تعتبر 2018 سنة مفصلية ستطبع بتداعياتها اقتصاد الشيلي، القوة الاقتصادية الخامسة بأمريكا الجنوبية التي من المحتمل، بحسب تقديرات عدد من المؤسسات المالية الدولية، أن تكون على موعد مع النمو بعدما دفعت ثمن الركود الاقتصادي منذ 2014. وبعد تسجيل نمو محتشم ب 7ر1 في المائة فقط العام الماضي، يرتقب أن يسجل الناتج الداخلي الخام للشيلي ارتفاعا ب 3 في المائة في 2018 وارتفاعا بنسبة مماثلة في 2019، دون أن يتجاوز سقف النمو السنوي الذي سجله في الفترة ما بين 2010 و2014 والذي بلغ 3ر5 في المائة حينها. وسيتزامن هذا الانتعاش الاقتصادي المأمول، الذي لطالما تم الترويج له، مع تغيير كبير طبع المشهد السياسي بالبلد الجنوب أمريكي، إذ من المقرر أن يتولى الرئيس الشيلي المنتخب، اليميني سيباستيان بينيرا، وفريقه الحكومي الجديد، الذي كشف النقاب عنه آواخر يناير الماضي، مهامهم بقصر لا مونيدا الرئاسي، ابتداءا من 11 مارس الجاري. وستجد هذه الادارة الجديدة، التي ترغب في وضع الانتعاش الاقتصادي على السكة الصحيحة، نفسها في مواجهة عقبات مختلفة يجب تجاوزها بهدف تمكين الاقتصاد الشيلي من استجماع كل ما يملكه من قوة لمواجهة عجز الميزانية الذي اختتم 2017 بتسجيل 8ر2 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وهو أعلى معدل يصل إليه في ظرف ثماني سنوات. وكشف وزير الاقتصاد المقبل، خوسي رامون فالينتي، أن 850 مشروعا استثماريا تجري معالجتها حاليا ويفترض إطلاقها خلال السنوات الأربعة المقبلة. وأفاد فالينتي، في تصريحات صحفية، بأن القيمة المالية لهذه المشاريع تبلغ 74 مليار دولار، موضحا أن 151 من ضمن هذه المشاريع تمثل 80 في من المائة من الاستثمارات الإجمالية بغلاف مالي ب 61 مليار دولار. وقال المتحدث ذاته، أن الجهاز التنفيذي المقبل سيسعى إلى تفعيل هذه المشاريع، التي ترغب الحكومة في أن تشكل نقطة جذب بالنسبة للساكنة المحلية، في ظل احترام تام للبيئة والمخاوف المتعلقة بها من أجل ضمان استفادة المجتمع منها بفضل طابعها المستدام. وعلى الاقتصاد المحلي أيضا مواجهة التحديات التي يطرحها ارتفاع نفقات الادارة المركزية ب 7ر4 في المائة، وتلك المرتبطة بارتفاع الدين العمومي الذي بلغ 8ر23 في المائة من الناتج الداخلي الخام سنة 2017، وفقا للأرقام الصادرة عن مديرية الخزينة. وقد تكبدت إنتاجية البلد الجنوب أمريكي العام الماضي انخفاضا يقدر بناقص 7ر0 وناقص 1ر0 في المائة، بسبب تباطؤ نمو الصناعة المنجمية، بحسب تقرير للجنة الوطنية للإنتاجية صادر في بداية العام الجاري. وكشف مدير الميزانية، سيرخيو غرانادوس، أن العجز الهيكلي لم يتم تقليصه ب 25ر0 في المائة في 2017 كما تنص على ذلك قواعد الميزانية وإنما فقط ب 1ر0 في المائة. وتعتزم الشيلي، التي تتصدر بلدان أمريكا اللاتينية في ما يتعلق بمناخ الاستثمارات الايجابي، تعزيز موقعها كرائد على هذا المستوى. وترى منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية أن على الشيلي تقليص الفارق بين المقاولات الشيلية ونظيرتها بالدول الأعضاء بهذا التجمع الاقتصادي في مجال الإنتاجية على مستوى المقاولات الكبيرة والصغيرة. وذكر تقرير صادر عن المنظمة أن ما يقل عن 5 في المائة من المقاولات بالشيلي تساهم في إحداث 75 في المائة من مناصب الشغل، وتستأثر ب 88 في المائة من النمو على مستوى الإنتاج، داعيا البلد الجنوب أمريكي إلى تنويع الصادرات بهدف إنعاش الاقتصاد. وأوردت دراسة أخرى للمنظمة حول الاقتصاد الشيلي في 2018 أن ركود الإنتاج، والتفاوتات، يحدان من قدرة الشيلي على الاقتراب من مستوى معيشي متوسط لبلدان المنظمة التي ترى أن النسبة المرتفعة لأعداد العمال غير المؤهلين، والعجز في البنيات التحتية ومستوى الاستثمارات الضعيف في الابتكار عوامل تعرقل تحرير الإنتاج. ويشكل ضعف الإنتاج، الذي يعزى إلى تركيبة وهيكل سوق العمل الذي تطغى عليه عقود العمل غير الرسمية والمؤقتة، تحديا بالغ الأهمية يتعين على الحكومة الشيلي الجديدة رفعه. وفي مواجهة هذه التحديات المختلفة، ستتمحور استراتيجية الحكومة المقبلة حول العمل بروح الفريق الواحد وإرساء تنسيق أمثل، لأن الآلية الوحيدة التي بإمكانها إنعاش الاستثمارات هي التنسيق الجيد على مستوى أجهزة الدولة، برأي وزير الاقتصاد المقبل.