استضافت المكتبة الوطنية بالرباط، مساء الجمعة الماضي، الروائي والشاعر محمد الأشعري لتقديم روايته الجديدة (المركز الثقافي العربي، 2014). وقد قدم الرواية كل من الناقد الدكتور سعيد يقطين، والكاتبة والناشطة السينمائية أمينة السيباري، والروائي عبد الكريم الجويطي، فيما قام الروائي والشاعر حسن نجمي بتسيير وتنسيق عروض اللقاء. وأكد في الكلمة التقديمية بأن هذا اللقاء هو احتفاء بالأدب الخلاق والمتجدد من خلال رواية ممتعة عمل فيها الأشعري بعمق وبكثير من الصبر مستحضرا ذاكرة المغرب الموريسكية من خلال أسرة ومن خلال تلاقيات عديدة عبر هذه الأسرة. وقدمت أمينة السيباري عرضا عنوانه "الرباط، قدر مدينة علبة"، مستشهدة بقولة ل"باولا ديل كاستيو": "الاسم هو ما يمنحنا وجودا متخيلال، الاسم يشهد على احداث". و"علية الأسماء" تطالعنا بكل الاخطار التي يمكن ان تحذق بالاسم. وهي كلها أسماء عائلات أندلسية جاءت لتستقر في الرباط منذ القرن الرابع عشر. وسارد الرواية يدعونا لمواجهة هذه الأسماء بكل ثقلها التاريخي والوجودي. وهنا تنتصب الرباط كمدينة وبؤرة للحكي ومصدرا للتاريخ ينبض بالحب والصراعات والموت النادر. وعن أمكنة الرواية قالت المتدخلة إنها أمكنة مغلقة ومفتوحة، وهي إحالة مباشرة على السينما. والأحداث تدور كلها في الأمكنة المغلقة، وكل محاولة لمغادرة هذه الأمكنة يهددها الموت المحقق. أما زمان الرواية فهو مصدوع ومشقوق؛ إنه زمن الماضي: القرن الرابع عشر، الثمانيات، والحاضر: الآن. وتحدث الروائي عبد الكريم الجويطي في عرضه " علبة الأسماء أو الاسم الاندلسي الجريح"، فيس إحالة مباشرة إلى كتاب عبد الكبير الخطيبي "الاسم العربي الجريح"، تحدث عن "علبة أسماء" باعتبارها رواية عن مدينة أندلسية، المدينة القديمة بالرباط، وهي تعيش آخر احتضارها، وباعتبارها حدودا ترتطم عندها المصائر، كل مصائر الشخصيات. ستموت المدينة لأنه لم يعد هناك شيء يستحق لتحيى من أجله. فتدرك الرواية مدينة الوجع المزمن وانكفائها المرضي على ذاتها. وعن شخوص الرواية قال المتدخل إنها كربلائية تقبل على تعذيب ذاتها بطيب خاطر. والمدينة العتيقة تبدو بلا قضية، اللهم ثرثرة أهلها عن الكنز الوهمي. كما أن الرواية، من جهة أخرى، جاءت الرواية مزدحمة بالحب بكل أشكاله. وتفكك المدينة هذا هو ضياع للاسم، والأسطورة واللغة والشعر. فقد تتحمل المدينة الأندلسية ضياع جدرانها وبيوتها لكنها لا تتحمل ضياع الاسم "شيمرات" الذي يحرس الأندلس العميقة. وتدخل الدكتور سعيد يقطين، المتخصص في السرديات والأدب الشفهي القديم، عن "علبة الأسماء" باعتبارها رواية تزخر بالتفاصيل، وقال إننا بصدد رواية صنعة، وليس أمام رواية كتبت بسرعة وتسرع. فالرواية الجيدة والجميلة والممتعة نادرة في الأدب رغم العناوين الكثيرة. وانتقد يقطين الكتاب الذين يستعجلون الكتابة. لكن "علبة الأسماء" هي نموذج للنضج والصبر والعمل الدؤوب المستمر، وهذا سر روائيتها. ما لكنها من جهة أخرى هي صعبة وسهلة في نفس الآن، ذلك أن الشيء الجميل هو دائما صعب. وتساءل يقطين: كيف خطط الأشعري لروايته؟ ذلك أن القارئ إذا لم يمسك بهذا المخطط سيضيع في التفاصيل، والرواية مليئة بالتفاصيل. "علبة الأسماء" هي علبتان، حسب يقطين، العلبة الأولى هي علبة العائلة، والثانية هي علبة الأسماء التي توجد في السجن. والقسم الأول يتصل بالعائلة ذات العراقة والهواجس الكثيرة. والقسم الثاني هو علبة أسماء ناس مجهولين وكل واحد منهم يريد أن يتعرف على الآخر في فضاء لا يسمح بالتعارف. وعاد يقطين ليتحدث عن أن الرواية انطلقت من بذرة، وشبهها بفسيفساء في "زربية" أو بسقف منقوش على القارئ أن يمسك بمختلف الشذرات التي بنيت بها هذه الرواية. كما أن داخل الرواية تتأسس القصة ولكن هناك عالم آخر سرديا كان يتشكل على هامش هذه القصة، وهي فكرة المسلسلات التي كانت تدور في خلد "ثريا"، وهنا ملتقى الواقع بالخيال. كما أن عالم الرواية، يضيف يقطين، سينتقل من علبة الأسماء إلى علبة أعودا الثقاب، فتبدأ الشخصيات في التغير. فلا شخصية تشبه الأخرى. وهنا سيجد القارئ نفسه أمام تحولات وليس أمام شخصيات نمطية. وتحدث يقطين أيضا عن "قصبة الوداية" واعتبرها بؤرة التخييل، ثم المدينة العتيقة ثم السجن. لذلك يمكن قراءة "علبة الأسماء" قراءة سياسية وتاريخية وأسطورية، كما يمكن قراءتها على أنها رواية البحث عن الهوية. كل هذه العناصر تجعلنا أمام عالم روائي متشعب ومركب. وفي نهاية اللقاء تحدث محمد الأشعري وقدم الشكر لجميع الرباطيين الموجودين في القاعة، وكان على رأسهم فتح الله والعلو وخالد عليوة. واعتبر رواياته عملا أدبيا وليس رصدا تاريخيا أو تحليلا اجتماعيا، ومعنى ذلك أن الخيال يحتل مكانة كبرى في صياغة الأحداث. وأضاف إنه يريد أن يعطي للناس الجمال الذي تنتجه المدينة، والقبح الذي يقاوم هذا الجمال. ذلك أن رواية "علبة الأسماء" هي قصة حب بينه وبين مدينة الرباط. المدينة تنتج الجمال: الحدائق، المعمار، الموسيقى، البحر والحرية، فالمدينة هي المكان الذي تطورت فيه فكرة الديموقراطية والحوار بين الناس. لكنها أيضا تنتج قمع الحرية وسلبها، وأشار إلى اعتقاله سنة 1981، وهنا أشار إلى رفيق دربه المناضل عبد الهادي خيرات الذي كان حاضرا في اللقاء، والذي قضى رفقته فترة اعتقال سياسي بسجن "لعلو" بالمدينة الأندلسية.