في انتظار المصادقة على المشروع 16-10 المتعلق بتعديل القانون الجنائي و المسطرة الجنائية نظم الفريق الاشتراكي بتنسيق مع نقابة المحامين بالرباط ندوة بمجلس النواب يوم 07/06/2018 تحت عنوان « القانون الجنائي و المسطرة الجنائية اية اصلاحات « و قد عرفت الندوة عروضا و مناقشات حول موضوع الندوة و ان اصلاح في هذا الاطار يجب ان يكون شموليا لان اصلاح العدل كل لا يتجزأ يتطلب سن سياسة جنائية تستجيب لطبيعة المرحلة . تنعقد هذه الندوة في ظرفية دقيقة و حساسة يجتازها العالم ازاء تضخم ظاهرة الجريمة و تعقد اشكالها و تنوع مظاهرها و مناهجها و وسائلها المتطورة تكنولوجيا و تزداد خطورتها على المجتمعات و القيم و المصالح العليا للمجتمعات و الاوطان ، كما ان ظاهرة الاجرام أخذت منحى عالميا و لم تبق شأنا وطنيا صرفا و لم تعد محصورة داخل الوطن بل اصبحت عابرة للقارات و الاوطان ومتنقلة داخل الوطن الواحد . و بالنسبة للمشروع فيجب ان يواكب التطور الذي يعرفه المجتمع المغربي في اطار تغيرات المناخ الدولي كما يجب ملائمته للمواثيق و الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب او تلك التي يجب عليه المصادقة عليها خاصة في مجال حقوق الانسان و المحاكمة العادلة و منع التعذيب و غيرها . و في هذا الصدد فان اول ما يتطلبه الامر هو وضع سياسة جنائية تساهم في بناء دولة الحق و القانون في خلق التنمية الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و التفافية المنشودة و ذلك دون اهدار للتوازن المطلوب بين المجتمع المغربي في ضمان امنه و استقراره و وقايته و حمايته من الجريمة بمختلف اصنافها و مشاربها و بين حقوق الفرد قبل و اثناء المحاكمة . و في نظري فان ظاهرة الاجرام تستدعي الحد او التقليص من اسبابها او ردعها زجريا و العمل على اصلاح سلوك مرتكبيها للاندماج من جديد في المجتمع كمواطنين صالحين و اشير هنا الى معالجة الاسباب المؤدية الى الاجرام . و اعتقد ان الوسيلة الناجحة لمعالجة هذه الظاهرة التي تنخر جسم المجتمع هو اقامة العدل في البلد . و قد اشار شيخ الاسلام ابن تيمية الى العلاقة بين العدل و الظلم في استقرار الامم بقوله (( ان الله يقيم الدولة العادلة و ان كانت كافرة و لا يقيم الدولة الظالمة و ان كانت مسلمة )) . وقوله ايضا (( العدل قوام العالمين و الظلم فسادهم )) و لخطورته فقد حرمه الله على نفسه في الحديث القدسي المشهور يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي و جعلته بينكم محرما فلا تظالموا . و هكذا فمن المكؤكد ام الاصلاح ليس مقصورا على مجرد اعادة النظر في النصوص القانونية للمنظومة الجنائية كلها بل انه مرتبط ارتباطا اكيدا بالوضعية السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية للمجتمع المغربي و مرتبط ايضا بكل مجالات التشريع و ان خارج تلك المنظومة و نفسها كقانون الجمارك و قانون زجر المخدرات الخ . و لا ننسى دور الاعلام الوطني في الاسهام في التنوير الرأي العام في ممارسة حرية الرأي و التعبير و مدى حقوقه و مسؤولياته في هذا الاطار و في قدرته على مكافحة للجريمة بالتربية و الاخبار و الاتصال و في هذا السياق فقد ان الاوان ان لم يكن قد فات وقت اعادة النظر في الاسس التي يقوم عليها نظام التجريم و العقاب و القانون المغربي و في الوسائل التقليدية المتبعة للوقاية من الجريمة و في اعتبار القضاء كوسيلة للتأهيل النفسي و الاجتماعي و المهني لتسهيل عملية اعادة الاندماج في المجتمع المدني . اما الشيء الذي يجب التأكيد عليه و الاعتراف به ان الاشكال المطروح هو التطبيق يحتاج الى كفاءات مؤهلة و نزيهة