الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    كأس إفريقيا لكرة القدم للسيدات المغرب 2024.. لبؤات الأطلس في المجموعة الأولى مع الكونغو الديمقراطية والسنغال وزامبيا    طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المغرب    صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين        افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    وهبي: أزماتُ المحاماة تقوّي المهنة    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال        مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    الرابور مراد يصدر أغنية جديدة إختار تصويرها في أهم شوارع العرائش    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    تفكيك شبكة تزوير وثائق السيارات بتطوان    زَمَالَة مرتقبة مع رونالدو..النصر السعودي يستهدف نجماً مغربياً    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سامح درويش للملحق الثقافي: الثقافة هي الحصانة الأولى ضد اليأس الشعرية العربية هي أقرب ما تكون إلى عمق الهايكو

خطابه الشعري محمل في الغالب بقدر وافر من الحكمة وإن كانت تقف على طرف نقيض من ظنية الشعر ، يكتب قصيدته على خلفية قانون الندرة محاولا قول الكل بالجزء ، وكأني به يحاول التدليل على أن قطرة الماء كافية للتأشير على المحيط القادمة منه.
رهان جمالي يسير في أفق تجويع اللفظ وإشباع المعنى ، وهو رهان مغامر بمعناه . غير أن هذه المخاطرة لها نتائج إيجابية إذا استحضر قارئ سامح درويش أنه شاعر يكتب بالمحو كما بالحبر.
عن خياره الشعري والجمالي وعن الخريف والكتابة الشذرية وشعر الهايكو والمعرض المغاربي للكتاب في وجدة ، كان لنا مع الشاعر سامح درويش الحوار التالي .
p المبدع سامح درويش ما الذي يمثله المعرض المغاربي للكتاب بالنسبة إليك كشاعر وكفاعل أدبي وثقافي في شرق المغرب ؟ وما هي انعكاساته على المشهد الثقافي في المنطقة الشرقية ؟
n لا يمكن أن يجادل أحد في كون المعرض المغاربي للكتاب مبادرة ثقافية وتنموية رائدة ، تستجيب لنداءات مثقفي ومبدعي جهة الشرق الذين ترافعوا طويلا من أجل تظاهرة بهذا الحجم وهذا العمق الذي يليق بمدينة وجدة الألفية بوصفها فضاء بذاكرة وعمق مغاربيين .. إنه موعد لتجسير التواصل والعلاقة التاريخية بين مبدعي وأدباء وفناني الفضاء المغاربي وكذا بين مؤسساته الثقافية ، موعد للتفاعل الطبيعي بين الأشقاء، موعد يعيد إلى الأذهان ذلك الحلم الوحدوي الذي لا يفتر في الوجدان الشعبي المغاربي . لذلك فإنني أعتقد أنه ينبغي الحفاظ على هذه التظاهرة ودعمها و تحصينها من كل أنواع المزايدات والذاتيات وتحويل وجهة البناء نحو اغتنام المعرض فرصة لتصفية الحسابات ونسج البهاتين . إن الارتقاء بمناشط هذه التظاهرة وفعالياتها هو مسؤولية مثقفي ومبدعي جهة الشرق أولا، ومسؤولية مختلف مؤسسات الجهة ذات الصلة بالشأن الثقافي وليس فقط المؤسسة التي اتخذت المبادرة، بل وحتى المؤسسات المعنية بالشأن التنموي للجهة، إذ من المؤمل أن يكون للمعرض المغاربي للكتاب في نسخه القادمة وقعٌ على انتعاش الحياة الثقافية بالجهة أكثر فأكثر، وعلى دعم صناعة الكتاب وترويجه، وعلى تسويق صورة مشعة لجهة الشرق، وتثمين الطاقات والتجارب الإبداعية الجهوية الجديرة بالتثمين .. ولن تفوتني الفرصة في هذا المقام أن أوجه تحية لكل ضيوف المعرض المغاربي للكتاب في دورته الأولى من الفضاء المغاربي ومن خارجه على مشاركتهم في هذا الفعل التأسيسي بأريحية وتواضع، وأن أوجه تحية مماثلة لناقلي خبرة مثل هذه التظاهرات إلينا في شرق المغرب، في أفق تملك وتحصيل هذه الخبرة في التخطيط و البرمجة والتنظيم.
