قادتني الأسئلة القلقة التي استنتجتها من متابعتي لقضية الهجرة السرية عبر الديار الليبية إلى الضفة الأخرى، وتحديدا إيطاليا، إلى البحث عن خيوط ممتدة في هامش بلدي، وتحديدا إقليمالفقيه بنصالح، حيث يتزاحم في أذهان شبابنا حلم الفردوس المفقود، الذي أدى بالكثير من المغرر بهم إلى الهلاك في المتوسط، أو إلى سجون ليبيا أو السقوط في أيادي مليشيات ساومت أسرهم على أرواحهم، وذلك هو موضوع التحقيق الذي أجريناه بالمنطقة، والذي سنعمل على نشره في الأيام المقبلة عند استكمال باقي خيوطه التي يبدو أن كثيرا من الغموض يلفها، خصوصا عندما يتعلق الأمر بعصابات تمتهن المتاجرة بالبشر، بتنسيق محكم داخل الحدود وخارجها. لم تكن الرحلة إلى إقليمالفقيه بنصالح رحلة مجانية أو رحلة غير محسوبة، بل هي بداية مع سبق الإصرار والترصد، عندما ارتفعت أصوات من داخل أسر الضحايا تشير بأصابع الاتهام إلى مافيات جد منظمة تسهر على تنقيل البشر بشكل محكم ودقيق بين المغرب وليبيا، عبر نقط محددة، أولها مطار محمد الخامس صوب مطار قرطاجبتونس، ثم خط تونسطرابلس، وبالضبط مطار «معيتيقة» عبر شركة البراق، التي قالت مصادرنا إن موظفة بنفس الشركة تنتظر القادمين من المغرب بأسماء محددة على رسالة تصلها عبر «الواتساب»، لاتخاذ الإجراءات اللازمة في توجيه هؤلاء إلى نقطة الهدف، كما تحدثت لنا مصادر عليمة ومتتبعة عن تنقيل البشر برا عبر الجزائر، بمرور تهريبي منظم جدا بين الحدود المغلقة رسميا، المفتوحة بشكل غير رسمي في وجه كافة المهربين من وإلى المغرب والجزائر. وهي الأسئلة التي بحثنا في أجوبتها من خلال كافة المجهودات التي قام بها المغرب، في إعادة عدد هام من أبنائنا إلى حضن عائلاتهم بعدما سهرت الدولة المغربية لكي تبحث عن كافة السبل للتعامل، في هذا الملف، مع دولة أغرقها الربيع العربي في متاهة الفوضى» اللاخلاقة» المنتجة للإجرام بتلاوينه المختلفة، وبقيادة أكثر من 1700 مليشية، تمتلك السلاح وتحكم ليبيا بقوة الإرهاب وقانون الغاب وغياب الدولة . وتلك هي الصورة التي تناقلتها مختلف وسائل الإعلام الدولية، لكن تم نقلها على لسان شباب عائد من جحيم التجربة، ترك بصماته في تفكيرنا ونحن نحاول أن نبحث بدقة وموضوعية عن المسالك التي طبعت كل هذا العبث، والتي تضيع مجهودات الدولة المغربية، وهي تعيد أفواج البشر من شبابنا وشاباتنا- مِمن كتب لهم عمر جديد- إلى أحضان أسرهم، لتقول مصادرنا إن من بين هؤلاء من اختار العودة إلى ليبيا، طمعا في محاولات أخرى للهجرة السرية، دون تفكير في مآل هذه الخطوة غير المحسوبة العواقب والأخطار. ورغبة في معرفة الحقيقة بحجم القلق المحاصر بالمهنية الذي يؤرقني، حملت أسئلتي في البدء رفقة مصادري، إلى جماعة «البرادية « بإقليمالفقيه بنصالح، عندما علمت أن العائدين من ليبيا يملكون حقائق حول تهريب البشر، وتحديدا بدوار أولاد علي الواد، وأولاد عبد الله، قبل الذهاب إلى سوق السبت وأولاد ركيعة. دخلنا الدوار ليلا، كانت الساعة تشير إلى الثامنة، لكن الظلام الدامس لم يمنعنا من مواصلة السير بسيارتي الخاصة، سألت مرافقاتي من المجتمع المدني التنموي والحقوقي، واللواتي يملكن خرائط هذا الدوار، بفعل التضامن ومساعدة النساء في الولوج إلى سوق الشغل الموسمي، عن هذا المجال وعن ساكنته، ففوجئت كون هذا الدوار الحامل لإسرار كثيرة في طرق تدبير الهجرة السرية إلى مختلف نقط العبور، تبلغ نسمة ساكنته حوالي عشرة آلاف، من معدل تسعة وثلاثين ألفا من ساكنة جماعة البرادية، سأكشف في التحقيق الذي أنجزته خصاصه الكبير في كافة المجالات، الذي حول هذا الدوار إلى منطلق للهجرة سرا إلى الضفة الأخرى. لا أخفيكم قرائي أن الهامش كان يشدني من قفاي وأنا أبحث عن الخيوط لمعرفة الحقيقة، لأعرف أن الهجرة سرا بحثا عن ضفة أخرى، عواملها هي تنموية بالأساس، وأن الرغبة في تنمية متكاملة هي في صلب المغامرة بحياة في الظلام نحو حياة في النور بالمفهوم المادي للثنائية. وهي المعرفة المنطلق التي كانت محور نقاش أولي مع الأخ الشرقاوي الزنايدي، البرلماني باسم الاتحاد الاشتراكي المنتخب عن الإقليم، والذي اعتبر الهجرة سرا تتحكم فيها عوامل اقتصادية واجتماعية، على الحكومة أن تعي تفاصيلها في الفلاحة والعقار وفي تدبير هذين القطاعين المرتبطين بالهجرة سرا وعلنا على المستوى الجهوي والإقليمي، مما ولد انعكاسات سلبية على المجال وعلى موارده البشرية. جواب دفعني بالفعل إلى مزيد من التحقيق في الموضوع، كي نعطي لنتائجه تنبيها للبحث عن بدائل تحد من مآسي من هاجروا قهرا بحثا عن رغيف أو إنصاف، فانتظرونا لإشراككم قرائي في هذا القلق الكبير…