نظمت الكتابة الإقليمية للفقيه بن صالح، في إطار سلسلة البرامج والأنشطة الإشعاعية التي دأبت على تفعيلها، لقاء تواصليا من خلال ندوة تحت عنوان «دور وسائل التواصل الاجتماعي، في توجيه الرأي العام، وصناعة القرار السياسي»، من تأطير عضو المكتب السياسي يونس مجاهد. وقد استهل اللقاء بكلمة تقديمية ألقاها الكاتب الإقليمي الزوبدي نور الدين أوضح من خلالها أهمية مثل هذه اللقاءات وآثارها كقيمة فكرية ومعرفية مضافة ومساهمة في تأطير المواطنين، وتمكينهم من ثقافة سياسية، وإغناء رصيدهم المعرفي، وكذا تكوين الحس النقدي لديهم، بهدف تحصين مقوماتهم الاجتماعية والسياسية، وتطوير تفاعلهم مع محيطهم الواقعي والافتراضي لما فيه خير لمسار البناء الديمقراطي والسياسي ببلادنا، مضيفا « أن مثل هذه المواضيع الآنية، والتحولات المتسارعة بشكل مستمر، تقتضي من كل الفاعليين وبالخصوص الفاعل السياسي، ملاءمة برامجه وجعلها قادرة على مواكبة كل هذه المستجدات والمتغيرات في مجال التكنولوجيا التواصلية، والثورة الرقمية، فضلا عن ضرورة تحديث أدوات الاشتغال، والتأطير من أجل تنشئة سياسية وتقنية مندمجتين، قادرة على التجاوب والتناغم الإيجابي مع التطورات المسترسلة بالواقع». وتناول يونس مجاهد في عرضه مختلف التأثيرات التي تحدثها مواقع التواصل الاجتماعي والثورة الرقمية بصفة عامة على حياة الناس، جماعات وأفراد، وتجليات ذلك على سيرها وتواترها المتسارع، على مستوى كل مناحي صناعة القرار، والتفاعلات والتجاذبات التي تفضي إلى التأثير في بلورة الرأي العام وتوجيهه.معتبرا أن الأمر أصبح موضوعا نعيشه، وهو موضوع متحرك، والكل يتفاعل معه في تطور متواصل. وما يترتب عن ذلك من ناحية أخرى من امتدادات فلسفية واجتماعية، وأخرى ذات أبعاد سياسية، من خلال دراسة أثبتت علاقة وسائل الإعلام مع حواس الإنسان، حيث تصل هذه العلاقة إلى حد اعتبار الوسيلة الإعلامية «المديوم» أهم من المضمون والمحتوى، وكلمات المفتاح. سيما وأن الأنترنيت قد ساهم بشكل كبير في تغيير المفاهيم والعلاقات مع بروز تكتلات وقوات اقتراحية متعددة التوجهات، والانتماءات الاجتماعية، مشيرا إلى أن هذا التطور الهائل والذي بلغ الذكاء الاصطناعي فيه مستويات تكنولوجية جد دقيقة، «حيث أن ، حسب الدراسات العملية المنجزة في هذا الشأن ، 54% من رواد ومستعملي مواقع التواصل الاجتماعي، صاروا مجرد روبوطات مبرمجة». وأشار تحديدا إلى فضيحة « غوغل أنا ليتيك» بعد ما قامت شركة بريطانية بالبحث في «بروفايل» 50 مليون شخص وتوجيه الخطاب للناخبين، والكشف عن الحياة الخاصة للمواطنين، وهو ما دفع بإدارة المحرك إلى تقديم اعتذار في الموضوع. وإذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي قد وسعت من قاعدة بنيات مختلف التعبيرات، وإبداء رأي مختلف الشرائح والمكونات الاجتماعية، والأقليات بكل انتماءاتها وعقائدها وميولاتها، وهي مداخل ذات أهمية في البناء الديموقراطي، فبالمقابل فإن الأمر لا يخلو من خطورة على هذا البناء، مع وجود حقيقي لقوى مالية وحكومية وتجارية مهيمنة، ومحتكرة لأهم مصادر التكنلوجيا المعلوماتية والرقمية التواصلية المتمثلة في امتلاك أضخم المحركات، باستثمارات ذات رقم معاملات بملايين الدولارات، وهي بالطبع ليست محركات محاذية، بل وسيلة تقوم باختراقات إعلامية كبيرة لصنع رأي عام وتوجيهه، وأعطى مجاهد مثالا على ذلك بفضيحة الفايكنيوز والمعروفة اختصارا بالأخبار المزيفة، وما شهدته الرئاسيات الفرنسية الأخيرة من تداول ل 25% من الأخبار المزيفة. وفي ذات السياق أكد أن المسألة أصبحت تتفاقم يوما بعد يوم بعدما كانت تطبيقات الفايكنيوز تهتم فقط بالإعلانات الإشهارية والمرتبطة بالماركوتينك التجاري ثم السياسي، وبعد ذلك أصبحت المحركات الكبرى «غوغل» تشتغل على الصحافة، وإنتاج الخبر بتطبيقات عالية الدقة في التناول، ولها قدرة خارقة في التفاعل والتبادل المعلوماتي مع أقوى المحركات، مما جعل من الأنترنيت، يقول مجاهد، مصدر قوة للحصول على المعلومة، بل ومعالجتها. والتفاعل معها، خاصة بين أوساط الشباب، وأشار في هذا الصدد إلى وجود 13 مليون مغربي ممن يستعملون مواقع التواصل الاجتماعي ، حسب دراسات أجريت في هذا الشأن، بلغ منهم عدد الشباب 65 % .