يعتبر التسمم آفة صحية، تصيب الإنسان فجأة وبدون إعلام، خاصة إذا لم يتخذ الإجراءات الوقائية والاحترازية اللازمة لتفاديه. وتعاني عدة دول، وضمنها المغرب، من تزايد نسبة التسممات في بلدانها، خاصة الدول النامية التي تحضر فيها وبقوة ثقافة الشعوذة، والعلاجات التقليدية، وكذلك العلاج بالنباتات غير المقنن، والتي لا تتوفر على سياسة وقائية وعلاجية لمحاربة التسممات. ويتميز التسمم وخطورته بالمدة الفاصلة بين الحادثة وبداية العناية الطبية وجودتها، إذ يمكن أن تؤدي إلى الموت في حالة غياب عناية طبية مناسبة. وتشكل التسممات خطرا كبيرا على صحة المواطنين وسلامتهم الصحية، وتعتبر المنظفات والأدوية من أهم المسببات للتسمم عند الأطفال، إذ وفقا لبعض الإحصائيات الدولية فإنها تمثل نسبة 87 في المئة من حالات التسمم عند الأطفال. ومن العوامل التي تساعد على ارتفاع نسبة التسممات عند الأطفال انتشار الملوثات الغذائية والدوائية والكيميائية في أماكن يمكن للطفل الوصول إليها، دون إغفال فضول الطفل والرغبة على التعرف على المجهول وانشغال الآباء عن أطفالهم. وتحتل المنظفات المنزلية أو المبيضات الرتبة الأولى في التسممات عند الأطفال بنسبة 55 في المئة، خاصة إذا ثم حفظها في زجاجات المشروبات الغازية أو قنينات العصائر، تليها الأدوية المسببة للتسمم عند الأطفال بنسبة 32 في المئة، ومنها مخفضات الحرارة أو المسكنات، ويصل نصيب التسمم الغذائي إلى 14.60 في المئة، وفي المرتبة الخامسة نجد المبيدات الحشرية بنسبة 11.26 في المئة، بالإضافة إلى لدغات العقارب. وفي المغرب، وفقا لأرقام غير حديثة، تحتل التسممات بالأدوية المركز الثالث بعد الأطعمة ولدغات العقارب، وقد أحصى المركز المغربي لمحاربة التسمم واليقظة الدوائية 20 ألف و 796 حالة تسمم دوائي حاد خلال الفترة بين 1980 و 2009 ، 1592 حالة تسمم خلال سنة 2009 لوحدها، 92 في المئة منها بالوسط الحضري، و8 في المئة بالوسط القروي. وظل المركز المغربي لمحاربة التسمم يحذر لمرات متكررة من ارتفاع عدد حالات التسمم الناتجة عن الأدوية بسبب تنامي مشكل الاستعمال الذاتي لها واعتماد المرضى على بعض الوصفات الطبية الموجودة على شبكة الانترنت، وكذا خطورة استعمال الأدوية المهربة.. فضلا عن لسعات العقارب التي يصرح سنويا بتسجيل 30 ألف حالة منها، تتسبب في وقوع نسبة 0.1 في المئة من الوفيات خاصة عند الأطفال، متبوعة بالتسمم الغذائي، والمبيدات والأدوية والتسمم بأول أكسيد الكربون ... كما يشكل التسمم الحاد مشكلا للصحة العمومية إذ تصل نسبته ما بين 3 و 7 في المئة من النشاط غير الرضحي لقسم المستعجلات، وما بين 10 إلى 15 في المائة من الاستشفاءات في قسم الملاحظة الطبية لزمن قصير، مع استشفاء 5 الى 10 في المئة من المرضى في قسم العناية الطبية المركزة وفي غالب الحالات يكون التسمم إراديا لغرض الانتحار. أما التسمم بمادة «تكاوت الرومية» فيحتل الرتبة الأولي في أقسام المستعجلات بالدارالبيضاء بنسبة 63.8 في المئة، مع 02 في المئة من الوفيات الناجمة عنها، يليه التسمم بمبيدات الحشرية الفوسفورية العضوية، وفي الصف الثالث التسمم الدوائي بنسبة 19.7 في المئة، يليه التسمم بأوكسيد الكاربون بنسبة 2.8 في المئة، وبشكل نادر تسممات أخرى. وللتنبيه من خطورة التسمم بتكاوت الرومية في المغرب نقدم معطيات بحث المعهد الطب الشرعي للمستشفى الجامعي ابن رشد، الذي سجل 20 وفاة ناجمة عن التسمم بهذه المادة في ظرف زمني لا يتعدى ثمانية أشهر من بين 32 حالة وفاة بتسمم. أما باقي أسباب الوفيات الأخرى ف 5 منها كانت ناجمة عن مادة «فوتوكسان»، 4 وفيات ناجمة عن مبيدات الحشرات الفوسفورية العضوية، 3 ناتجة عن الحامض الكلوروري، بينما 90 في المئة من الضحايا هن نساء تتراوح أعمارهن ما بين 14 و 37 سنة، مع مستوى اقتصادي اجتماعي ضعيف وملاحظة تتمثل في وجود سوابق مرضية للكآبة والاضطرابات النفسية بنسبة 40 في المائة، علما بأن 75 في المئة من الانتحارات حصلت بين الخامسة زوالا والعاشرة ليلا. وفي مجموع الأعراض السريرية للمصاب بتسمم بتكاوت