من العادي جدًا أن تهاجم الجهات الرجعية، عن بكرة أبيها، رغم اختلاف مذاهبها ومشاربها، استضافة مهرجان تويزا بطنجة، للكاتبة وإحدى رائدات تحرر المرأة في العالم العربي، نوال السعداوي، لأن السكوت عن زيارتها لبلادنا وعدم التصدي لها، من طرف الرجعيين، كان يعني اختفاءهم من الساحة، الأمر الذي مازال غير ممكن في مغرب اليوم. قد يكون ممكناً في المستقبل، حيث ننتظر أَن يتم تقبل الاختلاف في الفكر دون تهجم وتحامل، واستعمال أوصاف قدحية في حق السيدة نوال السعداوي، مثل «العجوز الشمطاء»، أو «سفيرة إبليس» أو القول إن زيارتها للمغرب، ستدمر «شرفه» المصون… وهلمّ جراً من النعوت المستوحاة من قاموس التشدد والتطرف. بنفس منطق الرفض الذي استقبل به الرجعيون الأستاذة نوال السعداوي، فإن الحداثيين، «بنو علمان»، يستقبلون زيارة يوسف القرضاوي وأمثاله، بالمغرب، بالنقد والرفض، وهذا أمر طبيعي، لأنه يمثل أخطر مدارس الرجعية ورمز السكيزوفرينيا الفكرية والانتهازية السياسية. غير أن الفرق بين الرجعيين والحداثيين، في مواجهة الاختلاف، شاسع، لأنهم لا يصفون مثلا القرضاوي بأوصاف السب والقذف والتشنيع. الهدف من هذه المقارنة هو التأكيد على أن ما يهم في الاختلاف، ليس هو الشكل والمظهر والقدرات الشخصية أو شعارات «الشرف المصون»، بل الأفكار التي تطرح من طرف نوال السعداوي، والتي تعتمد فيها على دراسات علمية، من مختلف التخصصات الطبية والنفسانية والأنتروبولوجية والسوسيولوجية، وهو ما ينبغي على الرجعيين مواجهته، ليس بمنهجية محاكم التفتيش، بل بالاستناد إلى مبررات علمية أخرى، إن وُجِدت. أما نوال السعداوي، فإنها تمكنت، من خلال كتاباتها، أن تغير عقلية أجيال بمنطق البحث والدراسة والتحليل، وليس بالتهجم والسب والقذف، لأنها اخترقت التابوهات، أي كل ما يُحد حرية التفكير، ليس أقل ولا أكثر. ما تدعو إليه نوال السعداوي، رغم أنه يتخذ أحياناً طابع التطرّف في الأحكام، الذي يستفز البعض، بسيط جداً، هو إعمال العقل، أي عدم الخضوع للمناهج التي تقيد حرية التفكير، و تجاوز ذلك القفص الحديدي، الذي لا يسمح للفكر بأن يرفرف في الملكوت المُحٓرَر، بكل وعي ومسؤولية، خارج إكراهات الخوف من التوابيت والقبور،التي نسجت حولها الإيديولوجيات الدينية، عوالمها الخاصة.