تقترب الفصائل السورية المعارضة بعد سنوات من الصمود والحصار، من خسارة الغوطة الشرقية قرب دمشق بشكل كامل، في أكبر نكسة لها منذ اندلاع النزاع في العام 2011، وبات مصيرها معلقا بشكل كبير على مصالح القوى المتنافسة على أرض سوريا. وبعد أسبوع من بدء النزاع عامه الثامن، بدأ مقاتلو المعارضة ومدنيون من الغوطة الشرقية يصعدون في حافلات تخرجهم من الغوطة الشرقية إلى شمال البلاد بموجب اتفاقات تم التوصل اليها مع روسيا. ومنذ العام 2012، شكلت الغوطة الشرقية معقل الفصائل المعارضة قرب دمشق، وقد أنشأوا فيها مجالس محلية ومؤسسات خدماتية اهتمت بنحو 400 ألف نسمة، ما أمن لهم حاضنة شعبية قوية. وكانت دمشق هدفا للفصائل الثلاث الأبرز في الغوطة الشرقية: جيش الاسلام وفيلق الرحمن وحركة أحرار الشام التي أمطرت أحياءها بالقذائف، ما تسبب بمقتل المئات على مدى سنوات. في المقابل، اعتمد النظام استراتيجيته المدمرة: خمس سنوات من الحصار المحكم وقصف دام حصد آلاف القتلى، لا سيما في الاسابيع الخمسة الاخيرة مع بدء هجوم بري عنيف، فخارت قوى الفصائل المعارضة التي اضطرت للتفاوض، فالموافقة على الإجلاء. ويقول الباحث في مركز عمران للدراسات نوار اوليفر لوكالة فرانس برس «ما حصل خسارة كبيرة جدا ، استراتيجيا وعسكريا وسياسيا ، كيفما حاولنا رؤيتها هي خسارة كاملة». وضيف «بمجرد وجودهم (المقاتلين المعارضين) على مدخل العاصمة وقرب سفارات دول (أجنبية)، كانوا يفرضون أنفسهم كلاعبين أساسيين». وحتى في الأيام الأكثر دموية خلال هجوم قوات النظام على الغوطة، حافظت الفصائل المعارضة على قدرتها على استهداف العاصمة بالقذائف. ويوضح أوليفر أن السيطرة على الغوطة الشرقية منحتهم «سطوة» لسنوات، مضيفا «حتى أن النظام كان مضطرا للتحدث معهم من أجل اطلاق سراح معتقلين، فهم كانوا يمسكون بمداخل العاصمة». ولكنهم «حاليا ، باتوا لا شيء». وشهد العامان الماضيان انتصارات متلاحقة لقوات النظام على حساب تنظيم الدولة الإسلامية الذي خسر حلم «الخلافة» من جهة، والفصائل المعارضة التي تعرضت لضربات عدة من جهة أخرى، كانت أبرزها خسارة مدينة حلب في نهاية العام 2016. وبدعم من الطيران الجوي الروسي ومن مجموعات مسلحة ابرزها حزب الله المدعوم من ايران، باتت قوات النظام تسيطر على أكثر من 55 في المئة من مساحة البلاد، فيما يفرض الأكراد سيطرتهم على شمال وشمال شرق البلاد، ويتواجد التنظيم المتطرف في جيوب متناثرة. ولا تزال الفصائل المعارضة تسيطر على الجزء الأكبر من محافظة درعا جنوبا وبعض القرى في وسط سوريا وأجزاء من محافظة حلب شمالا . أما في إدلب (شمال غرب) فتراجع نفوذها أمام قوة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا ) التي أحكمت قبضتها على 90 في المئة من المحافظة مقابل تقدم بسيط لقوات النظام. وعلى غرار الغوطة، شكلت إدلب مع أجزاء من محافظات محاذية لها «مناطق خفض التوتر» بموجب اتفاق تركي روسي ايراني، كان الهدف منه التمهيد لوقف اطلاق نار في كامل البلاد. ويحذر أوليفر من أنه بعد خسارة الفصائل المعارضة الغوطة الشرقية «باتت كل المناطق بخطر، ولا يوجد أي مكان آمن». ويضيف «هذا الشيء الأساسي الذي تعلمته المعارضة: لا يوجد أي منطقة مستثناة». وخلال السنوات الماضية، صعدت قوات النظام سياسة الحصار والإجلاء. وعلى غرار الغوطة الشرقية، شهدت مناطق عدة بينها مدن وبلدات قرب دمشق عمليات إجلاء آلاف المقاتلين المعارضين والمدنيين بموجب اتفاقات مع القوات الحكومية إثر حصار وهجوم عنيف. ومن بينها أحياء حلب الشرقية. ويقول الباحث في جامعة ادنبره توماس بييريه لوكالة فرانس برس «سقوط حلب كان بداية النهاية، لكن للغوطة رمزية أكبر». وفي ذلك الحين، كانت الفصائل المعارضة تسيطر على مناطق أكبر في إدلب (شمال غرب) وحمص (وسط)وقرب دمشق بينها الغوطة. ويوضح بييريه «على صعيد رمزي، لطالما حافظت الفصائل على فكرة +لا يزال لدينا شيء+ لمجرد أنها كانت تسيطر على الغوطة الشرقية، ولذلك شكلت معركتها بالنسبة للنظام تحديا ذا دلالة». ويرى بييريه أن أمام الفصائل المعارضة حاليا ثلاثة خيارات: الاول يتمثل ب»المصالحة» مع النظام والانضمام الى صفوف القوات الموالية، والثاني «الارتماء في أحضان تركيا»، الداعم الأبرز للمعارضة. أما الحل الأخير فيعتبره بييريه «البديل الوحيد» المتبقي أمامهم وهو «الخيار الجهادي، ذلك أن الجهاديين سيشكلون المجموعة الوحيدة المتبقية التي تقاتل النظام من دون أن تكون تحت قيادة دولة أخرى». على مر السنوات، تحول النزاع السوري إلى ساحة صراع بين لاعبين دوليين وإقليميين بينهم تركيا الداعمة للمعارضة، وروسيا وإيران، أبرز حلفاء دمشق، والولايات المتحدة التي تقود تحالفا دوليا ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وترحب الفصائل الموالية لتركيا في شمال سوريا بانضمام مقاتلي الغوطة الشرقية إلى صفوفها. ويقول محمد الحمادين، المتحدث باسم «الجيش الوطني السوري» وهو عبارة عن مجموعة فصائل تقاتل الى جانب تركيا، إن «تطورات الغوطة وغيرها تزيدنا اصرارا على الثبات وتنظيم الجيش الوطني». وينتمي جزء كبير من المقاتلين الذين تم إجلاؤهم حتى الآن من الغوطة الشرقية إلى فصيل فيلق الرحمن المدعوم أساسا من تركيا. ويقول المحلل السوري أحمد أبازيد لفرانس برس إن مقاتلي الغوطة شكلوا حالة نادرة بين الفصائل المعارضة من ناحية استقلالية القرار. لكن خسارة الغوطة، وفق قوله، «تجعل قدرة الفصائل على المناورة أضعف أمام هذه الدول، بسبب الحاجة لحليف وحاجة المدنيين لمظلة دولية تحميهم من حملة مشابهة». ويختم «حلب ثاني أهم مدينة في سوريا، لكن دمشق هي العاصمة، وخسارة الغوطة ستمثل أكبر خسارة في تاريخ الثورة السورية».