في رمضان الماضي، لهذه السنة، غطت كرة القدم على أذان المغرب في كلّ المساجد بالبلاد، وبات هواتها يستعجلون إفطارهم للخُرُوج إلى المقاهي القريبة من منازلهم لمشاهدة مباريات كأس العالم المنظمة في البرازيل، أما المتدينون السنويون، المثقلون بالفراغ وخواء المعدة والتثاؤب، فإنهم يتخلون عن بعض صلوات التراويح لحجز مقاعدهم أمام الشاشات التلفزيونية لنفس الغرض، إنّ الصلاة على المومنين كانت كتابا موقوتا، أما الآن فإن البرازيل هي الكتاب اليومي المقروء عبر التأويلات والتخمينات. ثمة مذيع تونسي ذو صوت رديء يصف المباريات بإنشاءٍ مدرسي مضحك لا يفتأ عن الصراخ، مذيع آخر مصري يستبق الاحداث والتوقعات، بعض المتفرجين جالس ببلغته ولبْدة الصلاة حتى منتصف الليل، هكذا تسيطر الكرة على العقول وتصبح مخدّرا يوميا. لا شيء اليوم غير الكرة. في رمضان، يتمطط الوقت إلى ما لا نهاية، الناس صائمون بالرغم عنهم، يتنرفزون لأتفه الأسباب،عدوانيون، قلقون، مفتقرون للسجائر أكثر من الأكل، ينامون إلى ما بعد الظهر، وهناك من ينام منهم تحت جدران العمارات وفوق عشب الحدائق، ذلك لأن الوقت ثقيل على أبدانهم الغليظة والهزيلة، وحدهنّ النساء واقفات منذ الصباح إلى المساء في المطابخ يهيئن الفطور لهؤلاء الرّجال الكسالى الذين يذهبون إلى المساجد مرة في السنة، أي أنهم مومنون فقط في كل رمضان،إ نه النفاق الديني،إنه الوقت الميّت والثقيل على القلب. لا شيء الآن غير الكرة. من فوق سطح العمارة، حيث أسكن وحدي كناسكٍ غير متعبد، أسمع صراخهم الهستيري كموج هائج، إنها الإصابة في مرمى الريال، لقد سجلها ميسي، صراخ آخر مضاد، إنه رونالدو في مرمى البارصا، هم الإخوة الأعداء، تماما مثل الوداد والرجاء، الكل يراهن على الربح وعلى الخسارة، انتصار البارصا على الريال، وهذه الأخيرة على البارصا، ليس ثمة وقت آخر جميل غير وقت الكرة، فالأب مع البارصا والإبن مع الريال. كذلك البنت المراهقة، هو زمن كرويّ بامتياز نعيشه الآن. أينما تولّي وجْهك تجاه شاشة ما لا تجد إلا الكرة، فالكرة هي الهواء الذي أصبح المغاربة يتنفسونه كل صباح ومساء . وليس هناك سوى البارصا والريال، مانشيستر وليفوربول، بورتو البرتغالي وسان جرمان الفرنسي، تشيلسي الإنجليزي، وغالاتاساراي التركي. لا شيء غير الكرة. ومنذ أن انطلقت قناة "الجزيرة الرياضية" القطرية، وفرضت على المشاهدين المغاربة وأرباب المقاهي أداء واجب مشاهدة مباريات كأس العلم السابقة والماضية، والكرة هي الهاجس الوحيد، ليس ثمة ثقافة غير ثقافة الكرة، فهل هي متنفس عند المغاربة المكتوين بنار الأزمة؟ أتعجب لبعض بائعي الفواكه في حيي، وهم بدْو مهاجرون، الذين يفاخرون زملاءهم بانتصار البارصا على الريال والعكس أيضا. لا شيءَ غير الكُرة الكرة في المقهى، في البيت، في الشارع، في الزّنقة. الكرة في الأحاديث اليومية، في الطاكسي، في الحافلة، في التراموايْ، الكرة في الدماغ، في القلب، الكرة رهانٌ وقمارٌ. مَن يربح ومن سيخسر؟ البارصا أم الرّيال؟ تشيلسي أمْ سانْ جيرمان؟ لقد أصبح المغاربة جد مهووسين بالكرة إلى درجة افتقدوا ذواتهم المريضة بالكرة. الكرة الآن عبارة عن ملايين الأوروهاتْ، كلّ لاعب يساوي ميزانية دولة إفريقية فقيرة. اللاعبون نجوم كبار أين منهم نجوم السينما، اللاعبون مرضى نفسيّاً.