تبدأ رحلة المعاناة عند عدد لا يستهان به من "البيضاويين" منذ اللحظات الأولى لشروق الشمس، وسط جو من الترقب والانتظار في البداية بسبب تأخر الحافلة قبل أن يتحول شيئا فشيئا إلى تذمر وغضب، خاصة عندما تبرز ألوان الحافلة «55» – على سبيل المثال فقط – لمن كان ينتظرها بتوتر في محطة من محطات الطريق الرابط بين الهراويين وشارع مولاي يوسف، وبعد أن يتنفس المتأخرون الصعداء، ينطلق سائق الحافلة بسرعة ويتجاوز المحطة ومن يقف فيها، في سياق ما يطلق عليه ركاب الحافلة «حرق البلاكة». رحلات ال «55» العجيبة تلاميذ، طلبة، عمال وموظفون.. يخيب أملهم غالبا في الوصول في الوقت المناسب إلى مقرات عملهم أو المؤسسات التعليمية، وهو ما لا يتسامح معه المشغلون، خاصة حيال العمال والمياومين أصحاب الدخل المحدود، وكذلك المؤطرون التربويون لن يتسامحوا مع المتعلمين عندما يتحول التأخر إلى قاعدة بدل أن يكون استثناء . مع العلم أن أغلب هؤلاء يخرجون قبل موعد اشتغالهم ودراستهم بأكثر من ساعة، وقد يصل الأمر إلى ساعتين، أي أن من ركاب الحافلات العمومية من يخرج في السادسة صباحا، ويقضي أربع ساعات من يومه في دوامة المواصلات. تكتظ الحافلة رقم 55، أو "البْرَّاكة» كما يسميها الركاب، بعد محطتين أو ثلاث من انطلاقها من شارع مولاي يوسف متوجهة إلى الهراويين، في أحد أطول خطوط الحافلات العمومية. والسبب، هو أن الشركة المكلفة قلصت عدد حافلات هذا الخط بدعوى أنها لا تجني منه غير تراكم الخسائر، حسب أحد السائقين ، مؤكدا أن أغلب السائقين أضحوا يخافون من قيادة حافلة الخط "55" بسبب بعض العصابات المتربصة وسلوكات بعض المنحرفين. ومن جهتهم أكد عدد من ركاب ال»55» أن معاناتهم المزدوجة أضحت جزءً ا من معيشهم اليومي، حيث يشتكون من عدم الوصول لمقاصدهم في الوقت المناسب، أو خلال فترة المساء عندما يكونون عائدين لمنازلهم لأخذ قسط من الراحة بعد يوم متعب. ومن ناحية أخرى، ضاقوا ذرعا من تعدد عمليات السرقة عبر النشل ، والأخطر ، كذلك ، عبر السطو وتطويق الراكبين بالأسلحة البيضاء، والتحرش، وما هو أدنى من ذلك، بالنسبة لهم كالعربدة، الصياح العشوائي، التلفظ بالكلام النابي، والمشاجرات بلا سبب ومختلف السلوكات العدوانية التي يختار منحرفون تفريغها وسط الحافلات. كل هذا حسب ما أقره العديد منهم، ومن مختلف الفئات العمرية. مسؤولو الشركة التي تستغل الخط «55» ولها أيضا من الخطوط (28-68-120) ، يربطون سبب الحالة السيئة التي أصبحت عليها الحافلات، بسلوك عدد من المنحرفين والفوضويين الذين لا يؤدون ثمن الرحلات، مما يسبب خسائر للشركة ، ولا يكتفون بذلك؛ بل يخربون كل ما استطاعوا إليه متخفين أو علانية، ومنهم من يكسر واجهة الحافلة بعد عراك مع آخر أو مراقب أو سائق الحافلة أو حتى بلا سبب أحيانا. أعطاب ميكانيكية وسرقات بالجملة انتقد شخص في الخمسينات من عمره، الحافلة التي يستقلها يوميا مرغما على حد تعبيره، ووصفها قائلا "نضطر للركوب في الحافلة المهترئة رغم أننا غير راضين عن وضعنا داخلها. تصل بعد ساعة وأكثر من الانتظار، بلا بوابات ولا نوافذ ولا أدنى وسائل الإغاثة كقنينة إطفاء الحرائق. لقد عشت مع هذه الحافلات تغيرا رهيبا في طريقة السرقة على وجه الخصوص، ففي السابق، على الأقل، كانت عملية السرقة تتم بتخفٍ وسرعة منقطعة النظير؛ يسلب من خلالها النشال هاتف الراكب أو محفظته من أحد جيوب ملابسه، أما اليوم، تصعد عصابات مسلحة إلى الحافلة، وتسلب كل الراكبين ممتلكاتهم، كما قد تخلف إصابات بليغة بواسطة الأسلحة البيضاء». إلى ذلك أيضا، استرسل شاب يدرس بالتكوين المهني، قائلا "الحافلات متقادمة ومتهالكة وضعيفة التجهيز وكثيرة الأعطاب، ومحرك العديد منها، ليس صالحا بالمرة يصدر حرارة مرتفعة داخل الحافلة وصوتا يصعب على المرء تحمله، هناك حافلات يجب أن تذهب إلى لافيراي، من العيب أن يتم تقديمها لتنقل زبناء يؤدون ثمن الرحلة». يتابع الشاب "كم من مرة توقفت بنا الحافلة في الطريق غير قادرة على الاستمرار، فيتم أخذها إلى مقر الشركة ل"ترقيعها» وإعادتها إلى خط المواصلات، أما الركاب فلا أحد يهتم بمصيرهم وما عليهم إلا أن يعتمدوا على أنفسهم لمواصلة الطريق». وأبدت امرأة في الأربعينات حسرتها حيال خوفها الدائم خلال وقت تنقلها من بيتها بالهراويين إلى مركز المدينة، وقالت إن خوفها يرجع إلى المعاناة التي تعيشها يوميا في الحافلة، وتضيف أن من سمع ليس كمن رأى بعينيه، حيث أن الجرائم التي تحدث سواء الرمزية أو الفعلية لا يمكن تصديقها. وأشارت المتحدثة إلى سلوك بعض المراقبين الذين يعاملون الركاب بسوء، سواء كان الراكب أدّى واجب التذكرة أم لا، معتبرة أنهم يستفزون الناس ويحرضون على العنف.. وتختم الأم العاملة كلامها قائلة «غياب الاحترام داخل الحافلة والتفريغ عن مكبوتات سلوك مرفوض قطعا، علما بأن الحافلة يركبها الأمهات والأطفال والشيوخ.. يكفينا أننا نصبر على الحالة المهترئة للحافلات". إن أزمة النقل وسط الدارالبيضاء تتداخل فيها عدة عوامل ، منها اكتظاظ العاصمة الاقتصادية بالسكان، عدم كفاية وسائل النقل العمومي، اختناق المرور وازدحام المواصلات خاصة في ساعات الذروة، الحالة المتدهورة للشبكة الطرقية في الأحياء "الهامشية"، المد التوسعي للمدينة سواء بالبناء العمراني المهيكل أو العشوائي، والذي يدفع إلى تمديد بعض الخطوط … وضعية تحتاج إلى "خطط مدروسة" ، من قبل الجهات المسؤولة، لإيجاد البدائل الناجعة التي توفر الحد الأدنى من شروط السلامة والإطمئنان ، بعيدا عن كل أسباب الخطر، المادية منها والبشرية، التي أضحت تتزايد بشكل مقلق. «+» صحافي متدرب