الرومية يحتل رأس هذه القائمة وذمة مع انتفاخ وجهي عنقي ب 65 في المائة، وضيق تنفسي حاد بنسبة 38.5 في المئة، صدمة قلبية بنسبة 30 في المئة، وكذا وجود اضطرابات عصبية مع غيبوبة عميقة بنسبة 35 في المئة. وتحصل الوفاة في هامش زمني يتراوح ما بين 15 دقيقة و 240 ساعة، بينما تقع الوفاة المبكرة في اقل من 48 ساعة. كما بينت دراسة للمعهد الطب الشرعي بالدارالبيضاء مجموعة من المضاعفات عند تشريح الضحايا ومن بينها انسكاب غشاء الرئة الذي جاء في رأس القائمة بنسبة 70 في المئة، احتقان للمعدة بنسبة 70 في المئة، احتقان رئوي بنسبة 60 في المئة...، وبنظرة سريعة لهذه المعطيات وبناء على الوفيات المسجلة في ظرف زمني قصير يتأكد على أنه يستوجب على جميع المتدخلين اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع تداول واستيراد هذه المواد السامة، مع إرساء برنامج وقائي تحسيسي لتفادي الإصابة العرضية والإرادية بهذه المواد السامة، وللتعرف على تطور النسبة الوبائية والعوامل المسببة للتسمم عند الأطفال عندنا أحيل القارئ على بحث أنجزه قسم المستعجلات الطبية بمستشفى الأطفال بالرباط، بتعاون مع قسم الإنعاش المتعدد الاختصاصات للأطفال، ومركز محاربة التسمم، على مدى سنة من يناير 2009 إلى دجنبر2009، وقد شمل البحث جميع الأطفال الذين يتراوح سنهم ما بين 0 و 15 سنة، والذين تم استشفائهم نتيجة امتصاصهم العرضي لمواد سامة، أو الأطفال الذين تم العثور بعد الفحص الطبي على علامات تدل على تسمم حاد. وقد بينت نتائج البحث ارتفاع نسبة الاستشفاء الناجمة عن التسممات إذ تم استشفاء 381 طفلا خلال فترة انجاز البحث بسبب التسممات الحادة وذلك من بين 33145 حالة استشفاء، 76 في المئة من الأطفال ينتمون إلى جهة الرباطسلا زمور زعير، ويقارب السن المتوسط لحدوث التسممات 5 سنوات، وقد همت أغلبية الاستشفاءات الذكور بنسبة 64 في المئة. وقد ألقى البحث الضوء على ظروف حدوث التسممات إذ تبين على أن 87 في المئة من الحالات هي ناجمة عن امتصاص أو ابتلاع مواد أو أدوية بطريقة عرضية، وبسبب خطأ علاجي في تناول الأدوية نسبة 5.4 في المئة، بينما نسبة 7.1 في المئة من الحالات هي بسبب محاولة انتحار، وأخيرا بنسبة 0.5 في المئة بسبب الإدمان. ولم يغفل البحث طبيعة التسمم بحيث تربعت على رأس اللائحة التسممات الغذائية بنسبة 17.8 في المئة، تلتها التسممات الدوائية بنسبة 13.3 في المئة، التسمم بماء جافيل بنسبة10.2 في المئة، والتسممات بأوكسيد الكربون بنسبة 7.3 في المئة، ثم التسممات الناجمة عن مبيدات الحشرات 5.2 في المئة، وفي 7.8 من الحالات لم يتم التعرف على سبب التسمم. أما بالنسبة للتسممات الدوائية فقد تبين على أن العقاقير المضادة للقلق تحتل المرتبة الأولى المسببة للتسمم بنسبة 20 في المئة، تليها الهرمونات النسائية بنسبة 13.3 في المئة، ومهدئات الأعصاب بنسبة 6.6 في المئة، وكذلك مدرات البول ومضادات الهيستامين ومضادات التقيؤ، أما التسممات الناجمة عن مضادات الكآبة فقد بلغت نسبة 3.3 في المئة، بينما الادوية ضد الصرع شكلت نسبة 3.3 في المئة، وكذلك الأمر بالنسبة للمسكنات، ومضادات الالتهاب، والمضادات الحيوية، والفيتامينات 3.... وقد بين البحث كذلك على أن 40 في المئة من الحالات تم استشفائها لتلقي العلاجات والمراقبة مع تطور صحي ايجابي، 8.6 في المئة تم استشفائهم في قسم العناية المركزة بينما تم تسجيل 5 وفيات. وفي الختام لا بد من العمل على الحد من تطور هذه الآفة في بلادنا بتسطير برنامج وطني لمحاربة التسمم، خاصة التسممات الغذائية التي تشكل قطب الرحي للتسممات في ظل تنامي المطاعم المتنقلة، والنقص في المراقبة للمواد الغذائية الصناعية والمصبرة، ويشمل شقين تربوي وقائي مع تحسيس الآباء لتفادي تخزين مواد كيماوية أو صناعية في المنزل في متناول الأطفال، وكذا تحسيسهم مع الأطفال بخطورة جميع الأدوية خاصة إذا زادت الجرعة الدوائية عن المقدار العلاجي. وشق آخر يعتمد على الإسعافات الأولية، و العناية الطبية المبكرة ذات الجودة العالية، والمراقبة الدوائية والغذائية .