p كرئيس لتظاهرة «الموكب الأدبي» تنظم كل سنة تظاهرة ثقافية أساسية فاعلة ولها برنامج لنشر الأعمال حيث نظمت في العام الماضي ملتقى دولي لقصيدة الهايكو العربي . حدثنا عن هذه التجربة ؟
n « الموكب الأدبي» الذي هو مقبل سنة 2018 على نسخته السادسة، هو فكرة تمت هندستها في الأصل لربط الثقافة بالتنمية، والعمل على إعطاء التنمية المحلية والجهوية بعدها الثقافي والمعرفي، وهي تظاهرة تشارك فيها عادة مختلف الأطياف والتعبيرات الثقافية بالجهة وخاصة بمدينة وجدة، باعتبارها فرصة للقاء والتدوال في القضايا الثقافية بالجهة ورسم الخطوط العريضة لتطويرها والارتقاء بها . «الموكب الأدبي»موعد ثقافي يترسخ بهدوء في جهة الشرق للوطن، موعد للتفاعل الثقافي الرفيع، ومناسبة لتثمين رأسمالنا اللامادي والكشف عن جانب من إٍرثنا الرمزي الذي يشكل أحد أوجه ثروتنا، وإحدى روافع الإقلاع التنموي لجهتنا وبلدنا .. «الموكب الأدبي» يشتغل عادة على موضوعة – تيمة – في كل دورة، فتكون أهم فقرات الموكب في كل مرة تنظيم معارض فنية وتشكيلية ذات صلة بموضوع الدورة يكشف فيها فنانونا ومبدعونا عن قدراتهم الفنية الهائلة التي آن الأوان أن يتم تقديمها للجمهور المغربي العريض بالعمل على تنقل هذه المعارض في عدد من المدن المغربية، كما يتم في كل دورة تنظيم ندوة علمية حول الموضوعة المختارة، تكون مرفقة بتقديم منشورات الدورة التي تتكون عادة من باقة ( كوفري) من 10 كتب حول التيمة ذاتها، ليتم في اليوم الأخير من الموكب تنظيم القافلة / الموكب من مجموع الضيوف والمبدعين بالجهة من مدينة وجدة إلى منتزه تكفايت الذي يتخذ منه الموكب الأدبي فضاء ومتحفا تحت سماء مفتوحة لمنحوتاته الضخمة، وكذا نقطة لاختتام فعاليات الموكب الأدبي في كل دورة .. هذا وقد تم على سبيل المثال في النسخة الرابعة 2016 الاحتفاء بشعر الهايكو بحضور شعراء هايكو مرموقين من عدد من الدول العربية والأوروبية .. لذلك فإن تظاهرة « الموكب الأدبي» تحتاج باستمرار الى احتضان ودعم من يثقون فيه .
