فضيحة كبرى، وردود فعل دولية قوية، بعد التقرير الذي نشرته «السي ان ان» الأمريكية، والذي كشف عن انتشار ممارسة إجرامية بليبيا، وهي بيع مهاجرين أفارقة في سوق نخاسة، يتم التزايد فيه على الأشخاص مثلما كان يتم في عهود العبودية أو التجارة الثلاثية التي كانت تتم بين إفريقيا ،أوروبا والمستعمرات، وهو ما أثار موجة استنكار بالمجتمع الدولي، ودفع العديد من البلدان الإفريقية إلى استدعاء سفرائها بطرابلس، التي أعلنت حكومة الوفاق الوطني بها عن فتح تحقيق بشأن هذا الموضوع. الجميع يتساءل عما يمكن أن يقوم به هذا المجتمع الدولي، بعد الكشف عن هذه الجريمة في بلد مزقته الحرب منذ الإطاحة بالنظام السلطوي للكولونيل معمر القدافي.وهو ما يجعل المسؤولية الدولية للبلدان، التي ساهمت في هذا التحول بليبيا قائمة دون القيام بواجبها، وهو المساعدة على إيجاد حل وإعادة بناء دولة بهذا البلد المغاربي، الذي مزقته الحرب. الأزمة بليبيا وفضيحة بيع المهاجرين، تعكسان أيضا هذا التذبذب والتمزق الأوربي في معالجة قضية الهجرة واللجوء، والتي غلبت المقاربة الأمنية في غياب مقاربة تنموية تجاه سكان هذه البلدان. أوروبا، مازالت بعيدة عن القيام بدورها، بين بلد اختار الانفتاح بشكل إيجابي واستقبال أكثر من مليون لاجئ خاصة من سوريا وهو ما قامت به ألمانيا، التي لم تسايرها أغلب بلدان أوروبا، التي اقتصرت على استقبال عدد محدود لا يتلاءم و مسؤولياتها وقدراتها مثل فرنسا على عهد الرئيس فرنسوا هولند، الخطاب القوي لرئيس الجديد ايمانييل ماكرون، واستدعاء لاجتماع طارئ لمجلس الأمن، وهو مؤشر على تحول في سياسة باريس تُجاه اللجوء وتُجاه حل معضلة الاتجار بالبشر، التي تقوم بها شبكات إجرامية بليبيا وإفريقيا وتستغل غياب دولة بهذا البلد، الذي لم يخرج بعدُ من حالة انهيار لمؤسساته السياسية التي واكبت سقوط النظام. ليبيا، أصبحت ممرا رئيسيا للهجرة غير المنظمة نحو أوروبا، تتم فوق أراضيها ممارسات إجرامية أخرى، تحدثت عنها مختلف وسائل الإعلام، بالإضافة إلى ممارسات العبودية، وظواهر أخرى، وهي اختطاف وحجز المهاجرين، وطلب فدية مقابل تحريرهم،وتعرفها العديد من الأسر المغربية، وهي ممارسة انتشرت وتقوم بها عدة مجموعات مسلحة، والتي تنتقم من أبناء العائلات، التي تعجز عن الدفع أو تقوم ببيعهم لمجموعات أخرى، إذا ما كانت لهم قدرات على العمل أو تكوين جيد. هذه الممارسات، يروح ضحيتها كل المهاجرين، وتم مؤخرا، الحديث بإسهاب عن المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء، لكن هذه الممارسات لا تستثني أي جنسية، وهناك تسريبات عما يتعرض له مهاجرون مغاربة وتونسيون،جزائريون ومصريون ضحايا لنفس الممارسات، من احتجاز ومطالبة بالتعويض وبيع في سوق النخاسة. لقد أصبح هذا البلد تحت رحمة المجموعات المسلحة الإجرامية، التي تنخر هذا البلد، والتي وجدت في الاتجار بالبشر سلعة رابحة في غياب أي مؤسسات قادرة على تطبيق القانون، ومحاكمة هذه الجرائم ضد الإنسانية، كما وصفها الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون،الذي قال في نفس التصريح