكس مواقفنا كليا . ولم تتوقف الجزائر عند هذا الحد، فقد بدأت مناوءتها للمغرب حتى قبل انطلاق المسيرة الخضراء، إذ سعت جاهدة لتجميد هذه المبادرة، وطالبت أمريكا بالتدخل لدى الراحل الحسن الثاني من أجل حمله على التراجع عن تنظيم المسيرة الخضراء وهو مالم تتمكن من تحقيقه.