تواجه تونس تهديدات أمنية متواترة، خلال فترة الاستعداد للعملية الانتخابية التي ستبدأ بالنيابية ثم الرئاسية نهاية هذا العام، الأمر الذي دفع بأجهزة الأمن التونسية إلى تكثيف حملاتها ضد العناصر التكفيرية. تواترت، في الفترة الأخيرة، تقارير أمنية تحدثت عن تهديدات إرهابية وشيكة تواجه الدولة التونسية، من بينها التحضير لعملية كبرى أطلقت عليها المجموعات المسلحة التي ستشارك فيها تسمية «النفير العام»، وتستهدف مراكز حساسة في الدولة. وذكر المركز التونسي لدراسات الأمن الشامل أن أكثر من 4 آلاف عنصر إرهابي اخترقوا مختلف مؤسسات الدولة وأجهزتها بما فيها الأمن والجيش خلال فترة حكم حركة النهضة الإسلامية استعدادا للقيام بعملية إرهابية كبرى أطلقوا عليها «يوم النفير العام». يأتي ذلك في وقت تستعد فيه تونس لإجراء الانتخابات البرلمانية ( 26 أكتوبر) والرئاسية (23 نونبر) والتي يحذر خبراء أمنيون من أن تستغلها الجماعات المتطرفة للقيام بهجمات إرهابية. وقال عضو الهيئة التأسيسية للمركز والمكلف بدراسات الأمن العقائدي فريد الباجي إن «يوم النفير العام» هو جزء من مخطط إرهابي كبير رسمته الجماعات الإسلامية المتشددة يهدف إلى القيام ب50 عملية إرهابية في عدة مواقع حساسة وفي يوم واحد وفي توقيت واحد يشارك فيه زهاء 16 ألف إرهابي من جنسيات مختلفة تونسية وجزائرية وليبية وصومالية. وأوضح أن المركز توصل بالتنسيق مع الجهات الأمنية إلى معلومات موثوقة تؤكد أن «يوم النفير العام» ستشارك فيه أيضا أكثر من 180 خلية نائمة تنتظر تاريخ وتوقيت تنفيذ العملية الإرهابية، وأن الجماعات الإسلامية المتشددة ستعلن إثر تلك العملية عن «فتح تونس» وإعلانها «إمارة إسلامية» تابعة لتنظيم «الدولة الإسلامية». وكانت وزارة الداخلية التونسية أعلنت، منذ أيام قليلة عن إحباطها لمخطط إرهابي وصفته ب«الكبير» يستهدف منشآت عامة حيوية وثكنات عسكرية ومراكز أمن ومقرات بعثات دبلوماسية ونزل ومقرات أحزاب سياسية، كما يستهدف اغتيال عدد من الشخصيات السياسية والإعلامية. ولم تقدم الوزارة آنذاك إيضاحات كافية حول المخطط وفضلت لأسباب أمنية التكتم عن الجهات التي تقف وراء المخطط ،وعن توقيت تنفيذه واكتفت بالإشارة إلى أنها فككت خلية إرهابية بحوزتها أسلحة ووثائق اعترف عناصرها بأنهم يعدون للقيام بعدة هجمات إرهابية في توقيت واحد لإدخال الفوضى في البلاد. وتشهد البلاد منذ سقوط نظام زين العابدين بن علي ووصول حركة النهضة الإسلامية إلى سدة الحكم، عمليات إرهابية طالت العديد من الجنود التونسيين، تركزت أساسا في غرب البلاد وشمالها. وكانت آخر العمليات تلك التي وقعت في يوليوز الماضي وأسفرت عن مقتل أكثر من 16 عسكريا في القصرين غرب البلاد. هذه العمليات المسترسلة من قبل المتطرفين وتواتر المعطيات عن تهديدات أمنية أخرى وشيكة خلال الحملة الانتخابية التي ستشهدها البلاد، دفعت بأجهزة مكافحة الإرهاب إلى تكثيف نشاطاتها وتمكنت خلال الفترة الأخيرة من القبض على عشرات العناصر الإرهابية التي