ب «تنديده المطلق لفرنسا «، ومن الضروري أن «نذهب أكثر من ذلك لتفكيك شبكات المهربين»، وذلك بعد اجتماعه الأسبوع الماضي بباريس مع رئيس غينيا ألفا كوندي، الذي يتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأفريقي. الرئيس الفرنسي، تحدث عما كشفته «سي إن إن» «يمثل فعلا تجارة بالبشر». ، معتبرا أن هذه التجارة «تغذي الجرائم الأكثر خطورة» و»الشبكات الإرهابية» فيما «تولد 30 مليار يورو سنويا، وتمس مع الأسف 2,5 ملايين شخص،وأغلب ضحايا هذه الجرائم 80% منهم، من النساء والأطفال». المغاربة في ليبيا، يعيشون وضعية خاصة ، وصفها المركز المغربي للحقوق، حيث يتم « احتجاز نساء ورجال وأطفال،على خلفية إقدامهم على الهجرة غير الشرعية،بجريمة نكراء، تنطوي على انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان».وطالب المركز «بإطلاق سراح هؤلاء المحتجزين المغاربة»، وصور هؤلاء المحتجزون وضعهم المأساوي، الذي أصبح متداولا على تطبيقات الواتساب، التي يبعث بها الضحايا أنفسهم إلى عائلاتهم،ويبدو أن عمليات الحجز القسري هاته، يساهم فيها سماسرة مغاربة يقومون ببيع مُواطنيهم بليبيا مقابل ألف أورو، حسب شهادات لضحايا في اتصال مع عائلاتهم. وتتعرض العائلات بعد ذلك للابتزاز من خلال طلبات فدية يتكفل سماسرة مغاربة أيضا بإيصالها إلى ليبيا.وهي مطالب، خضعت لها العديد من الأسر لإنقاذ فلذات أكبادها. وهناك العديد من الشهادات لناجين من عصابات الهجرة السرية، تبيح كل الأعمال في غياب دولة ومؤسسات بهذا البلد، الذي تمزقه الصراعات. وقد أدانت جميع البلدان بيع المهاجرين بليبيا ،الذي يقوم به مهربون وشبكات إجرامية تنشط بليبيا، وتحصل على مواردَ ضخمة، أمام عجز المجتمع الدولي، خاصة البلدان التي ساهمت في القضاء على نظام القدافي.وهو ما يجعل المسؤولية قائمة وتتحملها بلدان أكثر من أخرى. لهذا فإن موقف الرئيس الجديد لفرنسا، يعبر عن رغبة إصلاح وتجاوز ما تركه أسلافه في هذا الموضوع، أي نيكولا ساركوزي وفرنسوا هولند. فرنسا من خلال رئيسها، عبرت عن رغبة قوية في نهج سياسة جديدة في مجال الهجرة واللجوء، بعد أن كانت لها سياسة منغلقة في هذا المجال.وهي نتيجة سنوات من التشدد في القوانين، وتفشي أفكار اليمين المتطرف وسط المجتمع، ففي السنوات الأخيرة، بدأت تعتبر الهجرة واللجوء ظاهرة جد سلبية. وهي وضعية تعززت بنجاح رئيس فرنسي من أصول أجنبية سنة 2007 وهو نيكولا ساركوزي المتزوج من مغنية من أصول أجنبية أيضا، لكن المفارقة ،هي أن وجود ابن مهاجر في قمة السلطة بفرنسا، نتج عنه عشرات القوانين المتشددة، خاصة في التجمع العائلي، والتي كانت تستهدف الهجرة القادمة من المغرب وباقي بلدان المنطقة.وإحداث وزارة للهوية الوطنية، والتي أججت وأعطت الشرعية لكل تيارات اليمين المتطرف الهوياتي، والتي ترى في الأجنبي خطرا، خاصة القادمين من بلدان ذات ثقافة اسلامية. الرئيس الفرنسي الجديد، الذي يحمل خطابا ليبراليا، وموقفا إيجابيا حول الهجرة وحول الاسلام، من شأنه أن يكون له تأثير على المؤسسات السياسية بفرنسا وعلى الفاعلين في مختلف المستويات، خاصة أنه تمكن من هزم الفكر «اللوبيني» على المستوى الإعلامي، من خلال مواجهة زعيمته مارين لوبين خلال الانتخابات الرئاسية، والانتصار عليها، عبر خطاب منفتح على الأجانب والهجرة وعلى ضرورة استكمال البناء الأوربي.