ليس للإبداع الفني سن معين، فالإنسان بإمكانه أن يبدع في أي مرحلة من مراحل عمره . ينطبق هذا على الحاجة رحمة حجي أو رحمة عزوز، الفنانة العصامية التي انطلق لديها هوس إبداع لوحات تشكيلية بعد كبر أبنائها الأربعة وبناتها الأربعة وحصولهم على شهادات تعليمية عليا وامتهانهم لوظائف مختلف بالديار الفرنسية . لقد شكل الرسم لديها أداة للتعبير عن مراحل من حياتها منذ كانت طفلة ثم شابة متفتحة بمدينة بركان، ثم مرافقة لزوجها المهاجر في غربته بفرنسا منذ الستينيات من القرن الماضي، حيث قضت، ولازالت، ما يفوق نصف قرن من الزمان بأحياء الضاحية الباريسية الشعبية الهامشية وغيرها . فجوانب من معاناتها وانكساراتها وهمومها ونضالاتها المختلفة كامرأة حرة وفاعلة وديموقراطية تقدر المسؤولية وتناهض كل شكل من أشكال الظلم والقهر ، وكفاحها بمفردها، في غالب الأحيان، من أجل تربية فلذات كبدها ، وخلاصة تجربتها في الحياة وما راكمته من خبرة وحكمة ، ومختلف المواقف التي عاشتها ، داخل الوطن وخارجه ، طيلة عمرها المديد (78 سنة) ، وجدت لها في الأخير متنفسا في الرسومات المتنوعة التي أبدعتها لحد الآن (أكثر من 100 لوحة) . وهي الرسومات التي تم انتقاء عينات منها لتأثيث فضاءات المعرض الذي أقيم ببهو المركز الثقافي أحمد بوكماخ بطنجة بشراكة مع مجلس الجالية المغربية بالخارج ، ضمن الأنشطة الموازية للدورة الخامسة لمهرجان أوروبا الشرق للفيلم الوثائقي ، من 19 إلى 23 شتنبر 2017 ، تحت عنوان " كلمات على ألوان " . الحاجة رحمة إمرأة التحدي ، تحكي لوحاتها التشكيلية قصصا مركبة لجيل من النساء المهاجرات وهن يواجهن مخاضات وإكراهات متعددة، بالإضافة إلى انتمائهن لثقافتين وعالمين مختلفين فرض عليهن التوفيق بينهما . وقد وثقت ابنتها المخرجة بشرى عزوز ، بالصوت والصورة ، جانبا من هذه القصص في فيلمها الوثائقي " أمهاتنا " (2014) عبر صور ولوحات و شهادات أمها رحمة وصديقاتها بفرنسا . إن اختيار الفنانة رحمة للتعريف بلوحاتها التشكيلية وخلق فرص للتواصل بينها وبين عينات من شباب وأطفال مدينة طنجة ، من خلال زيارات لمعرضها والإستماع إلى شروحاتها ، يعتبر بمثابة جسر للتواصل بين الأجيال وبين مغاربة الداخل (الشرق) ومغاربة الخارج (أوروبا) وخلق فرص للحوار وتبادل التجارب والخبرات . وفي هذا تحقيق لجانب من أهداف مهرجان أروبا الشرق للفيلم الوثائقي بطنجة .