سقف من فراشات ديوان شعر للشاعر نزار كربوط ، وقد صدر عن منشورات مرسم بالرباط سنة 2013 . صمم الغلاف ، وأخرجه كوادري كرومي . عدد الصفحات تسع وسبعون صفحة من القطع المتوسط . هذا الشاعر الأنيق عبارة وسلوكا يمتهن الطب حرفة ، ويهوى الرسم بالكلمات . يحرص على صحة الآخرين ، و يكابد علة القصيدة ، هذه الأخيرة كلما غادر عيادته تأبطت ذراعه ، وغادرا المكان باتجاه محبات العالم . صدر للشاعر قبل هذا الديوان ديوان « رماد العاشق « سنة 2007 عن دار الزاوية بالرباط ، وديوان « أحمري يبتلعه السواد « سنة 2010 عن دار فضاءات / عمان . عنوان الديوان ، برغم بساطته من حيث التركيب ، فهو صعب المنال من حيث الدلالة ، لأنه يروم الإيحاء بدل الإفصاح ، لذلك فهو مشرع على تعدد الفهم والتأويل . وقراءتي لهذه العنوان ، إنْ هي إلا محاولة متواضعة ضمن محاولات أخرى ممكنة من أجل ملامسة بعضا من الأبعاد الدلالية الناتجة عن تجاور متوتر بين « سقف « و» فراشات « . المكون الأول في العنوان له عدة دلالات ، ولعل أقربها إلى المعنى في الملفوظات التالية : غطاء المنزل ، كما يعني السماء ، وقد ورد بهذا المعنى في مستهل سورة الطور» والطور وكتاب مسطور/ في رق منشور / والبيت المعمور/ والسقف المرفوع « ، و في سورة الأنبياء « وجعلنا السماء سقفا محفوظا « . آية 32 . السقف أيضا هو حد الشيء ، ومنتهاه ، بحيث لكل أمر سقف يبلغه ، ولا يمكن تجاوزه ، وما ليس له حد هو المطلق . المكون الثاني في العنوان هو « من « ، وهو حرف جر له عدة معان تبعا للسياق ، وفي العنوان يفيد البيان والتفسير ، لأنه يسلط الضوء على طبيعة السقف ، الذي اختار له الشاعر أن يكون من فراشات . المكون الثالث « فراشات « ، يعتبر مربض الفرس ، لأنه الأكثر جاذبية ، و جلبا للانتباه ، و هو الذي جنح بالجملة العنوان إلى الانزياح المطلوب . الفراشة كائن هش وعابر ، ومن أكثر الحشرات إشراقا وبهاء . قرينة فصل الربيع حيث تتجدد الطبيعة بعد سبات الشتاء الطويل وتولد من جديد . الفراشة أيضا هي الحلم والأمل ، وثمة تعبير جاهز ، هو قولهم « فراشة الأمل « . هذه الأبعاد يمكن أن نلمسها جلية في فراشات نزار كربوط ، فالسقف دال على الامتلاء ، والمرجو من هذا الامتلاء أن يكون متخما بما تعنيه الفراشة من شعور بالغبطة والفرح ، الشعور بخفة الكائن ، وما لا يقبض عليه ، كما أن الفراشات قد تعني ببساطة، قصائد الشاعر . ختاما فيما يتعلق بالعنوان أشير إلى أنه ورد في الجملة الأخيرة من الديوان : « ماذا لو اختفيت عن الأنظار/ هل سينتبه العالم إلى غيابي ؟ لا يهمني الأمر ما دام العالم الوحيد الذي أملكه هو حجرة من جدار واحد وسقف من فراشات «. ص 78 . قراءة أولى من زاوية المعجم تكشف بيسر عن التِّيمات المهيمنة في الديوان ، ولعل أكثرها حضورا تيمة الغياب ، وذلك من خلال عدد كبير من المفردات والعبارات الدالة على هذا المعنى ، بدءا من أول جملة حيث يقول : « يرحل بعينيه / في وجع المساء / يغيب في ساعته اليدوية «. من ذلك أيضا قوله : « غياب كثيف يرسم وجهي على لوحتك الرمادية « ص 15 ، و» مساء الغياب أيها العالم « . ص 17 . و» الغياب الذي يرسمني ماركة مسجلة . يمنع التقليد «. ص19 . و» صوت الغريب يطرق زجاج نافذتي «. ص 44. هكذا إلى أن بلغ بالغياب الذروة ، أو السقف في قوله « أنا مجرد كلمة في قاموس الغياب / لا أحتاج إلى محرك بحث يفتش في أغراضي الشخصية «. ص 19 . لِمَ كل هذا الغياب ؟ لعل ذلك يعود إلى إحساس الشاعر بهشاشة العالم ، ورهافته من حوله بدءا بالفراشات الواردة في العنوان مرورا بأكثر من لحظة جمالية استشعر فيها الشاعر خفة الوجود كما يتضح من هذا الحوار: قلت للقلم : « لماذا ترسمها عارية هكذا ؟ « قال لي : « عمري قصير بين يديك ، لن أهدره في الإنشاء والمقدمات الفارغة .» ص 31. بتعابير كثيرة يلمح الشاعر تارة ، أو يفصح عن ذات يحاصرها « وجع المساء « ، و» الوحدة الماطرة «، والأحزان الوفية . هذا الإحساس وما يماثله في الديوان جعل من الذات المتكلمة تبحث في عتمة الوجود عن كوة ضوء ، كما عبر عن ذلك من خلال ثنائية الضوء والظل ، و الحضور والغياب ، وقصيدة « للضوء حكمة أخرى» تضمنت مقاطعها العشرون عبارات تأسست على هذه الثنائية ، التي ساهمت في الكشف عن رؤية الشاعر لما حوله ، وهو يجول بعينيه في أرجاء العالمين : الأول ظاهر للعيان ، والثاني جواني مكمنه السريرة . من ذلك قوله : « كلما طالت المسافات يكبر الظل / تلك حكمة الضوء .» ص 34 ، وفي نفس الصفحة نقرأ « في رأسي ظلال كثيرة لا تحتاج إلى ضوء كي تعبر عن ظلمتها .» وفي مقطع آخر يقول : « للضوء نقطة ضعف وحيدة / لا يستطيع مشاهدة ظلي ، وهو يرقص فوق خراب النص .» ص39 . في الديوان صوت واحد ، هو صوت الأنا المتكلمة بصيغة المفرد . هذه الذات من خلال مقولها تبدو متوترة وقلقة مع الميل إلى التيه بحثا عن القصيدة كما الخطى . الداعي إلى القول بهذا الأمر هو الحقل المعجمي الواضح بوفرته ، وللتمثيل فقط أسوق هذه العبارات . في الصفحة الأولى من الديوان نقرأ : « كأنه شاعر ضل طريقه / إلى حانة صديقة / تشاركه لحظات الهذيان / وفصول الوحدة الماطرة .» وفي ص29 « بوهيمي كعادته / لا يحسب المسافات / ترافقه صديقة اسمها «شهوة « .» هذه الذات أيضا تحمل كباقي الأحياء معاناتها ، وعند الشاعر تتجلى في الشعور بالغربة ، وهي غربة روحية أثقلت عليه بكثير من الظلال . « سمائي تعيسة / حزنها يسَّاقط على كتفي / كمصابيح شارة في الضوء « ص22 . « ماذا تريد مني ؟ / لقد صفيت كل حساباتي مع الحياة / أحرقت كل قصائدي / وأدرت ظهري للشرق / حتى لا يتهمني أصدقائي بالوفاء» ص25 . يضاف إلى التيمات السابقة تيمة المرأة ، التي تحضر في الديوان كمعشوقة ، وقد أفرد لها الشاعر قصيدة « دانتيل « . هذا الوله بالأنثى عبر عنه في قصيدة « لماذا ترسمها عارية هكذا « . يقول في السطر الأول من المقطع الأخير : « ما ذنبي إن كان حبري عاشقا للأنثى .. «. ص 32 . ثمة مستويات أخرى تحتاج إلى من يسلط عليها الضوء . هذا الديوان له سحره الخاص كتجربة إبداعية تبحث لنفسها عن التفرد وسط الأصوات الشعرية ، التي عقدت العزم على إثراء المتن الشعري المغربي .