وهي قيم أقرب إلى قيم فرنسا، وقيم ثورتها التي تعتبر نموذجا لعدد كبير من بلدان العالم. المفاجأة الأوربية في التعامل مع الهجرة واللجوء، كانت للمستشارة الألمانية انجيلا ماركيل، والتي رغم انتمائها إلى عائلية يمينية محافظة، نهجت سياسة منفتحة تجاه الهجرة، رغم الظروف الصعبة، التي تمت فيها، وهي ظروف مواجهة الإرهاب بأوروبا سنة 2015 التي تزامنت مع استفحال الوضع الأمني والعسكري بالعراق وسوريا، وتمكن تنظيم داعش الإرهابي من الاستحواذ على مساحة ترابية كبيرة وعدة مدن مهمة، جعلته يتوفر على إمكانيات لتهديد البلدان الأوربية.ورغم هذه الظروف الخاصة، نهجت ألمانيا سياسة حيال المهاجرين خصوصا اللاجئين منهم، كانت سياسة تعطى كنموذج ببلدان الاتحاد الأوربي،باستقبالها لأكثر من مليون وافد خلال سنة واحدة، لكن هذه السياسة ووجهت بالرفض من باقي البلدان الأوربية الأخرى، لاسيما بلدان أوروبا الشرقية، التي رأت فيها منافسا ليدها العاملة، التي تعتبر سوق الشغل بألمانيا متنفسا كلاسيكيا لها. ما يقع بليبيا، و تم اعتباره «جرائم ضد الإنسانية « من طرف فرنسا، هو ناتج عن غياب التعاون الأوربي في هذا المجال ومع باقي البلدان المتوسطية والافريقية، و تسبب في مآس إنسانية تعيشها ليبيا اليوم.فرنسا طرحت القضية أمام مجلس الأمن من خلال دعوتها لاجتماع طارئ، وأعلنت سياسة جديدة للجوء، وهو ما يفتح الباب أمام تعاون دولي وأوربي افريقي في هذا المجال.وهو تعاون غاب منذ انهيار نظام القذافي، وما ساد في التعامل مع الهجرة واللجوء القادمة من ليبيا، هو المقاربة الأمنية الفردية لكل بلد على حدة، وتم ترك كل الثقل على إيطاليا لاستقبال هذه الموجات من الهجرة القادمة من إفريقيا، في حين، ولأسباب داخلية، فإن كل بلد اختار إيقاف هذه الهجرة بطرقه الخاصة وعلى حدوده. وحتى القوة الأوربية التي تم انشاؤها لهذا الغرض لمراقبة السواحل الليبية، تسير في اتجاه اعتماد مقاربة أمنية محضة ، دون وضع مقاربة تنموية، ولتعاون في المنطقة من اجل إيقاف هذا النزيف البشري القادم من عدد من بلدان إفريقيا التي هي في حاجة لهذا الكفاءات لو توفر الوسائل المالية والاستثمار لإطلاق مشاريع بهذه المناطق جنوب الصحراء، التي تضررت من الحرب، ومن الجفاف الذي يمس عددا من البلدان.وهي مقاربة دعا إليها المغرب باستمرار وأصبح هو الآخر بلدا لاستقبال الهجرة القادمة من إفريقيا، لكن في نفس الوقت اصبح من أكبر المستثمرين في هذه البلدان، وذلك بمقاربة «رابح رابح» بين بلدان الجنوب بدل الاعتماد على المقاربة الأمنية وحدها التي أثبتت محدوديتها، وعدم نجاعتها رغم اعتمادها لعقود عديدة.والنموذج المغربي في التعاون جنوب جنوب، أصبح ينال الدعم الأوربي خاصة الفرنسي والألماني، مما يعني أن محور تعاون شمال جنوب نحو إفريقيا، من شأنه إيقاف هذا النزيف البشري الذي تتعرض له إفريقيا.