خاصة في صفوف القضاء . صحيح ان المغرب يعرف ترسانة قانونية متطورة إلا انه لم يقع تفعيلها و تطبيقها على ارض الواقع و الخلل عندنا يكمن في الاليات التي يتعين عليه التنفيذ ليس فقط في القضاء بل في جميع القطاعات الحساسة المتعلقة بتدبير الشأن العام حيت انعدام الكفاءة و الاهلية و زاد في تعميقها عدم توفر الارادة و الشعور بالمسؤولية فإذا تم الجزم بتنامي ظاهرة الاجرام التي هي جوهر مشروع 16-10 فيقابلها تنامي ظاهرة الرشوة و المحسوبية فان اول ما يجب اصلاحه هو البشر كما يجب تأهيله و محاسبته . و كيف و الحالة هاته ان من كان فاسدا ان يصلح هل يستويان . و من اجل توفير الشروط الحقيقة للممارسات الديمقراطية و التوازنات الاجتماعية و الاقتصادية اللازمة لتهيئ مناخ يساعد اجثتات الاسباب السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية لارتكاب الجريمة و كبح العوامل التي ادت الى تفاقمها نتيجة الامية و الفقر و الانحلال الخلقي و الحياة الهامشية و تفكك الاسر و البطالة و غيرها لتحقيق التعديل المطلوب في المشروع المتعلق بتعديل القانون الجنائي . و المسطرة فيجب ان ينصب اول حول البحث التمهيدي ثم وضع معايير لسلطة الملائمة بالنسبة للنيابة العامة و السلطة التقديرية بالنسبة لقضاء الحكم فلا يجب ان تكون السلطتين مطلقتين يمكن توظيفها من طرف قضاة النيابة و قضاة الحكم و لو كانت خارج القانون و لا رقابة عليهما إلا الضمير لذلك يجب وضع معايير لهما و لا يجب ان تكون مطلقة و نظرا لخطورة محاضر الضابطة القضائية و انعكاساتها على احكام القضاء ، اشير في هذه الحلقة الى ان البحث التمهيدي و اعمال الضابطة القضائية تفتقد الى الضمانات بل تخضع لضمير الضابط و الكارثة هو ان القضاء يعتمد المحاضر التي تنجزها الضابطة القضائية في الجنايات و الجنح و المخالفات حيث يقع تعليل الاحكام القضائية سواء تعلق الامر بالمخالفة او الجناية على الشكل التالي : حيت ان المتهم انكر ما نسب اليه لكن تصريحاته امام الضابطة القضائية تفندها و اعتراف المتهم ما هو إلا التملص من العقوبة و لذلك ارى ضرورة اعادة النظر في البحث التمهيدي ، و اخد بعين الاعتبار المقترحات التالية : – تعريف و تحديد مهمة البحث التمهيدي بصفته مجموع التحريات التي تقوم بها رجال الضابطة القضائية ، قبل وضع قاضي التحقيق او المحكمة يدها على القضية ، تلك التحريات التي تكون الغاية منها التأكد من حدوث الجريمة و جمع الادلة عنها ، و محاولة اكتشافها بطرق علمية حديثة بعيدا عن كل اكراه او تعسف . – اعلام المشبوه فيه امام الضابطة القضائية بمجرد استدعائه بالتهمة الموجهة اليه و موضوعها و بطريقة واضحة و مفهومة لديه و التي على اساسها يجري التحقيق معه و اشعاره بحقه في حضور محام الى جانبه . – التنصيص على حق المشبوه و طلب اجراء الفحص الطبي امام الضابطة القضائية و اجراءه بمجرد طلبه شخصيا او بطلب دفاعه ، و تضمين ذلك في محضر الاستماع اليه و وضع التقرير المنجز تحت تصرف دفاعه . – حق المشبوه فيه في الادلاء بتصريح ختامي بدون صفة مستقلة في المحضر عقب مجموع التحقيق الذي اجري معه . – اقرار حق المشبوه فيه في حضور و تأمين دفاعه في كافة اجراءات البحث لدى الضابطة و في حق الدفاع في تدوين و تسجيل مجموع ملاحظاته و كدا الوثائق و المستندات التي يعرضها عن المعني بالأمر و كذا طلب الاستماع الى الشهود و المقابلات و الانتقال الى عين المكان . – وضع مقاييس و معايير تنظيم اماكن الوضع تحت الحراسة و شروطه الانسانية : مبيت ، اكل ، وسائل النظافة …الخ . لكي لا يخيم الخوف او الاكراه النفسي و المعنوي على المطلوب في البحت . – اعتبار المحاضر المنجزة من طرف الضابطة القضائية مجرد بيانات في مادة الجنحية ايضا . – اعادة النظر في تنظيم طريقة وضع المحاضر و صياغتها ، و على الخصوص الجوانب المتعلقة بالاستنطاق ، المدة التي استغراقها و الوقت الذي اجري فيه ، ليلا او نهارا و توقيت المشروع او الاختتام و ما اذا كان الاستنطاق مسترسلا او لا و فترات الاستراحة التي تخللته مع فرض حق توقيع المعني بالأمر على ديباجة المحاضر كذلك و على كل صفحة من صفحات محضر الاستماع اليه و تصريحاته الشخصية . – اعتبار القواعد و الاجراءات المنظمة للوضع تحت الحراسة النظرية امرة و متعلقة بالنظام العام ، و ان كل اخلال بها يؤدي الى البطلان . – اعتبار وكيل الملك المشرف على اعمال الضابطة القضائية في الجنح ، و الوكيل العام في الجنايات و اسناد مراقبة اعمالها الى غرفة المشورة مع الزام المحاكم تلقائيا او بناء طلبات الاطراف بإحالة ما يقدم في شأنها من طعون الى الغرفة المذكورة . – التنصيص على حق المتضرر من اعمال الضابطة القضائية في تحريك الدعوة العمومية عن طريق الادعاء المباشر و لو تعلق الامر بمسطرة الامتياز القضائي . – الزام النيابة العامة بالقيام بدورها في متابعة ضباط الشرطة القضائية في حالة قيامهم و اثناء وظائفهم من شأنها المس بالحرية الشخصية و السلامة النفسية و الجسدية للماثل امامها . – تخفيض اجل الوضع تحت الحراسة الى الحد الادنى . لقد ارتأيت الاشارة الى البحت التمهيدي باعتباره منطلق مسألة الضمانات لحريات المشبوه فيه . و بعد يأتي دور النيابة العامة لممارسة سلطة الملائمة المطلقة ، حيت يقوم بحفظ الشكاية او تكييف الوقائع و تسن المتابعة في حالة اعتقال و في حالة سراح او عدم المتابعة ، لهذا اصبح من الضروري تعديل مسطرة الاحالة لتتناسب مع توفير شروط المحاكمة العادلة و عدم فرض الاعتقال تلقائيا و البت بسرعة و عدم التقييد فقط بالإحصائيات العددية و عليه يجب مراجعة النصوص المتعلقة بالإيداع في السجن حيت لا يجوز القيام بالإيداع عند توفر الضمانات الشخصية و الكفالات المالية إلا في حالت خاصة يتعين التنصيص عليها و لا يكفي اعتبار الاعتقال الاحتياطي تدبيرا استثنائيا و الاستثناء لا يقاس عليه كما يجب على النيابة العامة مراقبة سلامة الاجراءات و تحويلها اختصاصات البث كجهة تأديبية في المخالفات المسطرية التي ترتكب من طرف الضابطة القضائية و كذلك التنصيص على المسؤولية التأديبية لقضاة النيابة العامة عند الاختلال بالمقتضيات القانونية و انسجاما التحولات الهامة التي تعرفها دول العالم المتحضر كاختيار حتمي ، و ان هذا الاختيار الديمقراطي يمر لزوما عبر بناء قضاء مستقل مسؤول على اعتبار القضاء سلطة و ليس مهمة لتجد حلا لإشكالية الاستقلال مع ان الحكم القضائي في حد ذاته هو السلطة مجسدا بعينها و لا اقوى من سلطة كسلطة قوة حكم قضائي للتنفيذ و كل من عمد الى عرقلة التنفيذ من الاعوان ، و يتعين اتخاذ اجراء تأديبي في حقه و هو ما يجب الاشارة اليه بوضوح في الفصل 240 من القانون الجنائي ، انطلاقا مما ذكر فانه كيف ما كانت القوانين متطورة إلا ان الاشكال الخطيرة تكمن في مجال التطبيق و التنزيل ، كما انه كيف ما كانت الاحكام الزجرية قاسية إلا انه لم تحد من تنامي الجريمة لذلك فمن اللازم معالجة اسبابها المشار اليها و لا يتأتى ذلك إلا بالتأهيل و التخليق و الارادة الصادقة لدى المسؤولين و محاسبة كل من ثبت في حقه خروجه عن النزاهة و الحياد و خضوعه للمؤثرات الخارجية بما في ذلك سلطة المال و اهواء النفس الامارة بالسوء و مصادرة القانون لفائدة التعليمات .