تداول نشطاء الفايس بوك أخير صورا وفيديوهات عن رجل ملتح، يرتدي قميصا أبيض وهو يخرب تمثال «المرأة العارية» بنافورة عين الفوارة الشهيرة الواقعة في قلب مدينة «سطيف» في شرق الجزائر، بل إن الرجل واصل تحطيم التمثال بهستيرية برغم ضربه بالحجارة والعصي من قبل المارة، قبل أن يتم توقيفه من طرف الشرطة. على هامش هذا الفعل المتطرف والشاذ، تؤكد ساكنة المدينة أن تمثال المرأة العارية معلمة تاريخية وثقافية ولديه رمزية لدى سكان سطيف خاصة والجزائر عامة، ثم إن الرجل الذي كان يخرب بإزميله ومطرقته يعاني من خلل عقلي. وحتى لا نصدق رواية هذا الخلل العقلي، ما علينا إلا أن نذكر بأن مجموعة من الإرهابيين حاولوا قبله تحطيم التمثال ذاته بتفجيره سنة 1997، إلا أن الأضرار التي لحقت به لم تكن كبيرة وتم ترميمه في اليوم التالي. وفي نفس السياق، نستحضر نفس التخريب في معرة النعمان في شمال سوريا، والإطاحة برأس تمثال الشاعر العربي أبو العلاء المعري ، وفي بغداد يتعرض تمثال الشاعر أبو نواس التعرية وحذف أشعاره المنقوشة على قاعدة التمثال، وهذا يعني أن قانون العنف وثقافة تخريب التماثيل والمنحوتات الفنية التي تذكر بأصنام الجاهلية الأولى، ثقافة معتقة في ذاكرة المتطرف وتسري في عروقه كما دماؤه الفاسدة أنى كانت جغرافيته وخريطت. وليس عجيبا ولا غريبا أن يحدث الذي حدث في واضحة النهار وأمام الملأ، بل العجيب أن يظل الباب مفتوحا لاستهداف التمثال بالتخريب والذي ظل ساري المفعول بعد تفجيره سنة 1997، عبر تمرير خطابات تحريضية ، من طرف بعض الأئمة كالشيخ «شمس الدين بوروبي» مفتي قناة النهار الذي دعا إلى تغطية التمثال العاري ،كما أفتى إمام مسجد أبو ذر الغفاري بولاية قسطنطينة بعدم جواز شرب الماء من هذه عين النافورة بحجة أن الشارب يتطلب منه السجود للتمثال الذي وصفه بالصنم، بل اعتبر ذلك شركا بالله كما طالب السلفي عبد الفتاح حمداش بإزالة المرأة العارية لأنها شرك بالله. نعم تعي ثقافة التخريب والتعصب ما تفعله وتستهدفه ، كالإساءة للذاكرة التاريخية، فالمرأة العارية من نحت وإبداع الفرنسي «فرانسيس دو سانت» عام 1898فيدال، كما أن استهداف رأس أبي المعري هو استهداف للعقل، وحذف أشعار أبي نواس هو تكريس لثقافة المحو، وبذلك يكون الخلل في ثقافة الشحن التي تملأ رؤوس هذه الماركات البشرية المسجلة. وعليه، الرجل لا يعاني من خلل عقلي، وحتى إن كان، فهو خلل عاقل ويعرف المرامي التي يعنيها بهذا التخريب الذي لم ينزله لله من السماء، بل فعل آت من ترسبات معتقة في خوابي ذاكرة الرجل الذي لم يخجل من جمال المرأة العارية ونهودها، وهذا يعني، حتى ولو كان هذا الرجل يعاني من خلل عقلي ؛ فإن فعله ينبئ عن فعل عاقل وبكامل القوة التحريضية الواعية لنشاطها التخريبي.