نقش النجم المصري محمد صلاح اسمه بأحرف من ذهب في كتب الأرقام القياسية لنادي ليفربول الإنجليزي، وأضحى بمهاراته الكروية وتواضعه اللامحدود وحبه لأهل بلده، مثالا يحتذي به في عالم كرة القدم. ابن قرية نجريج التابعة لمدينة بسيون، بدأ مشواره الاحترافي بنادي المقاولون العرب المصري، الذي يلعب في الدرجة الأولى، وجعله عشقه لكرة القدم يتحمل معاناة السفر والتنقل من بسيون إلى القاهرة، التي تبعد عنها بحوالي أربع ساعات ونصف، يذهب خمسة أيام في الأسبوع لمدة أربع سنوات، وذلك للتدرب ثم العودة للبيت. في ظل الظروف الصعبة التي كانت تعيشها مصر، إثر ثورة 25 يناير 2011، والتي تسببت في توقيف النشاط الكروي في البلاد، انتقل فرعون كرة القدم المعاصرة إلى فريق بازل السوسيري، الذي كان بمثابة خطوة كبيرة في مسيرته، وفي مركزه المميز كجناح أيمن. قضى صلاح بالنادي سنتين قبل أن يذهب في سنة 2014 لنادي تشيلسي الإنجليزي، أعير بعد نهاية الموسم إلى فيورنتينا الإيطالي، وبرز بمستوى جيد في الدوريين الإيطالي والأوروبي، لكن سرعان ما انتقل إلى روما، الذي تألق معه كثيرا وأظهر إمكانياته للجميع، إذ فاز في موسمه بجائزة أفضل لاعب وأحرز رفقة الفريق 19 هدف. بعد نهاية عقده الذي امتد لمدة سنتين، انتقل إلى نادي ليفربول الإنجليزي، وكان لصلاح (25 عاما) تأثيرا مذهلا على الفريق، الذي التحق به في صفقة قدرت ب 43.3 مليون جنية استرليني. ويعد صلاح بمثابة بطل قومي في مصر، وذلك منذ أن قاد منتخب بلاده إلى نهائيات كأس العالم في روسيا، عندما أحرز هدف الفوز على الكونغو من ركلة جزاء. مجلة «فرانس فوتبول» نقلت وجهة نظر وأراء العديد من مشجعي ومحبي نادي ليفربول، حول اللاعب الدولي المصري محمد صلاح، نقدمها بتصرف.
برد يلف الأمكنة والزوايا، شتاء تجمد القلوب والعظام والصقيع القاتل يعصف في شارع «براديس»، بينما يظهر أحمد الحبيب، وهو يرتدي سترة صوفية فقط، لا يضع وشاحا على عنقه أو قبعة فوق رأسه، يتجول مثله مثل أي إنجليزي، ويمارس أنشطته بشكل طبيعي، وفي الوقت الذي كنا نحتسي فيه القهوة، لم يتردد الطالب الجامعي المصري ذو 19 سنة، والذي يقطن بمدينة ليفربول، من مخاطبتنا قائلا : «إنني جد محظوظ وسعيد، لأني أشاركه نفس المدينة». هو نموذج مثالي، مهاجم صريح، قوي وسريع، نجم فرد اسمه بقوة لدى كتيبة المدرب يورغن كلوب، إنه المصري محمد صلاح، ثاني أبرز هداف في الدوري الانجليزي الممتاز برصيد 22 هدف، ملهم وقدوة الشباب «إنه مصدر إلهامي في سبيل النجاح وتأمين المستقبل، بعدما هاجرت من قريتي الصغيرة إلى إنجلترا. بالنسبة لنا كشباب نعتبره الجوهرة التي تضيء وتنير درب حياتنا…فتح أبواب الأمل لي وللآلاف من المهاجرين المصريين. في مصر لدينا الأهرامات، نهر النيل، الأقصر… ومحمد صلاح». ولع الشاب بابن بلده قلب خطط حياته رأس على عقب، فقد كان أحمد قد التحق في يونيو الماضي بكلية الصيدلة بمدينة نوتنغهام، غير أنه ومنذ لحظة إعلان انضمام