في الستينات، وفي غير الستينات، كانت سينما الخيال العلمي تعتمد على المؤثرات البصرية في المرتبة الأولى، وهو أمر استمر حتى الآن ويبدو أنه سيستمر إلى الأبد. ومهما كانت قصة الفيلم أو طاقم تمثيله، نجد أن أكثر عُنصر يتم الاعتناء به هو المؤثرات البصرية. فنرى مثلًا في فترة الستينات ظهرت أفلام خيال علمي مثل «2001: أوديسا الفضاء» للمخرج الكبير ستانلي كيوبريك، و»451 فهرنهايت» للمخرج الفرنسي فرنسوا تروفو عن الرواية المشهورة للكاتب راي برادبري وغيرهم. لكن في عام 1965 قدم المخرج الفرنسي الكبير جان لوك جودار فيلمه «ألفافيل»، وهو فيلم خيال علمي وتجربة جديدة على المخرج الذي أشتهر وقتها وبعد ذلك بأفلامه الواقعية. يحكي فيلم «ألفافيل» حكاية مُحقق خاص يُسمى «ليمي كوشن» قادم إلى مدينة «ألفافيل» من «بلاد الخارج» كما يسميها سكان «ألفافيل» لكي يحقق في إختفاء شخص ما واغتيال عالم فيزياء. مدينة «ألفافيل» هي مدينة منعزلة عن باقي العالم، يحكمها حاسوب اسمه «ألفا 60» وهو حاسوب بذكاء اصطناعي خارق يتحكم في المدينة كلها ويراقب كل شيء، فهو بمثابة إله لهذه المدينة، يغير القوانين كل يوم، يمحو كلمات من اللغة ويضع مكانها كلمات أخرى، أو يمحي كلمات تمامًا فتصبح بدون معنى. كلمات مثل: الحب، الضمير، البكاء، ضوء الخريف، الحنان. يرافق المحقق «ليمي» المتخفي في هيئة صحفي «ناتاشا» (قامت بالدور آنا كارينا) طوال رحلته، ونعرف أنها ابنة العالم «فون براون» وهو عالِم الفيزياء الذي يجب أن يتم اغتياله. ورغم كون «ناتاشا» ابنة العالم صاحب السلطة الكبيرة في المدينة، إلا أننا نجدها شديدة الانغماس في سياسة «ألفافيل» فهي لا تستخدم الكلمات الممنوعة التي تحبها برغم ذلك، ولا تبكي، ولا تتعاطف مع أحد. وعلى مدار فيلم «ألفافيل» نرى ذلك الصراع القائم داخلها، الحنين إلى الكلمات الممنوعة، الحنين للبكاء، للمشاعر. يذهب «ليمي» في بداية فيلم «ألفافيل» إلى صديق قديم، محقق أيضًا، كانت له نفس مُهمة «ليمي»، لكنه فشل فيها، وانغمس في لاقانونية «ألفافيل» وملذاتها، لكنه طوال مشهده مع «ليمي» يحاول أن يريح ربطة عنقه، وكأنه مخنوق، ويخبر «ليمي» قبل أن يموت: «ألفا 60 تدمر الذات، تدمر الرقة، أنقذ الذين يبكون». استجواب «ألفا 60» ل»ليمي» كان من أهم مشاهد الفيلم، وأكثرها رمزية وتقديمًا لرسائل الفيلم. فحين يسأل «ألفا 60»: أتعرف ما يُضيء الليل؟ يجيب «ليمي»: الشِعر. حين يسأله: ما هو دينك؟ يجيب: أؤمن بإلهام الضمير. وذلك الاختلاف بين «ألفا 60» و»ليمي كوشن» يبين لك أن كمالية الأشياء قد يدمرها. الغريب في فيلم «ألفافيل» أنك تكون طوال المشاهدة في حالة من التوهان والتماهي مع المشاهد، وربما في لحظة إفاقة تدرك أن خيوط الفيلم مبعثرة تمامًا وأن تجميعها يعتبر مُهمة مستحيلة، لكن مع نهاية الفيلم تدرك أن خيوط الفيلم كانت خيطًا واحدًا من البداية، وهي نقطة تحسب لسيناريو الفيلم. فيلم «ألفافيل» هو فيلم خيال علمي في المرتبة الأولى، لكن طوال الفيلم لن تجد مؤثرات بصرية على الإطلاق، أو خدعًا سينمائية، أو حتى مركبات فضائية أو أي من الكليشيهات الموجودة في أفلام الخيال العلمي. ويعتمد فيلم «ألفافيل» تمامًا على العوامل الطبيعية بحرفية شديدة، فالاعتماد الأكبر كان على الإضاءة، وانعكاسها على المرايا والزجاج، والاعتماد الثاني كان على الزجاج نفسه، حيث الأبواب من زجاج، وحوائط بعض الغرف من زجاج، أما الاعتماد الثالث فعلى الموسيقى التي تعطي للمَشاهد كلها طابعًا تشويقيًا غرائبيًا. وبرغم كون هذه العوامل من المستحيل أن تصنع فيلم خيال علمي في وقتنا الحالي أو في أي وقت آخر، نرى جان لوك جودار وقد كون منها، مع سيناريو الفيلم الغريب، فيلم خيال علمي لن يُنسى.