القطاع الإداري بالمغرب، يعاني من اختلالات عميقة تقف عقبة كأداء أمام التنمية، جعلته مهددا بالسكتة القلبية، نتيجة النظرة الاحتقارية لدى بعض المسؤولين للمواطنين وحقوقهم، وتداخل الاختصاصات في التعامل مع الشكايات، وضعف الإطار التنظيمي لتدبير الشكايات، وعدم توفر نظام معلوماتي لتدبير الشكايات، و إهمال الإدارة لتظلمات المواطنين. وفي هذا الإطار، كان خطاب الملك واضحا بمناسبة افتتاح البرلمان بتاريخ 14/10/2016 حينما قال «ومن غير المقبول، أن لا تجيب الإدارة على شكايات وتساؤلات الناس وكأن المواطن لا يساوي شيئا، أو أنه مجرد جزء بسيط من المنظر العام لفضاء الإدارة. فبدون المواطن لن تكون هناك إدارة. ومن حقه أن يتلقى جوابا عن رسائله، وحلولا لمشاكله، المعروضة عليها..» وقد وجهّت مؤسسة الوسيط التي كانت تسمى «ديوان المظالم»، الكثير من الانتقادات للإدارة، في تقريرها السنوي لسنة 2016، واتهمت المؤسسة الحكومية عددا من الإدارات بكونها تتلكأ في الاستجابة للشكايات، وتتأخر في تنزيل توصيات «الوسيط» في الآجال المعقولة. وقد بوأ التقرير وزارة الداخلية أولى المراتب التي تم التوصل بشكاوى المواطنين بشأنها، بنسبة 36.7 بالمائة، بينما حل قطاع المالية في الرتبة الثانية بنسبة 17.3 بالمائة، وقطاع التعليم جاء في الرتبة الثالثة بنسبة 5.1 في المائة، ثم قطاع الفلاحة رابعا، وقطاع التشغيل والشؤون الاجتماعية خامسا. وما تزال تطغى على الشكايات والتظلمات القضايا ذات الطابع الإداري بما يناهز 60 بالمائة، تليها في المرتبة الثانية القضايا ذات الطابع العقاري بما نسبته 17.8 بالمائة، ثم القضايا ذات الطابع المالي بما نسبته 9،9 بالمائة، في حين مثلت القضايا المرتبطة بعدم تنفيذ الأحكام القضائية النهائية الصادرة في مواجهة الإدارات 4،8 بالمائة، أما القضايا المرتبطة بحقوق الإنسان، فلم تتجاوز حصتها 4 ،1 بالمائة، فيما توزعت باقي الشكايات والتظلمات على قضايا مختلفة. وأورد التقرير أن المواطن المغربي ليس طالب إحسان، وليس خصما ولا عدوا، بل هو مجرد متعامل مع إدارة يتعين أن تصرف خدماتها له على أحسن وجه، وفق الحقوق التي خولها الدستور والمشرع، لتخلص إلى أن «وتيرة التغيير داخل الإدارة لم تأخذ بعد السرعة المنشودة»، داعيا الإدارة إلى مراجعة ذاتها للخروج من قفص الاتهام. ومع تنامي مطالب المغاربة بضرورة تجويد أداء الإدارة وإيجاد حلول لمشاكلهم اليومية، أصبح بإمكان المواطنين أن يقدموا شكاياتهم ويعبروا عن ملاحظاتهم منذ تفعيل مقتضيات المرسوم رقم 265-17-2 الصادر بتاريخ 23 يونيو 2017، والمتعلق بتحديد كيفيات تلقي ملاحظات المرتفقين واقتراحاتهم وشكاياتهم وتتبعها ومعالجتها، في فاتح يناير 2018 . ويندرج هذا المشروع ضمن الأوراش الكبرى المنصوص عليها في برنامج إصلاح الإدارة للفترة 2017-2021، في إطار تفعيل توجيهات الملك بشأن ضرورة معالجة شكايات المواطنين وتدبيرها، والرد على تساؤلاتهم في آجال معقولة. ويهم هذا المرسوم إدارات الدولة والمؤسسات العمومية وكل هيئة ومؤسسة تمارس مهام المرفق العام. ويلزم هذا المرسوم مختلف القطاعات بإعداد تقارير سنوية تشمل إحصائيات حول نوعية ومواضيع الشكايات والملاحظات والاقتراحات التي تم التوصل بها والردود التي وجهت للمرتفقين بشأنها، و إعداد تقرير تركيبي سنوي ورفعه إلى رئيس الحكومة. وفي هذا السياق، عملت وزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، بتعاون مع وزارة الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي، على وضع منظومة تمكن المرتفقين من الإدلاء باقتراحاتهم وملاحظاتهم، وكذلك تقديم شكاياتهم وتتبع معالجتها من طرف مختلف الإدارات العمومية. وتتضمن هذه المنظومة كلا من الموقع الإلكتروني الخاص بالبوابة الوطنية للشكايات،«www.Chikaya.ma» والتطبيق المحمول«Chikaya»، وكذا مركز الاتصال والتوجيه الإداري ألو إدارتي «37 37 ». وتهدف البوابة إلى تسهيل مسطرة الإدلاء بالشكايات، وضمان