بطله إلى نادي «الريدز»، غير وجهته ووجه بوصلته نحو مدينة ليفربول، حيث حصل على مكان في كلية جون موريز، واضطر إلى إقناع والده ليمنحه 3500 يورو، «أعمل كثيرا وبجد لكي أصبح في المستقبل شخصا ناجحا مثل محمد صلاح». وتابع «محمد صلاح لا يتذمر كثيرا، كان يأخذ القطار يوميا لمدة ستة ساعات من أجل الذهاب للتدرب، كان يمتلك أحلاما أكبر من أن يصبح نجما صغيرا في القاهرة… وعند بلوغه 20 سنة هاجر إلى بازل، لتحقيق طموحاته. اليوم يلعب مع نادي عريق وكبير، يتنافس مع اللاعب هاري كين على لقب هداف الدوري الممتاز، بهر جميع المعلقين والمحللين الرياضيين وأشعل سوق الانتدابات، حيث انتقل إلى «الريدز» بمبلغ 42 مليون يورو (بالإضافة إلى 8 ملايين يورو مكافأة)». « سرعة محمد صلاح خيالية » بثمن 75 يورو للتذكرة، يعجز أحمد حبيب عن دخول ملعب أنفيلد في كل مقابلات «الريدز»، لكن المباراة التي جمعت ليفربول بتوتنهام (2 – 2)، دفعت الشاب إلى اقتناء التذكرة، «رغبة منه في مشاهدة نجمه المفضل وهو يلعب مباشرة». لقاء الفريقين كان مناسبة جديدة بالنسبة لمحمد صلاح وفرصة سانحة لإظهار وإقناع الجمهور الأحمر والمدرب بقدراته وإمكانياته، وهذا ما حدث بالضبط، هدفان كانا حصيلة موهبة محمد صلاح في المباراة، إذ تمكن بذكائه ومكره من تسجيل أول أهداف «الريدز» من تمريره ساديو ماني، التي أربكت الدفاع ووضعت صلاح في مواجهة مع الحارس هوغو لوريس، ليسددها على يساره، أما الهدف الثاني فجاء بعد تمريره وصلت إلى صلاح، الذي مر بمهارة أكثر من رائعة من وسط ثلاث مدافعين، وسدد تسديدة قوية على يسار حارس المنتخب الفرنسي، الذي قال في تصريح له لإحدى القنوات «سرعة صلاح مذهلة، إنك تراه بعيدا، محاصرا أو عالقا، لكن سرعان ما يتوغل داخل مربع العمليات، وبدون سابق إنذار وبشكل مباغت يهز الشباك… إنه بالفعل شبيه ميسي إنهما يمتلكان قاسما مشتركا». أصبحت لعبة مقارنة اللاعب المصري بالأسطورة ميسي حديث الساعة، سواء في القنوات الإعلامية أو الجرائد… جيمي كاراغر، المدافع الأسطوري «للريدز»، يرى أن اللاعب رقم 11 «لاعب الموسم»، إذ قال لقناة «سكاي نيوز»، «اللاعب الوحيد الذي يمكن له تسجيل مثل هذه الأهداف يدعى ميسي»، أما المهاجم السابق لنادي آرسال، إيان رايت، يرى أن فرعون كرة القدم المعاصر يمتلك أساليب ومهارات ميسي، «صلاح لديه طاقة ميسي»، ومن جهته ناشد بيب غوارديولا، الذي يعرف ميسي جيدا، الصحافيين بعدم تشبيه ومقارنة اللاعبين. «صلاح في كرة القدم لا يوقف إلا باليد» لقد انتظر العالم بأكمله ليرى من الذي قد يستطيع منافسة رونالدو وميسي، والآن محمد صلاح يحقق ذلك، اللاعب المصري أثأر شغف متتبعي السرعة، يتميز بسرعة خيالية لا تشبه بما يقدر عليه البشر، جعلت «عمالقة الفورمولا وان» «يفكرون في جعله كمنافس لسيارات السباقات، أما مصممو الملاعب فاقترحوا إضافة 20 متر لطول الملعب ليتمكن سيد الفراعنة من العدو بأريحية». وعلى بساطة ما يفعله، تجد محمد