تنشط ضمن خلايا تتكون بين 3 و7 أشخاص، غير أنها لا تعلن إلا عن البعض لأسباب أمنية. مخطط إرهابي ويرى متابعون أن هذه الحملات التي تشنها قوى الأمن في عدد من المناطق التونسية تبقى دون المأمول في ظل تغافل بعض الأطراف الموجودة في سدة الحكم عن التهديدات التي تحيط بالبلاد، فضلا عن غياب الوسائل اللوجيستية وحتى القانونية لدرء خطر المتطرفين على غرار قانون الإرهاب الذي لم تتم المصادقة عليه حتى الساعة من قبل مجلس النواب الذي تملك حركة النهضة الإسلامية الأغلبية فيه. ويخشى المحللون من أن تكون المرحلة المقبلة موجهة ضد المدنيين ، خاصة وأن هناك معطيات أمنية تؤكد أن عديد المراكز التجارية الكبرى ستكون من بين النقاط التي سيقع استهدافها. ويؤكد فريد الباجي عضو المركز التونسي للدراسات على أن «تزايد خطر المجموعات الإرهابية في تونس يعود إلى وجود خطأ استراتيجي ارتكبته حكومة الائتلاف الثلاثي السابقة التي كانت تقودها حركة النهضة بإعطائها غطاء سياسيا للجماعات الإسلامية المتشددة التي لا تؤمن بالديمقراطية ولا بالدولة، وإنما تعمل على إعلان ما تقول الخلافة الإسلامية وتطبيق حدود الشريعة مثلما يحصل الآن في المناطق التي تقع تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية». وشدد على أن «الدولة ستبقى عاجزة عن محاربة ظاهرة الإرهاب طالما تواصل التعامل معها بطريقة رعوانية»، مطالبا بوضع «خطة وطنية استراتيجية لاجتثاث الخلايا الإرهابية» تشارك فيها مختلف الجهات المعنية من وزارة الداخلية والجيش والحكومة والخبراء. وتزايدت خلال الأسابيع الماضية مخاوف التونسيين من خطر الجماعات الإسلامية المتشددة، خاصة بعد أن أعلنت ولاءها ل«الدولة الاسلامية»، في ظل أنباء عن تسلل المئات من الجهاديين العائدين من سوريا والعراق إلى داخل البلاد عبر الحدود الجنوبية الشرقية مع ليبيا. ويرى التونسيون أن مصير تونس سيتحدد بمدى قدرة الدولة على لجم المجموعات الإرهابية. وأظهرت دراسة حديثة أنجزها المركز التونسي لدراسات الأمن الشامل أن التونسيين يرون أن «مستقبل تونس أصبح مرتبطا بمخططات المجموعات الإرهابية أكثر من ارتباطه بالانتخابات القادمة وببرنامج الحزب الفائز». واعتبر 87 بالمائة من التونسيين، وفق الدراسة أن «ظاهرة الإرهاب تأتي في مقدمة اهتماماتهم ويجب أن تحظى بالأولوية ضمن عمل حكومة مهدي جمعة» مقابل 13 بالمائة فقط قالوا «إن الانتخابات تشكل أولوية بالنسبة إلى البلاد». ورأت 74 بالمائة من عينة الدراسة التي شملت 3650 شخصا، بأن «مستقبل تونس مرتبط بمخططات المجموعات الإرهابية أكثر منه ببرنامج الحزب الفائز»، فيما قال 29 بالمائة فقط إن «مستقبل تونس مرتبط ببرنامج الحزب الفائز في الانتخابات». فيما أعرب 68 بالمائة من التونسيين عن يقينهم بأن تونس مرشحة لديكتاتورية دينية وأنها تسير إلى «إمارة إسلامية»، فيما قال 36 بالمئة إن البلاد «تسير نحو الديمقراطية».وحمّل 78 بالمئة من التونسيين المستجوبين حركة النهضة الإسلامية «مسؤولية تفشي ظاهرة الإرهاب».