p أراك لا تزال مؤمنا بالدور الحيوي الذي يمكن أن تلعبه منظمات المجتمع المدني في النهوض بالوضع الثقافي وفي تطوير العمل الأدبي في المغرب ؟ ألم تيأس أمام المصاعب والإمكانات المحدودة التي يتطلبها هذا العمل ؟
n الثقافة هي الحصانة الأولى ضد اليأس، وهي مولد أساسي للأمل، ولا مستقبل بدون أمل، انطلاقا من هذه القناعة يبدو أن لا مبرر للمثقف والمبدع في اليأس، لأن له أشكالا وصيغا مختلفة ولامحدودة للتدخل والفعل والتأثير، وبقدر تتدفق الثقافة والفنون في شرايين المجتمع بقدر ما يذوب ويندحر اليأس. تلك هي الخلفية الفكرية التي قوّت إيماني بأدوار أنسجة المجتمع المدني في ضخ المضامين الثقافية في أي نموذج تنموي، ذلك لأن الانخراط الفعلي لأي بلد ما في الأفق التنموي رهين في نظري المتواضع بالحسم في مسألتين: المسألة الثقافية و المسألة الديمقراطية. على اعتبار أن المعادلة التنموية هي حصيلة تفاعل بين عناصر تاريخية وعوامل سوسيو ثقافية وسياسية واقتصادية متشابكة؛ هي نوع من الكيمياء التاريخي الذي يحدثه فاعلون مهرة؛ مستوعبون لشروط المناجزة، مستغورون لكيانهم الحضاري، مدركون لحاجيات مجتمعهم، قريبون من نبض شعبهم، فالتنمية لا يمكن أن تكون مصطنعة أو ملفقة أو مستوردة بشكل جاهز، فهي اليوم بمثابة شرعية حداثية يتوق إلى امتلاكها أي حاكم أو قائد يحترم عصره.وهي أيضا مشروع مجتمعي متكامل البنيان تتداخل فيه مواد البناء الثقافي والسياسي والاقتصادي.. إننا في حاجة حقيقة وضاغطة لربط التنمية بالثقافة والاستثمار في هذه العلاقة بينهما بشكل حقيقي واسترتيجي .. أكيد أن الوعي بالمسألة قد بدأ يتشكل لدى بعض مؤسساتنا، الأمر الذي يشكل لدينا رهانا أساسا للتغلب على ضعف ومحدودية الإمكانات في حقول الفعل الثقافي والفني.
p كيف يمكننا في الساحة الشعرية العربية اليوم – أن نكتب قصيدة موجزة مثل الهايكو، ظهرت ونبتت في تاريخ أدبي مختلف وفي الحضارة اليابنية التي لها خصوصياتها ؟ هل يمكن أن ينجح مشروع شعري كهذا في المغرب وفي العالم العربي وكيف ؟
n لتنفق أولا، أن الهايكو بالرغم من منشئه الياباني قد أصبح اليوم مكونا جماليا في مختلف الشعريات واللغات العالمية، وأن الشعرية العربية هي أقرب ما تكون إلى عمق الهايكو، أولا نظرا لانتمائها عموما إلى مناخ الفلسفات الشرقية وجمالياتها، وثانيا لأنها في الأصل شعرية البيت الواحد في نفسيْن، وشعرية مشهدية بامتياز، ناهيك عن إفرازها المستمر إلى أشكال التكثيف الشعري والفني ،بدءا من التوقيعة والرباعيات إلى الشذرة والومضة الشعريتين المتاخمة كلها لشعر الهايكو.. ولعل نجاح تجربة الهايكو العربي اليوم هو في إمكانية نجاح هذا اللون الشعري في النفاذ إلى الذائقة الشعرية العربية، وفي إمكانية مد جسور جديدة بين الشعر العربي وجمهوره من خلال توفير فرصة لطرح أسئلة عميقة على النموذج الشعري العربي، ومحاولة الانخراط في أفق مستجد لتحديث البلاغة العربية، وتجديد أدواتنا الجمالية بما يمكن أن يساهم في تحرير القصيدة العربية من النموذج التقليدي شبه المقدس، وفتح أفاق للاتحام والتفاعل مع الشعريات العالمية. فالشعر هو في النهاية شحنة إنسانية تتفاعل مع وضعيات الإنسان وتتخذ أشكالها المناسبة من هذه الوضعيات بالذات، ومن هنا فإن الشعر جوهر وليس معطى عارضا، الشعر ليس أصباغا بل هو الوجه الصميم ، فكلما أزيلت الأصباغ عن وجه الوجود الإنساني ظهر الشعر وتجلى لأنه يرتبط بالحقيقة و يعبر عنها، من هنا يظل الشعر قادرا على حماية نوعه و الاستمرار بالصيغ والأشكال التي تلائم جوهره، ومن هنا أيضا يظل الشعر مرتبطا بالوجود الإنساني على هذا الكوكب أوغيره، لذلك فإن الشعر هو من الطاقات الرمزية المتجددة، ولذلك سيستمر الشعر بمآزقه وتوثباته .. إنني ممن يؤمنون بقدرة الشعر العربي الدائمة على التجدد ومقاومة أسباب ترهله، وأسباب أي عجز محتمل بسبب المحافظة والتحنيط الشكلي .. فالشعر هو حالة وجود تستمر بصيغ وأشكال وأدوات مختلفة،ولا يمكن إطلاقا كبح توثبه الدائم و تسييج فضاءاته اللامحدودة .. وما الهايكو إلا واحدة من هذه التوثبات .
