كعادته بعد كل عطلة صيفية ، فإن المكتب الوطني للسكك الحديدية سيوافي وسائل الإعلام ببلاغ يزف فيه حصيلته الاستثنائية والتي قد تصل إلى مليوني راكب ، ويتحدث عن التدفق الكبير للمسافرين على محطاته، وسيتحدث أيضا عن جملة من الإجراءات التي قام بها والتي تتمثل في تعبئة جميع العاملين بقطاع السكك الحديدية والإمكانيات المادية، وسيزف لنا أنه ضمن تنقل زبنائه في ظروف جيدة تتسم بالسلامة والراحة مع تقديم المساعدة للمسافرين، سواء بالمحطات أو على متن القطارات. سيحاول المكتب الوطني للسكك الحديدية تقديم صورة وردية عن قطاراتنا خلال العطلة، وقد تنطلي «الحيلة» على من لا يسافر عبر القطار فيصدق هذه التصريحات، لكنها لن تنطلي على كل من اكتوى بنار السكك الحديدية، لن تنطلي على من قضى رحلة ليلية عبر القطار من وجدة إلى الدارالبيضاء أو في الاتجاه المعاكس مكدسا في عربات غاب عنها التكييف، لن تنطلي على من وجد نفسه مضطرا لحبس أنفاسه ساعات الرحلة الطويلة بعد أن تعذر عليه استعمال مرحاض القطار الذي أصبح في وضعية مزرية! لن ينطلي الخطاب ومحاولات تبييض الواجهة على من قضى ليلة كاملة في عربات مضاءة لايمكن أن تستعمل في الرحلات الطويلة مابين وجدةوالدارالبيضاء أو بينمراكشوطنجة ليطلع الصباح وقد أصابته «الشقيقة» . لن ينطلي الخطاب عمن بات ليلة كاملة يرتعد من شدة البرد أو وجد صعوبة في التنفس من شدة الحر.. إنها قطاراتنا التي «تبيض ذهبا» للمكتب الوطني للسكك الحديدية، قطاراتنا التي أصبحت تفتقر لعناصر الأمن الخصوصي وخدمات الأعوان الذين يراقبون تشغيل تجهيزات العربات. فيكفي أن يمتطي السيد الخليع القطار من مراكش في اتجاه مدينة فاس أو من مراكش نحو طنجة أو من الدارالبيضاء نحو وجدة في الاتجاهين ، ليكتشف المعاناة الحقيقية التي يعيشها الركاب طيلة مدة الرحلة! يكفيه أن يأخذ مقعده، إن وجده أصلا، ليتصبب عرقا أو ليرتجف من شدة البرد في رحلتي الصيف والشتاء مادامت المكيفات جميعها عاطلة! يكفيه أن يخالط المسافرين ليستمع إلى قصص معاناة حقيقية لزبناء أوفياء للسكك الحديدية رغما عنهم حيث لابديل إلا الاستسلام للأمر الواقع. يكفيه ركوب المقطورات المستوردة من بلاد الوقواق للاستمتاع بالروائح «الزكية» المنبعثة من المقاعد الإسفنجية والغبار المنبعث منها حيث يتوجب عليه تثبيت لوحة ممنوع دخول مرضى الحساسية، فرحلة ليلية على متن قطارات الخليع كافية بأن تضمن مقام أسبوع في مصحة خاصة! إنها قطاراتنا التي بشرنا بها السيد الخليع، إنها قطارات لم تعد تراعي حاجيات المسافرين مادامت « الحركة دايرة والفلوس داخلة والمراقبة غايبة..». فبشرى للسيد الخليع بزبائن قطاراته التي تتحول صيفا إلى حمامات شعبية وشتاء إلى ثلاجات متحركة... أطلب من سيادة وزير النقل أن يتفضل مشكورا للاستمتاع باستعمال القطار في التنقل بين المدن ليكتشف أن الفصول الأربعة تمر في رحلة واحدة فقط، وأن درجة ارتفاع أو انخفاض الحرارة تخضع لأهواء بعض المراقبين، وأن المسافرين يجدون أنفسهم محاصرين داخل العربات لمدد متفاوتة من الزمن من دون اعتذار أو توضيحات. فالمسافرون الملتزمون بمواعيد عمل أو عائلية أو غيرها يضعون أيديهم على قلوبهم لمعرفة مدة التأخر عند سماع الصوت الناعم يقول عبر مكبر الصوت « سيداتي ساداتي، انتباه من فضلكم» فكلمة انتباه تعني بشكل مباشر تأخر القطار. تأخر القطارات يردونه إلى الأعطاب الناتجة عن تلف بعض المعدات، وإلى سرقة الأسلاك النحاسية وحالات الرجم بالحجارة والحوادث التي تقع بعض الأحيان على السكة الحديدية وأشغال الصيانة واكتظاظ المسافرين في المحطات، خاصة أيام الأعياد والعطل . ماذا لو سألنا ال 26 مليون مسافر التي قيل لنا بأنها استقلت القطار سنة واحدة لنسألهم بعيدا عن مكتب الدراسات الدولي، وبعيدا عن المجاملات التي تطبع حديث البعض إلى المكلفين بالاتصال بالمسافرين، الجواب هو التذمر من الخدمات وحالات التأخر وبالرغم من ذلك يتم استعماله خوفا من حوادث السير ، فالكلمة الوحيدة التي يمكن تصديقها أن قطاراتنا تبقى على الأقل آمنة وذلك مايشفع لها عند المواطنين، فالمواطن يعرف جيدا أن معاناة تنتظره عند السفر عبر القطار، لكنه يفضل أن يعاني خلال خمس أو ست ساعات أو الليل كله، على أن يغامر بركوب حافلة ركاب يسابق سائقها الريح لتصبح الوجهة هي الآخرة عوض محطة الحافلات المقبلة.