كما حددت الدراسة عدد مستعملي وسائل التواصل الاجتماعي في 40 % بواسطة الهاتف النقال، و 58 % بواسطة الحاسوب و2 % بواسطة اللوحات الالكترونية، وتساءل في ذات الوقت عن تأثير كل هذا الزخم، والدفق المعلوماتي، وتكاثر عدد المتلقين في الواقع السياسي، فضلا عن تأثير هذا التزايد باستمرار على مستوى حجم الانتشار وطبيعة المضامين. وهو ما يستدعي الاستثمار في المجال، والذي أصبح ضروريا وملزما، متسائلا عما يجب فعله لكي نعيش ما يجري في العالم. بالقدرة الكافية على التحليل، والتقصي بذكاء للمعلومة والخبر، سيما وأن الدراسات الأخيرة ، تفيد كون 54 % من منتجي ومروجي الأخبار والمعلومات ليسوا «مواطنين»، وأصبحوا مصدرا للإخبار، الأمر الذي أصبح محط احتجاجات ونقاشات محتدمة بين رجالات الصحافة والإعلام، والمؤسسات الإعلامية المختلفة عبر العالم ضد المحركات الكبرى، والتي تحولت من وسيلة تكنولوجية في توضيب وتخزين المعلومات، إلى وسيلة لإنتاج الخبر، ودخول سوق المعرفة ، إضافة إلى إنتاج ونقل الخبر دون اعتماد أي خط تحريري، وهي القضية التي اعتبرها جل الاعلاميين والصحافيين عبر العالم، تضرب في الصميم مبدأ تكافؤ الفرص في الحصول على الخبر ومصادره، بل اختراق المجال من طرف هذه المحركات بدون وجه حق، لما يقتضيه الفعل الإعلامي والصحفي من مستويات من التقنيات المعرفية والأدبية، وأخلاقيات وقوانين، وتنظيمات مهيكلة ومؤطرة لهذا الفعل، فضلا عن كون وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة لا تدخل في تعريفاتها ضمن العمل الصحافي. ومن جهة أخرى، أبرز العرض مدى الخطر الحقيقي الذي تشكله هيمنة المحركات الضخمة والتي تستحوذ عليها لوبيات وقوى رأسمالية، وكذا تخوف الصحافة الكلاسيكية من منافسة الصحافة الالكترونية مع تراجع المردودية المالية التي كان مصدرها الاعلانات وتسويق المنتوجات والبضائع والخدمات، حيث تحولت إرادات هذه الاعلانات إلى غوغل والفايسبوك بنسبة 48 %، مما يعني بشكل أو بآخر أن مهنة الصحافة أصبحت مهددة وهو ما يدعو إلى العمل على استنهاض سبل وشروط مقاومة شعبية مهنية، وسياسية في مواجهة التضليل، والتدليس المعلوماتي، سيما وأن منظمة اليونسكو، سبق وأن دعت إلى إدماج التربية على الإعلام ضمن البرامج والمناهج التعليمية لتربية الحس النقدي لدى الأجيال والمساهمة في تنشئة الفكر النقدي في قراءة الخبر، خاصة في غياب سياسات عمومية واعية بكل هذه الرهانات والتحديات المرتبطة بموضوع وسائل التواصل الاجتماعي في علاقتها بالعمل السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وتجاوز كل هذه الاشكالات المرتبطة بذلك، والقادرة على دعم وتطوير صحافة البحث، والتقصي، والتي شكلت دعامة ومدخلا لمواجهة التحولات الرقمية والمتسارعة، وساهمت بشكل كبير في صيانة المكتسبات البشرية، لتكون لصالح الديمقراطية. كما أثار العرض خطورة هذه الوسائل في قتل جميع الوسائط بما يسمح بعودة الدولة الحارسة والشمولية والأكثر استبدادا واستحواذا على الواقع، و كل أشكال التعبيرات، والممارسات المواجهة. وهو ما يؤكد الحاجة إلى بحث علمي ودراسات وسياسات عامة للحد من الفوضى التي أحدثتها التحولات الرقمية، من خلال العمل على تقديم منتوج إيجابي وجيد، وأن لا يظل هذا الموضوع خاضعا لاقتصاد السوق، وسيطرة اللوبيات، والذي يستثمر بقوة في المجال، ويعمل بجهد على توجيه الرأي العام وبإمكانيات جد متطورة في استعمال الذكاء الاصطناعي. وهو ما يستوجب كذلك ، بالإضافة إلى التحذير والتعامل بفكر نقدي، تطوير احترافية الأداء الصحفي، والمقاولة الصحفية وتأهيل قدراتها التقنية والمؤسساتية، وجعلها قادرة على تقديم خدمة عمومية قوية. وفي الختام عبر يونس مجاهد عن تفاؤله، كون المعركة ليست في مواجهة التخوف من مقاومة وسائل التواصل الاجتماعي، بل في التعامل معها بالعدة التربوية والمناهج التعليمية اللازمة للقيام بالتوريد المعرفي الايجابي في التعامل معها، بالموازاة مع العمل على إنجاز دراسات، وأبحاث علمية مواكبة، وكذا تأهيل استراتيجي للسياسات العامة وللمشهد السياسي بصفة عامة.