p من السمات التي طبعت الثقافة العربية احتفاؤها بالامتلاء والاكتمال ، ولكن تجربتك تأتي ضد هذا الأفق الجمالي ، حيث تحتفي بالنقص، هل هذا يعني أنك تكتب بالبياض كما بالحبر وبالصمت كما بالكلام ؟
n من المؤكد جماليا أن لنقائض الأشياء حضورها القوي أيضا إذا توفر لدينا الوعي الفني لإدراك هذا الحضور والاستمتاع بتمظهراته، ومن المؤكد أيضا أن الفنون تتألق وهي تتوق إلى الاكتمال، أي بما لم تستطع بلوغه بتقنياتها المختلفة التي تؤطرها شروط تاريخية، ثقافية وفنية موضوعية .. من هنا فإن وصول المتصوفة مثلا إلى المحو هو نضج عال في اتجاه ذلك الأفق الجمالي اللامتناهي، و أن الاحتفاء بالنقص هو في عمقه توق إلى الاكتمال العصي على التحقق باستمرار، عدا أنه احتفاء بالمساحات الفارغة/ الآهلة بالأسئلة التي من شأنها أن تشق باستمرار أيضا مسالك مبتكرة للكتابة والإبداع .. لذلك فإنني أصل أحيانا إلى أقصى هذا الاحتفاء بالنقص باعتبار أن الشعر يمكن أن يتحقق حتى من دون لغة، ولذلك أيضا يمكن اعتبار البياض أحيانا لغة كونية حرة يملؤها كل من الشاعر والمتلقي بما يريد، وما يترجم فراغاته..
p هذه الكتابة بالبياض هل هي قدرة أم عجز، مواجهة أم هروب ، حضور أم غياب ، وإذا تحدثنا عن بياض الكاتب ماذا عن بياضات القارئ، وهل البياض مجرد بذخ جمالي ، أم هو قدرة على التكثيف والتركيز ؟
n البياض هو توأم السواد، وكلاهما يحيل على الآخر وينضج به، الأبيض والأسود لونان وجوديان بامتياز يحملان معا براءة الكون، وهما في اعتقادي أقدم الألوان التي تليق بالفراغ وبتلوين الحالات المبكرة للوجود ( نور وظلمة)، لذلك فإن الكتابة بالنسبة لي هي محاولة لإعادة الأشياء إلى براءتها الأولى، وبالتالي المؤاخاة بين البياض والسواد بما يتيح أفقا رحبا وحرا للمخيال واستكشافا لوظائف الحواس وبالتالي للنص، .. لذلك فإن الكتابة بالبياض هي «الكونتراست « الجمالي للكتابة بالسواد، وهي الطاقة المتجددة لإضاءة الفراغات القائمة في كل من ذات الشاعر وذات المتلقي معا، هي القوة الجامحة لتخطي حواجز العجز أمام الكمال والاكتمال، هي مقاومة ضد مكننة الإنسان ، هي حضور للإبداع بدل المبدع ، هي حضور للنص بدل النّاص، هي ترياق بيولوجي وجمالي ضد هيمنة وانتفاخ ذات المبدع وتورمها .. من هنا فإن الكتابة بالبياض ليست بذخا جماليا ولا أكسسوار إبداعي أو مظهر ل « صنوبيزم» أدبي امتيازي، بل هي انتماء لأسئلة وجودية غائرة، واحتفاء بالإنسان في جوهره الإنساني المؤطر بقوانين الطبيعة ونواميس الوجود، هي مهارة التكثيف الجمالي ضد إي إسهاب لم يعد يناسب وضع الإنسان المعاصر.