سهولة تسجيلها وتتبعها في أي مكان وزمان. كما تروم توفير آلية موحدة لتلقي ومعالجة الشكايات لفائدة الإدارات العمومية، فضلا عن تحسين الخدمات التي تشكل موضوع شكايات متكررة. وتكمن أهمية هذه البوابة في ارتباطها مع مساعي الإدارة لتعزيز قنوات التواصل، وتشجيع المشاركة المجتمعية يغية قياس أدائها، الذي يعتبر عنصرا حيويا لضمان الانخراط الإيجابي للمواطنين في تدبير الشأن العام، وتحقيق الديمقراطية التشاركية الكفيلة بدعم الحكامة الجيدة. وتتم معالجة الشكاية والرد عليها داخل أجل أقصاه ستون (60) يوما من تاريخ توصل الإدارة المعنية بها. وفي حالة عدم وضوح أو عدم إرفاق الشكاية بالوثائق والحجج الضرورية لمعالجتها، سيتم إخبار المرتفق بذلك داخل أجل 15 يوما من تاريخ إيداعها عبر نظام البوابة. ولا تتم معالجة الشكاية إذا كان موضوعها معروضا على القضاء، أو على أي جهة مختصة بموجب النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، أو سبق أن صدر بشأنها مقرر قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به، أو كان موضوع الشكاية لا يندرج ضمن اختصاص الإدارة المعنية، أو تبين أن الشكاية كيدية أو تتضمن سبا أو قذفا. وتستثنى من تقديم الشكاية عبر البوابة الوطنية للشكايات، كل من إدارة الدفاع الوطني، كما ورد في المادة 6 من المرسوم 2.17.265 ، وكذا الجماعات الترابية كما ورد في المادة 21 من المرسوم. وقد حظيت مسألة تدبير الشكايات خلال السنين الأخيرة بأهمية كبيرة من لدن المشرع المغربي، نظرا لما لها من تأثير مباشر على علاقة الإدارة بمرتفقيها. وقد تجسد هذا الاهتمام في الآليات الدستورية والقانونية والمؤسساتية التي ما فتئت تؤكد على وجوب تأمين شكايات المواطنين على الشكل المطلوب. ونذكر من ضمن هذه الآليات : 1_ المادة 156 من الدستور التي ألزمت المرافق العمومية بأن تتلقى ملاحظات مرتفقيها، واقتراحاتهم وتظلماتهم وتؤمن تتبعها، من خلال إلزام الإدارة بالجواب على استفسارات وتظلمات المواطنين، و المادة 15 من الدستور التي أقرت بأن للمواطنين وللمواطنات الحق في تقديم عرائض مع مراعاة مقتضيات القانون التنظيمي الذي يحدد شروط وشكليات ممارسة هذا الحق. 2_ القانون رقم 03.01 بتاريخ 12 غشت 2002 الذي ألزم الإدارة بتعليل قراراتها الفردية السلبية الصادرة عنها تحت طائلة عدم الشرعية، وذلك بالإفصاح كتابة في صلب هذه القرارات عن الأسباب القانونية والواقعية الداعية إلى اتخاذها، وإدراج مجموعة من المقتضيات في عدد من النصوص الخاصة، والتي تسعى إلى إلزام الإدارة بتأمين شكايات المرتفقين مثلا القانون المتعلق بالتدبير المفوض والمرسوم المتعلق بشروط إبرام وتدبير ومراقبة الصفقات.. 3_ إحداث مؤسسات وهيآت عمومية تعنى بتأمين شكايات المواطنين، ولاسيما مؤسسة الوسيط المحدثة بمقتضى ظهير رقم 1.11.25 بتاريخ 17 مارس 2011، والارتقاء بها إلى مؤسسة دستورية بمقتضى المادة 162 من الدستور، وكذا دسترة « الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها « بمقتضى المادتين 36 و 162 من الدستور. من أقبح العادات التي ابتليت وترعرعت في كنفها الكثير من الإدارات المغربية، عدم الرد كتابة وإهمال شكايات المواطنين، فمن غير المقبول أن يراسل المرء مثلا إدارة في دولة أجنبية ويأتيه الرد سريعا في ظرف وجيز لا يتعدى الشهر، بينما لا يلقى نفس التعامل مع مراسلاته من بعض الإدارات في بلده. وعليه، بات من الواجب الوطني والأخلاقي الملقى على عاتق الإدارة التعامل مع تظلمات المواطنين وشكاياتهم بكل جدية ودون محسوبية في إيجاد الحلول للمشاكل القائمة، وأن يكون ردها على جميع ما يفد إليها في آجال معقولة وطبقا للقانون، بهدف تنمية روح النقد لدى المرتفق، والقضاء على الأنماط التقليدية للإدارة المبنية على الإكراه، وخلق قناعة لدى المواطنين بإمكانية الاحتجاج على قرارات الإدارة، والقضاء على الإحساس بالضعف الذي يحس به المرتفق أمام الإدارة. (*) كاتب وباحث