رغم ما كانت توفره له أسرته من ظروف، فإن المتهم لم يستطع تجاوز عتبة الإعدادي التي كان قد بلغها بصعوبة كبيرة، حيث ظل يكرر السنة تلو الأخرى لأسباب عدة، من بينها غيابه المستمر عن الدراسة خاصة عندما بلغ سن المراهقة وأصبح يتصرف تصرفات الكبار حتى إنه ارتشف أولى جرعات الخمر كما كانت آنذاك السيجارة لا تفارق شفتيه. لم يعمل بنصائح العائلة، وانطلق عن سبق إصرار في القيام بأعمال لا ترضي عائلته من سكر طافح واستعراض العضلات بالحي وصولا إلى عدم احترامه للجيران والأصدقاء، بل حتى الأهل، ذلك أن العديد من الأشخاص لم يسلموا من اعتداءاته، وضمن هؤلاء صاحب عربة مجرورة بحصان،كان المتهم قد وجه له السب والشتم وحاول الاعتداء عليه دون سبب، مما حدا بهذا الأخير الى مواجهته بالمثل حتى إنه كان قد أصيب في أصبعه،واعتبر أن هذا الاعتداء يستوجب الانتقام بكل الوسائل خاصة وأن المعتدي لا يعدو كونه صاحب عربة مجرورة. و رغم أنه تحمل نتائج هذا الاعتداء، فقد ظل الانتقام يحضره كلما تناول كمية من الخمر حتى إن شغله الشاغل أصبح هو الاعتداء. وبحكم أن المدينة سياحية فقد كان العمل لا يتوقف بها ليل نهار، حيث لا يتوقف عن نقل البضائع من المحطة الطرقية الى وسط المدينة والفنادق حتى أن عمله يتجاوز في أحايين عدة منتصف الليل بساعات، إلا أنه في تلك الليلة الصيفية لم يكن مستعدا بما فيه الكفاية للقاء غريمه الذي كان ينتظر هذه الفرصة لتصفية حسابه معه فما الذي حدث؟ الانتقام في الليلة الموعودة تناول المتهم طيلة ذلك اليوم من أيام غشت القائظة، كمية كبيرة من النبيذ قبل أن يختم «نشاطه» بقنينة من الخمر الأحمر اقتناها من السوق السوداء بعد أن أغلقت المحلات المختصة أبوابها. وأثناء عودته الى مقر سكناه في حدود الثالثة والنصف صباحا وهو يترنح يمينا ويسارا، أثار انتباهه مرور عربة مجرورة بحصان تقترب منه وماهي إلا لحظات حتى تراءى له سائقها الذي لم يكن سوى الضحية الذي كان قد أشبعه ضربا وركلا وبمجرد وصوله كان المتهم قد استجمع قواه وتوجه توا الى منزل العائلة الذي كان قاب قوسين أو أدنى منه حيث دخل الى مطبخه واستولى على سكين كبيرة خبأها تحت ملابسه وغادر بحثا عن الضحية الذي لم يكن قد ابتعد عن منزلهم سوى بأمتار معدودة وماهي إلا لحظات حتى استوقفه ووجه له اللوم على ما قام به من قبل، مستفسرا إياه إن كان يتذكر ما استحدثه له أثناء مواجهته، حاول المتهم ومرافقه تهدئة الوضع، وذلك من أجل النجاة بجلده إلا أن المتهم كان مصرا على الانتقام لنفسه وبأقل خسارة وعندما تأكد من أن غريمه غير مستعد لهذه المبارزة استل السكين ووجه طعنة قوية الى ظهر الحصان لشل حركته، لحظتها أحس الضحية بخطورة الموقف وحاول تحريك العربة إلا أن الطعنة كانت قد شلت حركة الحصان، فاحتمى بعصا كان يستعملها إداك فاجأه بطعنة أسقطته من فوق العربة قبل أن يوجه له العديد من الطعنات وهو ساقط أرضا حتى أنه لما تركه كان بين الحياة والموت، فحاول مرافقه إسعافه، إلا أن المتهم خيره هو الآخر بين الانسحاب أو الاعتداء، حيث فر هو الآخر بجلده المتهم يمنع تقديم المساعدة لشخص في خطر وأمام الحالة التي كان عليها الضحية واستغاثة المارة لم يجد المتهم بدا من جر الضحية الذي كان في وضع صحي خطير الى زقاق مجاور لمكان الاعتداء، وفر في اتجاه منزل العائلة، حيث خبأ السكين ونظف يديه قبل أن يغير ملابسه ويغادر المنزل وبعد استكمال التحقيق التمهيدي مع المشتبه فيه الذي كان قد ألقي عليه القبض 48 ساعة بعد الحادث، أحيل على المدعي العام الذي استنطقه والتمس إجراء تحقيق في النازلة، حيث استمع قاضي التحقيق الى الشهود الذين حضروا واقعة الاعتداء، حيث أفاد الشاهد الأول الذي كان يرافق الضحية أثناء