p الحبر في الثقافة العربية هو لون الانتماء والبياض وهو لون الفراغ والغياب ولكن هذه المفاهيم تغيرت في الكتابة الشذرية حيث أصبح قارئ الحبر دون بياضه قارئ أعمى ، كيف تقيم الكتابة بالبياض من خلال تجربتك في الكتابة الشعرية ؟
n لقد أسالت كلمة حبر حبرا كثيرا في آداب اللغة العربية، وفتقت مجازات وصورا لا محدودة في شعر العرب ونثرهم، والعجيب أن الكتابة بالحبر قد ارتبطت في ثقافتنا بعملية المحو والكتابة من جديد، بمعنى تأكيد الانتماء إلى النقيض ( البياض عادة)، وتجاوز هذا الانتماء عبر عملية المحو من أجل كتابة جديدة ، من هنا يحتمل الحبر ( الأسود عادة) معنى التوق إلى تحقيق درجة متقدمة من البياض، أي من الفراغ باعتباره منجما لا متناهيا للخلق والإبداع، هذا هو مكمن «السوكوس» في النموذج الشعري العربي التقليدي، ومكمن السر في الكتابة الشذرية و في الهايكو، وفي قصيدة النثر عموما، حيث تتخذ البياضات منحى لإعطاء دلالات إبداعية للفراغات، وحيث يتم حفز المخيلة على التحرر من طرائق اشتغالها التقليدي لدى الشاعر والمتلقي معا.
p سبق للنفري أن قال «إذا اتسعت الرؤية ضاقت العبارة « هل هذا يعني أن الصمت أبلغ من الكلام ، وأن السكوت قول بالإحجام عن الكتابة ؟
n صدق النفري .. إنه التحدي الدائم أمام الكتابة .. إنه رهان الإبداع الأبدي للتغلب على ضيق اللغة إزاء اتساع الرؤية، والاشتغال على تطويع الكلمات لاستيعاب الرؤية ..
p صدرت لك أعمال شعرية في الفترة الأخيرة، ما هي محددات الخيار الجمالي الذي يوجه عملك الشعري أساسا ؟
n إنني أعتبر دائما أن الشعر هو جوهر وعمق مشروعي الأدبي مهما تعددت أشكال الكتابة وتنوعت أجناسها في تجربتي، فقد تعمدت مع مطلع سنة 2016 أن أصدر ثلاثية شعرية متشابهة في لون أغلفتها لكنها تختلف في متنها وفي حساسياتها الشعرية، حيث يستثمر ديوان» كتاب شطحات الدرويش» تراثنا الصوفي من خلال التجديد في الصورة الشعرية ومنحها أفقا بلاغيا مفتوحا على الهدم وإعادة البناء، فيما يقدم ديوان « برشاقة أكروبات» تطور تجربتي في قصيدة النثر من خلال الاشتغال على المشهدية كنسق للصور الشعرية، أما مجموعة « خنافس مضيئة» فتقدم تجربتي البكر في الهايكو التي وجدتها تعكس تطورا طبيعيا في تجربتي الشعرية من حيث الجنوح إلى التكثيف و الاقتصاد في استعمال اللغة، وتلمس إمكانات جديدة للبلاغة العربية قبل التخفف من أثقالها وزخرفاتها لفائدة البساطة الجمالية، والكتابة بظلال الكلمات أحيانا..