و لا يفوتني ان اشير الى انه اذا كانت الشريعة الاسلامية اول مصدر من مصادر التشريع كما نص عليها دستور المملكة إلا انه لم يشر اليها المهتمون اطلاقا رغم ان ائمة و علماء و فقهاء مهتمين بالشريعة الاسلامية و الاحكام التي تضمنها في جميع المجالات . و انطلاقا مما ذكر يبدو مما لا يدع مجالا للمناقشة ان ادخال تعديلات و اصلاحات للقانون الجنائي و المسطرة الجنائية فلا يمكنها تحقيق الغاية المستوحاة منها إلا في اطار اصلاح شمولي لمنظمة العدالة خاصة في اطار سياسة جنائية عامة تساير كل التحولات الداخلية و العالمية و يساهم في وضعها جميع المهتمين قضاة ، محامون ، اساتذة جامعيين ، احزاب سياسية منظمات حقوقية و نقابية و منظمات المجتمع المدني على اساس ان توفر الارادة السياسية لدى الحاكمين ايمانا و اقتناعا من الجميع من اجل الوصول الى هدف واحد و اساسي يكون هو العدل و بناء دولة الحق و القانون ليكون جميع المغاربة سواسية امام القانون ، و في هذا الصدد ورد في فقرة رسالة جلالة الملك موجهة لأعضاء المجلس الاعلى للقضاء بتاريخ 12 ابريل 2004 جاء فيها « لا يمكن للقضاء ان يحقق المكانة الجديرة ب هالا حين يكتسب ثقة المتقاضين التي لا تتحقق إلا من خلال ما يتحلى به القضاة من نزاهة من تجرد و استقامة و استقلال عن اي تأثير او تدخل ،ان استقلال القضاء الذي نحن عليه حريصون ليس فقط ازاء السلطتين التنفيذية او التشريعية حيث يصمنها الدستور و لكن امام السلط الاخرى شديدة الاغواء و في مقدمتها سلطة المال المغرية بالارتشاء فضلا عن النفس الامارة بالسوء لنعتبر ان استقلال القاضي بمعناه و و مناعته عن هذه المؤشرات ، و التي لا تكلفه الوسائل القانونية مهما كانت متوفرة و انما يكلفه قبل كل شيء الميثاق الذي بينه و بين ضميره و هو رقيبه الدائم و الوسيلة المثلى لتحصين نفسه من كل تأثير او انحراف و هو يقوم برسالته النبيلة و درايته بوضع القضاء و يستفاد من خطاب جلالته انه بالفعل من الناحية الواقعية فكلما ظهرت بوادر الاصلاح إلا و يزداد الفساد حتى فقد القضاء الثقة و المصداقية لدى المواطنين عامة و المتقاضين خاصة . و من شأنه تهديد الامن و الاستقرار و يسيء لسمعة المغرب بسبب هدر حقوق المواطنين و حرياتهم و الاستخفاف بها ، اما ما تجدر الاشارة اليه هو كتاب الله و سنة رسوله حول حقوق الانسان جميعا في عدة اياته من الانفس و الاموال و الاعراض وامر بالعدل في شأنها . و جاءت دساتير المملكة لتتصدر الشريعة الاسلامية كمصدر من مصادر التشريع الا ان لست ادري لماذا اغفلها المنضمون في المؤتمرات و المناظرات و الندوات التي تنظم من طرفهم ، و هكذا فبالرجوع الى كتاب « السياسة الشرعية لابن تيمية « و « الاحكام السلطانية للماوردي « فانها تضمن جميع احكام الشريعة في الموضوع و جاءت متناسقة مع الاصول و المبادئ الدينية و الاجتماعية و الخلفية لتكريس هذه الحماية في شكل نصوص ملزمة للدولة و للأفراد و الجماعات على حد سواء . و كان لابد من جهة ان تنفرد وحدها و دون غيرها من الجهات الاخرى لتطبيق تلك القوانين و تجسم تنفيذها في شكل احكام لا تميز بين الشريف و المشروف و لا بين الحاكم و المحكوم ، لتصبح القاعدة القانونية قاعدة ملزمة لكل شرائح المجتمع في رقعة واحدة من المعمور عن طريق عمومية نصها و شمولية اثارها و التزام الكل بها و الخضوع اليها و الامتثال لها و تنفيذها . و كانت هذه الجهة القضاء و ما كان القضاء بهذا الجانب من الاعتبار في بناء صرج دولة القانون لزم ان يكون رجاله على درجة المصلحين الاخيار و القدسين الابرار محاط بسياج من الاعتبار يمكنهم من اداء رسالتهم المقدسة بكل تجرد و عدل و نكران الذات ليسلكوا مسلك المقسطين .