الاعتداء عليه حين التقاهما المتهم ذاك الصباح الباكر قبل أن يلج منزل عائلته ويعود مسرعا، أنه أخرج سكينا من تحت ملابسه وانهال به على الضحية، موجها له عدة طعنات بواسطته. وقد حاول التدخل إلا أن المتهم هدده بنفس المصير إن هو حاول إسعافه طالبا منه الابتعاد، بل الأكثر من ذلك، فقد بدأ في توجيه الضربات إلى الحصان فلاذ بالفرار فيما أكد الثاني واقعة اعتداء المتهم على الهالك بواسطة شفرة كان يحملها معه، بينما الثالث شاهد الضحية وهو يسبح وسط بركة من الدماء المتهم وأثناء الاستماع إليه ابتدائيا وتفصيليا، أجاب أنه كان عائدا إلى منزله بعد أن تناول كمية من الخمر حوالي الساعة الرابعة صباحا، فالتقى الضحية الذي دخل معه في نقاش، ثم هم بالاعتداء عليه بواسطة مجرفة كان يحملها معه، مما اضطره الى استعمال السكين التي كانت بحوزته وطعن بها الضحية مرتين دون أن يتذكر عدد الطعنات التي كان قد سددها له بواسطة سكين اعتاد حمله بحكم عمله وأضاف أنه طعن الحصان أيضا الذي تعود ملكيته إلى مرافق الضحية، وذلك بسبب الاعتداء الذي تعرض له من طرفه أيضا، ليفر بعد ذلك الى منزل العائلة، حيث أخفى السكين في غرفته، مؤكدا أن له سابق عداوة مع الضحية، إذ كان قد أحدث له عاهة مستديمة وبعد استكمال البحث، أحال قاضي التحقيق القرار على غرفة الجنايات، بعد أن توبع المتهم من أجل جناية القتل العمد، مع سبق الإصرار والترصد، فيما توبع بائع الخمور من أجل الاتجار في الكحول دون ترخيص في حالة العود، والذي كان قد أقر باتجاره في الخمور وبيعها للمغاربة المسلمين الدفاع يؤكد على حالة الدفاع الشرعي عن النفس والنيابة تلتمس الإدانة وأمامها حيث أحضر المتهم من السجن، فيما حضر زميله في حالة سراح، وحضر الشهود الذين أخرجهم الرئيس من القاعة الى حين الاستماع إليهم طبقا للقانون وبعد تلاوة قرار الإحالة، وتأكد الهيئة من هوية المتهمين التي جاءت مطابقة لمحضر الضابطة، أشعر المتهم بالمنسوب إليه، فأجاب أنه بتاريخ الواقعة، كان متوجها لقضاء بعض المآرب، حين اعترض سبيله الضحية الذي طلب منه أن يسحب شكاية مقدمة ضده، وبعدها حاول الاعتداء عليه بواسطة مجرفة، فأخرج سكينا وطعن به الضحية طعنتين وعرضت عليه تصريحا له أمام الشرطة فأنكره، فيما أجاب زميله بإنكاره بيع الخمور بعد ذلك، استمعت المحكمة إلى الشهود كل واحد على حدة، إذ صرح الأول أنه شاهد الضحية والمتهم في عراك وكل واحد يحمل آلة في يده ولم يعاين الاعتداء، بينما صرح الثاني الذي يعمل مع الضحية، أنه في الثالثة صباحا، أخبره الضحية بأنه سبق وأن تخاصم مع المتهم، وما لبث أن انتهى من كلامه حتى مر المتهم ودخل الى أحد المنازل، فطلب هو من الضحية تفاديه، وما أن ابتعد عنه حتى سمع صراخا وانطفأ الضوء الى أن فوجىء بالواقعة بعد ذلك تناول الكلمة ممثل الحق العام الكلمة، حيث تطرق إلى خطورتها وأكد قرار الإحالة والتمس الإدانة في الأقصى و تناول الكلمة دفاع المتهم الذي تناول حيثيات النازلة، واعتبر محاضر الشرطة مجرد بيان في القضايا الجنائية، مؤكدا على تصريحات موكله أمام المحكمة، وما نوقش أمامها، مضيفا أن موكله كان في حالة دفاع شرعي عن النفس وفي حالة استفزاز، علما بأن النية الجرمية غير متوفرة في ملف النازلة. والتمس أساسا تمتيعه بأوسع ما يمكن من ظروف التخفيف. وبعد أن كان المتهمان آخر من تكلم، انسحبت الهيئة للمداولة وعادت بعدها لتصدر قرارها إن غرفة الجنايات تصرح علنيا ابتدائيا حضوريا، بمؤاخذة المتهم من أجل المنسوب إليه بعد استبعاد ظرفي الترصد والإصرار وحالة العود والحكم على المتهم بعشرين سنة سجنا نافذا وبائع الخمور بستة أشهر حبسا وغرامة (500 ده) وتحميلهما الصائر مجبرا في الأدنى وأشعرا بأجل الاستئناف