تعتمد أم محمد وهي من سكان مخيم برج الشمالي في جنوبلبنان تماما على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) سواء في الحصول على العناية الطبية او تعليم أطفالها وحتى جمع النفايات. وبعد تقليص المساعدات الأميركية للمنظمة الدولية، يخشى اللاجئون من كارثة تحيق بهم. وتقول أم محمد التي تبلغ من العمر نحو أربعين عاما وتعيش في مسكن متواضع في المخيم القريب من مدينة صور، "سيتعذب الناس كثيرا . الأونروا هي أملنا الوحيد". وتواجه المنظمة الأممية "اخطر أزمة مالية" منذ انشائها قبل نحو سبعين عاما بعدما أعلنت واشنطن الثلاثاء أنها ستقتطع 65 مليون دولار من 125 مليونا هي مساهمتها الطوعية المتوقعة فيها. وتهدد هذه الاقتطاعات الكبيرة مئات المدارس والعيادات والمستشفيات التي تديرها الأونروا وتشكل شريانا يمد بالحياة خمسة ملايين لاجئ فلسطيني موزعين على بلدان عدة في الشرق الأوسط، ويعيش القسم الأعظم منهم في فقر مدقع. وللوصول إلى منزل أم محمد في قلب مخيم برج الشمالي ينبغي السير عبر أزقة ضيقة تفوح منها رائحة المجاري التي تزكم الأنوف. وتضيف أم محمد "ليس لدينا المال لندفع تكاليف المعاينة الطبية، ولا التعليم". فقبل أسبوعين فقط، تكفلت الأونروا بنصف تكاليف التحاليل الطبية التي أجرتها. ويذهب أربعة من أطفالها إلى مدارس الوكالة. يعيش أكثر من 174 ألف لاجىء فلسطيني في لبنان وفق إحصاء نشرته السلطات اللبنانية في أواخر 2017، وهو عدد يقل عن تقديرات الأونروا. ويقول فريج، أبو محمد، "إذا أغلقت المدارس، سيصبح الأولاد في الشارع". ويضيف بصوت يملأه الأسى، إن "تكفل الأونروا بتعليم الأولاد يسمح لي بالكاد أن ألتقط أنفاسي، فأنا عاجز عن إرسالهم إلى مدارس خاصة أو رسمية". يعمل أبو محمد في إصلاح الأثاث الذي يعيد بيعه ليحصل على بعض من مال يعيل به عائلته. ولقد ترك ابنه الأكبر المدرسة الثانوية وهاجر مخاطرا بحياته عبر البحر إلى أوروبا بحثا عن فرصة أفضل. تحول برج الشمالي بمرور السنين إلى ما يشبه مدينة صغيرة تنتشر فيها المباني الصغيرة والبقالات والمدارس لاستقبال آلاف اللاجئين. وعلى الرغم من الصعوبات المالية التي أرغمت الأونروا على تقليص خدماتها، لا تزال المساعدات التي تقدمها أساسية ولا غنى عنها. وفي لبنان، حصل 160 ألف شخص في سنة 2017 على معاينة في عيادات الأونروا التي تصرف كل سنة 14 مليون دولار بدل تكاليف العلاج في المستشفى. وفي المخيمات، تدير الوكالة جمع النفايات وتساهم أحيانا في إصلاح المساكن. ويقول مدير الوكالة في لبنان كلاوديو كورودوني "لا شك في ان تقليص المساعدات سيؤثر على كل هذه الخدمات" اذ "لا يمكن لأي هيئة أخرى أن تحل محل الوكالة. الدولة اللبنانية تواجه صعوبات من نوع آخر فهي تتولى اصلا رعاية شؤون عدد كبير من اللاجئين السوريين" الذين جاؤوا بمئات الآلاف الى لبنان هربا من الحرب المشتعلة في سوريا منذ 2011. أما المجلس النروجي للاجئين، فيرى أن قطع مساعدات الأونروا سيرغم المنظمات الخيرية الأخرى على زيادة مساهماتها. يذكر المجلس النروجي للاجئين بأن مدارس الأونروا تواجه في الأصل مشكلات مالية. ويقول مايك بروس المتحدث باسم المجلس في لبنان ان "النظام لا يمكنه تحمل صدمة أخرى". وفي مدرسة فلسطين الابتدائية والمتوسطة للبنين التي تستقبل 650 تلميذا ، كان الأطفال يجرون في الملعب حول عارضات أهداف لكرة القدم بلا شبكة. وعلى جدران الملعب إلى جانب رسوم شخصيات "السنافر" الملونة، ر سمت خارطة فلسطين التي اضطر أجدادهم للفرار منها خلال نكبة 1948 وقيام دولة إسرائيل. وبالقرب منها عبارة: "فلسطين لن ننساك". وتسيطر مشاعر القنوط والقلق على المدرسين. وتتساءل مدرسة اللغة الانكليزية إيمان فرحات التي تعمل في المدرسة منذ ست سنوات وهي في الثامنة والعشرين من عمرها، "هل سنقبض راتب الشهر المقبل؟ لا أعرف. الكل يشعر بخوف كبير. ممكن أن أعمل غدا ، أو أن يقولوا لي مع السلامة". ولا يستبعد مدير المدرسة جهاد الحنفي أن يضطر خلال الأشهر المقبلة إلى الاستغناء عن نصف المدرسين، أو على المدى الطويل إلى إغلاق المدرسة. ويقول "تعليميا ، نحن أمام واقع كارثي بكل معنى الكلمة. الطالب الذي لن يتعلم سيصبح في الشارع وعرضة للمخدرات، أو عرضة لعمالة الأطفال ولأي تنظيم إرهابي". استمرارية بحثت وكالة الاممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" خلال اجتماع بالعاصمة الاردنية عمان "إعلان حالة التقشف في النفقات والخدمات المقدمة للاجئين الفلسطينيين" في انتظار حسم موقف الإدارة الأميركية من مسألة تحويل مساعداتها التي لم تصل حتى الآن. وقالت المنظمة الاممية بان هذا الوضع كبدها عجزا ماليا منذ بداية العام الجاري بلغ نحو 174 مليون دولار، وهو العجز المرشح للزيادة في حال حجب الدعم أو تخفيض قيمته. وأوضحت مصادر اعلامية محلية أن الاجتماع الذي عقد السبت برئاسة المفوض العام للوكالة بيير كرينبول ومديري عمليات المناطق الخمس (الأردنوسورياولبنان والضفة الغربية وقطاع غزة) "ناقش تبعات القرار الأميركي عند تنفيذه وتأثيره على أكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني" منهم زهاء مليوني لاجئ في الأردن. وأضافت المصادر نفسها أن " مباحثات إدارة الوكالة بالأمس مهمة حيث تناولت أيضا الخيارات المتاحة أمام (الأونروا) التي تشهد أزمة مالية خانقة في ظل ضعف استجابة المانحين لدعمها وضبابية مواقف بعض المنافذ الجديدة التي تم التطرق اليها". وتمت الاشارة الى أن الوكالة تدرس عدة احتمالات في حال نفاذ قرار تجميد المساعدات الأميركية وتتمثل اما في استمرار التقشف أو تعليق بعض الخدمات أو مواصلة البحث عن البدائل، معتبرة أن حالها " سيزداد سوءا عند وقف دعم الولاياتالمتحدة أو تخفيض حجمه والمقدر بزهاء 370 مليون دولار سنويا بوصفها أكبر مانح للوكالة... وأفادت المصادر ايضا بأن الوكالة "قد تضطر عند استمرار الحال لما بعد نهاية الشهر الحالي إلى المزيد من تقليص الخدمات في حال لم تتم تغطية كامل العجز المالي أو جزء منه". وتعتزم "الأونروا" بحسب رسالة وجه ها المدير العام للوكالة في لبنان كلاوديو كوردوني إلى فريقه الإداري، اتخاذ جملة من الإجراءات التقشفي ة مثل "وقف تعبئة المناصب الشاغرة في قطاعي التعليم والصحة ووقف التوظيف اليومي ودفع بدل الدوام الإضافي وبدل السفر وتكاليفه ووقف شراء البضائع والمستلزمات إلا للضرورة القصوى «... وكانت "الأونروا" قد قدرت عجزها لعام 2017 بنحو 49 مليون دولار إلا أن امتناع الإدارة الأميركية حتى الآن عن تحويل الدفعة المالية المخصص ة لها والبالغة 125 مليون دولار والتي كان من المفترض تقديمها منذ شهر ديسمبر الماضي قد أدى إلى زيادة العجز بمقدار 174 مليون دولار. ويهد د تراجع مسار دعم الدول المانحة للأونروا منسوب الخدمات المقدمة للاجئين الفلسطينيين حيث يعد قطاع التعليم الأكثر تضر را بينما سيضع الأردن أمام المزيد من الأعباء والضغوط باعتباره أكبر دولة مضيفة للاجئين الفلسطينيين، بحسب مسؤولي الانروا. ويشكل قطاع التعليم الذي يستحوذ على النصيب الأوفر عدديا من الموظفين العاملين في الوكالة بنحو 5 آلاف ما بين معلم ومدير من إجمالي 7 آلاف موظف بالأردن الحلقة الأضعف في دائرة الخدمات الصحية والإغاثة الاجتماعية الأخرى التي تقدمها "الأونروا" حيث تسببت أزمتها المالية الخانقة العام 2015 ، بالتهديد بتأجيل العام الدراسي الجديد المثقل بالأعباء.