صلاح، الخط المستقيم والدائري والمنحني إنها هندسة رياضيات الرياضة، وبين نقطة البداية والنهاية لا ترى صلاح إلا وهو يحتفل بتسجيل الهدف. «رائع، مذهل…!!! لا يمكن إيقافه، إنه ينطلق بهدف واحد ولا يتوقف إلا بعد إحرازه، صلاح ذكي وسريع لدرجة تجعل المدافعين عاجزين عن لمسه ويتجمدون أمامه»، هذا ما قاله مارك لورنسون، المدافع السابق لنادي ليفربول في حق صلاح، في حين لم يتردد زميله أيان راش، في الإعراب عن إعجابه الكبير بمؤهلات هذا الأخير، حيث قال في تصريح له لأحد المنابر الإعلامية: «هناك بالفعل أحاديث عن متابعة ريال مدريد له، ومن يمكنه أن يلومهم؟ في السوق المتضخم حاليًا لن تكون مفاجأة بالنسبة لي إذا تلقى ليفربول عرضًا ب 200 مليون إسترليني من أجله، أتمنى أن يكون سعيدًا حيث هو الآن، فرغم كل شيء، فقد وصل إلى هنا في الصيف الماضي فقط». ويعتقد أسطورة ليفربول أن «هناك دائمًا وقت صحيح لبيع اللاعب إذا حصلت على الأموال الكافية، لكن بالنسبة لليفربول فالوقت ليس الآن بالتأكيد». فكرة انتقال الهداف المصري إلى فريق آخر ترعب وتقلق جمهور الشياطين الحمر، جيم السائق في الأربعينيات من عمره يرفض هو وأبوه هذه الفكرة، « لا يمكن له الذهاب بهذه السرعة، إذا أصبح الفريق يتخلى عن نجومه بسهولة فكيف يمكن له مواجهة اليونايتد والستي والبارصا…». صلاح تأقلم بسرعة رفقة الفريق، وفي مدة قصيرة أصبح فتى ليفربول المدلل، «إنه ليس بالشخص الغشاش، ويبذل كل مجهوده في المباريات، يتقاتل ويلعب بروح عالية، صلاح في كرة القدم لا يوقف إلا باليد». اللاعب الدولي ذكي، سريع ويتمركز جيدا في الملعب «أنه ملم بثغرات اللعبة، يعرف كيف يتمركز، يرى ويقرأ سيناريو الهجمة قبل وقوعها، إنه بالفعل شيئا خياليا». لا يستحق بعد لقب أسطورة «الريدز» «إنه لاعبي المفضل، يلعب بقلبه وعقله في الملعب»، الأم دورتي لا تهتم بالخطط ولا بالأرقام ولا وبالإحصائيات، ترتدي معطفا ورديا ووشاح صلاح، تقف منبهرة وتستمتع بأجواء أول مباراة لها في ملعب «أنفليد»، بعدما منحها ابنها تذكرة اللقاء كهدية لعيد المسيح، «إنني أحب محمد صلاح، وجئت اليوم لمشاهدته، فهو شخص متواضع، مجتهد وخلوق، تأقلم بسرعة كبيرة، ونحن شعرنا بهذا التجانس، لكن لا يعلو أي شيء فوق مصلحة الفريق، رغم النجاح والتألق والفراغ الذي ملأه عند قدومه، غير أنه لا يستحق بعد لقب أسطورة «الريدز»، فمن المبكر جدا مقارنته وتشبيهه بدالغليش أو أوين أو جيرارد أو تشابي ألونسو». في أروقة الملعب، نجد الأطفال يرتدون وشاح وقبعات محمد صلاح، مشجعون من مختلف المدن والدول… وفي الطابق الأول على بعد ثلاث خطوات من «ميرسي» يجلس غاريث روبرت في المكان المخصص للتدخين، يحتسي الشاي وهو يدخن سيجارته، المشجع مواظب على تشجيع ناديه منذ سنة 1990، وهو يعتبر من أحد ركائز «الكوب» (المكان المخصص للألتراس) ومؤسسي «TAW»، الموقع الالكتروني الذي يحظى ب 10000 مشترك و150000 متتبع على مواقع التواصل الاجتماعي، «إنه