تزامن اختتام المؤتمر الدولي حول العدالة الذي احتضنته مدينة مراكش مع الذكرى الأولى لتنصيب أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية من طرف جلالة الملك طبقا للفصل 115 من الدستور. وهو المجلس الذي يجسد اختصاصا ومسؤوليات القضاء كسلطة بعد أن اعتبرته الدساتير السابقة مجرد هيئة… هذا التزامن له أكثر من دلالة أبرزها أن إعلان مراكش الصادر عن المؤتمر الدولي، يعد التزاما ينبغي تجسيده عمليا من طرف المجلس، ومن طرف كل المرتبطين بحق العدالة مؤسسات ومهنا، لما يتضمنه من توصيات حتى يؤدي القضاء بالفعل أدواره الدستورية التي جاء بها الباب السابع من الدستور، وأن يكون المجلس ناجعا في ممارسته وفي مستوى ما تضمنه الفصل 113 منه الذي أناط به السهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، ولا سيما فيما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم، ووضع تقارير حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة، وإصدار التوصيات الملائمة بشأنها… في الإعلان الصادر عن المؤتمر الذي انعقد تحت شعار»استقلال السلطة القضائية بين ضمان حقوق المتقاضين واحترام قواعد سير العدالة «، هناك عدة توصيات أبرزها ضمان تفعيل استقلال السلطة القضائية في الممارسة والتطبيق، بما يحقق تعزيز الثقة في القضاء، باعتباره الحصن المنيع لدولة القانون، والرافعة الأساسية للتنمية، وتحديث التشريعات لتواكب مستجدات العصر، وملاءمتها للالتزامات الدولية، خاصة منها ذات الصلة بحقوق الإنسان، حتى تتمكن العدالة من القيام بدورها الكامل في حماية الحقوق والحريات في المجتمع الحديث، والاستجابة لانتظاراته وتطلعاته في تحقيق عدالة مستقلة منصفة وفعالة قادرة على مواجهة التحديات المعاصرة وإرساء قواعد الأمن القضائي. ومن التوصيات كذلك، تطوير الإدارة القضائية وتقوية حكامتها، من خلال اتخاذ الإجراءات والقواعد الكفيلة بضمان حسن أدائها الوظيفي وتوجيهها استراتيجيا لتحقيق النجاعة وجودة الخدمات القضائية في إطار من المسؤولية والشفافية، واتخاذ الإجراءات العملية لتسهيل الولوج إلى العدالة، وترشيد تدبير الزمن القضائي وتيسير البت داخل أجل معقول، وضمان الحق في الوصول إلى المعلومة القانونية والقضائية، ومأسسة الوسائل البديلة لحل المنازعات. لكن أبرز التوصيات ذات العلاقة الوطيدة بين الفرد ومنظومة العدالة، التخليقُ الذي اعتبره الإعلان شأنا مجتمعيا، يساهم بشكل مباشر في تحقيق العدالة، وإرساء مبادئ الشفافية والنزاهة وتكافؤ الفرص، وتعزيز أخلاقيات الممارسة المهنية وأعرافها، فضلا عن ترسيخ وإشاعة قيم ومبادئ المسؤولية والمحاسبة والحكامة الجيدة، بما لذلك من آثار إيجابية على تعزيز الثقة في العدالة. إنها توصيات تنسجم مع ما طالب به الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في أكثر من مناسبة ،باعتبار أن إصلاح العدالة في منظورها الشمولي، ينبغي أن يتم من خلال إصلاح جميع مكونات هذه المنظومة المتشعبة، والتي تتجسد في ثلاثة مرتكزات أساسية هي: القوانين، الجهاز المطبق لهذه القوانين الذي هو القضاء، ثم المهن المرتبطة بالقضاء. وبالتالي نرى ضرورة اتخاذ إجراءات ناجعة لإقرار قوانين عادلة ومنصفة من أجل ضمان الحق في محاكمة عادلة ، مرتكزة على نصوص تتماشى وتنسجم مع التطورات التي عرفها المجتمع ومع المواثيق الدولية المصادق عليها ومع دستور 2011،( مراجعة القانون الجنائي قوانين المسطرة الجنائية والمدنية .إعادة النظر في قانون الشغل ومدونة الأسرة ونظام الكفالة …) إن المطلوب، هو تدعيم دور القضاء في حماية الحقوق والحريات عن طريق تطبيق القانون بشكل عادل ومتساو على جميع المتقاضين، تجسيدا لمبدأ سيادة القانون، ومبدأ المساواة أمام القانون، وجعله عادلا وقويا لضمان السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي، وكسب الثقة داخل أفراد المجتمع، وبعث الثقة خارج حدود الوطن، لجلب الاستثمارات الأجنبية التي يعتبر القضاء وجهاز العدالة برمته حافزا محوريا للتشجيع على إقامة أي مشروع اقتصادي ينعكس إيجابا على التنمية الاقتصادية. المطلوب، هو أن ضمان استقلال القضاء، لايجب اختزاله في رفع الأجور، وتحسين الوضعية المادية، والتفتيش، وترقية القضاة وعزلهم فقط، وإنما أيضا بالتكوين والكفاءة والمستوى العلمي والتشبع بثقافة حقوق الإنسان وتطبيق المواثيق الدولية كمصدر من مصادر التشريع. هي تحديات إذن، من أجل قضاء مستقل ونزيه وفعال. وفي مقدمتها-طبعا- ما ورد في الرسالة الملكية التي وجهها جلالة الملك إلى المؤتمر الدولي « ضمان تفعيل استقلال السلطة القضائية في الممارسة والتطبيق، باعتبار أن مبدأ الاستقلال لم يشرع لفائدة القضاة، وإنما لصالح المتقاضين، وأنه إذ يرتب حقا للمتقاضين، فكونه يلقي واجبا على عاتق القاضي: فهو حق للمتقاضين في أن يحكم القاضي بكل استقلال وتجرد وحياد، وأن يجعل من القانون وحده مرجعا لقراراته، ومما يمليه عليه ضميره سندا لاقتناعاته. وهو واجب على القاضي، الذي عليه أن يتقيد بالاستقلال والنزاهة، والبعد عن أي تأثر أو إغواء يعرضه للمساءلة التأديبية أو الجنائية. كما أن تعزيز الثقة في القضاء، باعتباره الحصن المنيع لدولة القانون، والرافعة الأساسية للتنمية، يشكل تحديا آخر يجب رفعه بتطوير العدالة وتحسين أدائها، لمواكبة التحولات الاقتصادية والاجتماعية، التي تشهدها مختلف المجتمعات». إن إصلاح القضاء ومنظومة العدالة عموما ورش استراتيجي مفتوح باستمرار، ورش من أجل بناء دولة الحق والقانون. ومن بين أركانه الرئيسية التخليق وجودة التشريع والنزاهة والمحاكمة العادلة …وباختصار هو الإعمال السليم لمضمون الفصل السابع من الدستور والحرص على تطبيقه.