احتفى جمع من النقاد المغاربة، مساء الثلاثاء الماضي بالرباط، بمسار الكاتب محمد برادة، بوصفه «أستاذ جيل» مؤسسا في حقل النقد الأدبي، ومبدعا مجددا أثرى الخزانة الروائية المغربية. وفي لقاء حاشد بجمهور الأدب في رحاب المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، تعاقبت شهادات النقاد من مواكبي تجربة برادة وتلامذته لترسم معالم تجربة نقدية وإبداعية متميزة تواصل العطاء على مدى أزيد من نصف قرن، بحماس إيمان لا ينفض بدور الثقافة في المجتمع. ووصف نجيب العوفي المحتفى به، الذي توج قبل أيام في الدوحة بجائزة كتارا للرواية العربية عن روايته «موت مختلف»، بأنه رائد مؤسس للنقد الأدبي المعاصر في المغرب، يعده رديفا لمحمد مندور ودوره التأسيسي في ساحة النقد الأدبي بمصر. وقال العوفي إن برادة «أتى الإبداع بعد صولات في حقل النقد والترجمة، جاء وهو العارف بأسرار النصوص الذي تمثل أحدث المناهج دون انبهار، مع أن المبدع كان ثاويا فيه على مدى مسيرته الطويلة». ورأى أن إبداع برادة يغوص في الجغرافيا السرية للمغرب العميق، مسائلا بنياته ونظام علاقاته. وتناول سعيد يقطين جدل الثقافي والسياسي في مسار محمد برادة، الذي اعتبر أنه يمثل جيلا بكامله، هو الجيل الوطني الديمقراطي، الذي عايش مرحلة التخلص من الاستعمار ومخاض بناء دولة ومجتمع حديثين بعد الاستقلال. ولاحظ يقطين أن برادة انتصر للرهان الثقافي، مسجلا أن كل الأجيال الجديدة خرجت من معطف برادة، الذي اضطلع بدور رائد من خلال عدة واجهات من أهمها صحيفة «المحرر» واتحاد كتاب المغرب ومجلة «آفاق». واعتبر يقطين أن رواية «لعبة النسيان» تشكل مرحلة فارقة في تجربة الأديب المغربي كرست أولوية الرهان الثقافي في مقاربة أسئلة الدولة والمجتمع، مشددا على ضرورة وصل العلاقة مع «الأب» بالنسبة للمبدعين والنقاد الشباب. ومن جهته، توقف إبراهيم الخطيب عند علاقة محمد برادة بمصر، من خلال كتابه «مثل صيف لن يتكرر» مستخلصا أوجه الالتقاء والاختلاف مع تجربة التهامي الوزاني الذي كتب هو الآخر عن مصر من وحي إقامته هناك. وتابع الخطيب تحولات فكر برادة من متحمس للتجربة الناصرية إلى ناقد لأخطائها. وتوج برادة اللقاء التكريمي، الذي أداره سعيد بنكراد، بكلمة عرض فيها أهم العناوين الكبرى التي طبعت تجربته في عالم الأدب والثقافة. وعاد إلى البدايات، موضحا أن انتماءه إلى جيل مخضرم عاش ظلام الاستعمار وبشائر الحصول على الاستقلال أفرز «تسيسا» مبكرا جعله، وأبناء جيله، يكتشف العالم من خلال اللغة العربية ضدا على التهميش الممارس عليها من قبل المستعمر، ومن هنا كان الإقبال على الإنتاج الأدبي والفكري المشرقي. وفي هذا السياق التاريخي، اعتبر برادة أن الالتزام كان أفقا طبيعيا لأبناء جيله دفاعا عن قيم وطنية وتاريخية ولغوية في وجه محاولات الطمس والتدجين. واستعراضا لمساره الروائي، توقف برادة بشكل خاص عند عنصر الذاكرة الذي يحضر بقوة في نصوصه، موضحا أن هذا التوجه لا يروم تثبيت الأشياء وتأريخها، بل لأن الذاكرة «تسعفنا على أن نعيد عيش ما عشناه بشكل مختلف» عبر عنصر التخييل. لقد أتى برادة إلى الرواية لأنه خلص، على حد قوله، إلى أن التعبير عن الذات لا يتحقق إلا من خلال عمل إبداعي ينهل من تجربة الذات في الحياة. وشكل اللقاء مناسبة لتقديم كتاب جماعي صدر حديثا عن «دار الأمان»، نسق مواده الناقد محمد الداهي بعنوان: «البحث عن الذات بين جيلين»، يتضمن حوارات وقراءات حول تجربة الأديب محمد برادة.