p استعدادا للموسم الثقافي المقبل ، ماهو مشروعك الشعري القادم ؟
n في الحقيقة، إن تقليد افتتاح الموسم الثقافي بالأشكال والاحتفاء المطلوب لم يترسخ بعد في بلادنا كموعد لانطلاق المشاريع الثقافية الجديدة، ويبدو لي أن على كل المؤسسات ذات الصلة بالشأن الثقافي والصناعات الثقافية أن تهتم بهذه المناسبة وتستثمر فيها وتوليها ما تستحق من العناية، وتأتي وزارة الثقافة والاتصال في مقدمة هذه المؤسسات التي يمكن أن تجعل من افتتاح الموسم الثقافي حدثا وطنيا يقدم الأجوبة للأسئلة الثقافية المطروحة، ويحتضن المشاريع الإبداعية والثقافية ذات الوقع .. أما بالنسبة لي فإنني كباقي الكتاب المغاربة في انتظار وضوح الرؤية لدى الوزارة لدعم نشر الكتاب وترويجه .. في انتظار صدور أربعة أعمال شعرية خلال ما تبقى من السنة الجارية و النصف الأول من سنة 2018، الأمر يتعلق بمجموعة هايكو بعنوان « ما أكثرني، مع قطرات الندى أتقاطر» عن دار النشر « الموجة»، وبديوان يتضمن آخر نصوصي في قصيدة النثر بعنوان « كأي جدول في المنحدر» عن دار النشر أبي رقراق، وبمجموعة هايكو مشتركة مع الشاعر العراقي الرائد عبد الكريم كاصد عن منشورات» الموكب الأدبي»، و أخيرا « مختارات هايكو « مترجمة إلى اللغتين الفرنسية والإنجليزية التي من المنتظر أن تصدر مع رأس السنة عن منشورات فرنسا «نيوزيس « بباريس.
p نستقبل هذه الأيام فصل الخريف باعتباره زمنا طبيعيا يحيل على النهاية والختم المعلن لموسم كامل، ولكنه يتزامن أيضا وبشكل مفارق مع بداية موسم ثقافي مقبل، فكيف تنظر لهذا الفصل تحديدا، وهل يشكل نوعا من القلق بالنسبة إليك ومن خلال كتاباتك أيضا ؟
n من المؤكد أن افتتاح الموسم الثقافي الذي يصادف فصل الخريف، يشكل فرصة لوضع المسألة الثقافية موضع تساؤل ومعالجة، ومناسبة لتقديم البرامج والمخططات للارتقاء بالفعل الثقافي .. إنها محطة من المفروض أن تتحدث فيها مختلف المؤسسات ذات الصلة بالثقافة رسميا ومدنيا، ففي هذا الصدد من المنتظر أن تتفاعل الوزارة الوصية مع انتظارات الفاعلين الثقافييين في مختلف حقول الثقافة والإبداع، ومن المنتظر أن يطرح اتحاد كتاب المغرب في مؤتمره الوطني خلال شهر نونبر القادم السؤال الثقافي وإكراهاته التنظيمية والمادية، ومن المتوقع أن تعلن دور النشر عن جديدها و تقدم مختلف المؤسسات والجمعيات الثقافية ما أعدته للموسم الثقافي الجديد .. هكذا يمكن أن نتحدث عن تقاليد لافتتاح الموسم الثقافي .. أما بالنسبة لي فإن الكتابة تختلف حقا في هذا الفصل على اعتبار أنني جزء من الطبيعة، أتفاعل معها و أتأثر بمؤثراتها وأخضع لقوانينها . ولا أخفيك أن فصل الخريف هو أحب الفصول لدي، فيه أستنشق معنى وجودي بعمق، فيه أستمتع بالتحول في الكون، وفيه أشعر بطعم الكتابة في لسان اللغة .. وقد عمق الهايكو هواية التأمل لدي في تعاقب الفصول، وما يحدثه ذلك من تغيير وتحول وتنوع في مشاهد الطبيعة حوالينا، وبشكل خاص فصل الخريف الذي يتيح لنا ربط الأعلى بالأسفل، أي ربط السماء بالأرض، ففي هذا الفصل « تتجمهر أوراق الخريف بدون ترخيص» ، وفيه « تسقط أوراق التوت بحسن نية» ، وفيه « تلعب أوراق توتنا مع أوراق مشمشة الجيران» .. يعجبني الخريف أيضا بهزيم رعوده ووميض بروقه، حين ترتطم السحب وكتل الهواء لتخاطب كياننا البشري برهبة .. « أنا الآن بخير، هذا الهزيم هو ما كان ينقصني « .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.