لحقا شيء رائع، ففي شهور قليلة تمكن صلاح من أن يصبح اللاعب ورجل «الريدز» القوي! إنه عداء أولمبي يستحيل على المدافعين صده، وإذا تركت له مسافة حتى ولو كانت ضيقة، فاعتبر نفسك في عداد الأموات. صلاح يجيد التسديدات الرأسية والتسديد من بعيد، وتواصله الجيد مع كوتينهو وفيرمينو والمدرب كلوب ساعده كثيرا على إبراز قدراته». صلاح قدوة ومفخرة العرب كثيرون هم من شككوا في إمكانيات اللاعب الدولي، فتجربته السابقة في الدوري الممتاز رفقة فريق تشيلسي (موسم 2015 – 2014) تحت قيادة المدرب مورينيو، كانت غير ناجحة، فلم يجد صلاح موطئ قدم له في النادي، حيث مستوى اللاعبين عالي والتنافس على المراكز قوي، لهذا لم يحظى اللاعب بثقة المدرب، مما جعله ينتقل إلى روما. «إنه لاعب من طينة الكبار، من سلالة المحاربين الذين لا يستسلمون أبدا، إنه في طريق تقليد كيني دالغليش أكبر مهاجمي «الريدز»». وتابع مؤسس «TAW « « محمد ترعرع داخل أسرة متواضعة، ليس شخصا متكبرا، لا يقود السيارات الفخمة ولا يحتفل وحده عند تسجيل الأهداف، إنه نقيض بالوتيلي… ». ولترسيخ إعجابهم بالفرعون المصري، قام مشجعو «الكوب « بتحويل أبيات أغنية «سالي سينامون» المشهورة لفرقة «ستون روز» لتصبح «قبل محمد صلاح لم أكن أبدا سعيدا». التحدث لمدة ساعة واحدة في مقهى أحد المراكز التجارية، كانت كافية لمعرفة أن محبي ومشجعي محمد صلاح يأتون من مختلف المناطق والدول. حسن الشعبي، يعيش في المملكة منذ زمن، وهو من مشجعي مانشستر يونايتد، ورغم الاختلاف والمنافسة القائمة بين الفريقين، إلا أن الطبيب الجراح، يفتخر بابن بلده ويهنئه على الانجاز الذي حققه، «أن نرى محمد صلاح في مقدمة ترتيب هدافي «البريميرليغ»، أن تتم مقارنته بأفضل اللاعبين كميسي، وواو!!! إنه بالفعل شيء عجيب وخيالي، أظن أن صلاح هو السفير المثالي لمصر والشرق الأوسط. وجهه المشرق والمرح، أصالته ومصداقيته في اللعب، أهدافه… أخيرا أصبحنا لا نتكلم فقط عن الإرهاب والديكتاتورية والموت. محمد صلاح فسحة أمل العرب، إنه دواء ومرهم التراجيديا التي تقع في سوريا والعراق واليمن… إنني أفتخر بعروبة وأصالة وشجاعة المهاجم. صلاح شخص قنوع، وهو مثال حي لشباب الأمة المصرية التي تستحق مستقبلا زاهرا». «أحسن لاعب إفريقي لسنة 2017»، كما صرح الاتحاد الأفريقي لكرة القدم وقناة «بي بي سي»، دائما يسعى لخدمة أبناء وطنه، قدم العديد من التبرعات وساهم في تنفيذ مشاريع خيرية لخدمة الفقراء والمحتاجين. ومثل جميع المصريين، حسن الشعبي، لم يغمض له جفن طيلة ليلة 8 أكتوبر 2017، عندما منح محمد صلاح للمنتخب المصري ورقة التأهل إلى مونديال روسيا، حيث تمكن من تسجيل هدفين، أحدهما كان عن طريق ركلة جزاء، أعلن عليها الحكم في الوقت البدل الضائع قبل نهاية المباراة «صلاح برهن للعالم على أنه يمتلك مؤهلات كبيرة، طور أسلوبه كثيرا… في الحقيقة «الريدز يعرف كيف يستغل ويستفيد من إمكانيات ومؤهلات سيد الفراعنة».