بعد أن وافق صندوق النقد الدولي على منح الحكومة خطا ائتمانيا جديدا مقابل التزامها بتنفيذ شروطه والقيام بإجراءات وتدابير من شأنها التخفيض من عجز الميزانية، وتتمثل هذه الإجراءات خاصة في رفع الدعم نهائيا عن جميع أصناف المحروقات وتخفيض الدعم المخصص للدقيق وغاز البوتان تدريجيا في اتجاه القضاء النهائي على صندوق المقاصة والإلغاء الكلي لأي دعم للمواد الأساسية . بعد قرارها الزيادة في أسعار الماء والكهرباء وتحرير القطاع، علاوة على التخفيض من كتلة الأجور عبر التقليص من مناصب الشغل بالوظيفة العمومية وتجميد الأجور والترقيات و وتعليق مراجعة الأنظمة الأساسية للمتصرفين وفئات مهنية أخرى، فضلا عن التقليص من الاستثمارات العمومية في مجالات التعليم والصحة والسكن والخدمات الاجتماعية، وهي الاستثمارات التي تعتبر المتنفس الرئيسي للمقاولات المغربية الصغيرة والمتوسطة والصغيرة جدا. وتنفيذا وتطبيقا لنفس التعليمات والتوصيات والإملاءات، قررت الحكومة العودة إلى تسويق مشروعها الترقيعي والتجزيئي المرحلي لإصلاح نظام التقاعد، وحصر إصلاحها وانشغالها فقط في الصندوق المغربي للتقاعد الخاص بموظفي الإدارات العمومية والجماعات الترابية وتحديد فترة الإصلاح في الفترة الممتدة من 2015 إلى 2021، ثم للعودة إلى نقطة الصفر بعد ذوبان مسكنات هذا الاصلاح الترقيعي. وذلك راجع بالأساس إلى ضعف الحكومة وعدم قدرتها على الاتيان بمشروع متكامل يحفظ ديمومة النظام وعدالته وشفافيته وتوازنه المالي، أي تقديم مشروع إصلاح شمولي ودائم لمنظومة التقاعد ككل لا يتجزأ، يشمل الصناديق الأربعة المكونة للنظام الحالي : الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والصندوق المغربي المهني للتقاعد والصندوق المهني المغربي للتقاعد والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد الصندوق المغربي للتقاعد (إجباري) ( خاص بالموظفين الرسميين فى الوزارات و الشركات العامة التابعة للدولة، وذلك من منطلق تفعيل الفصل 31 من الدستور المتعلق بالحق في الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة؛ فمشروع الحكومة المعروض على أنظار المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي يرمي إلى الرفع من سن التقاعد إلى 62 سنة، ثم إضافة ستة أشهر كل سنة تدريجيا إلى أن يصل 65 سنة . وبالموازاة مع هذا التعديل سيتم الرفع من نسبة المساهمات الشهرية و الاقتطاع من قيمة أجور الموظفين إلى 14 في المائة. أي بزيادة 4 نقط لتصل نسبة الاقتطاع بالنسبة للحماية الاجتماعية إلى 16.5 في المائة (التأمين عن المرض 2.5 في المائة و 14 في المائة بالنسبة للتقاعد ) فضلا عن الضريبة العامة على الدخل التي تتراوح ما بين 10 و38 في المائة من قيمة مجموع الأجرة السنوية، أي اقتطاع ما بين 3000 درهم إلى 24400 درهم في السنة . ومن جانب آخر يعود المشروع إلى طرح قرار خطير يتعلق بخفض أجرة المعاش عبر احتساب معدل أجرة الثماني سنوات الأخيرة بدل آخر أجرة المعمول بها اليوم، وتقليص النسبة التي يحتسب على أساسها أجرة المعاش من 2,5 في المائة إلى 2 في المائة، مما سيؤدي إلى تخفيض معاش التقاعد بنسبة لا تقل عن 25 في المائة، كما تقرر تخفيض التقاعد النسبي من 2 في المائة الى 1,5 في المائة والرفع من شرط الاستفادة منه( التقاعد النسبي) من 21 سنة إلى 26 سنة بالنسبة للذكور ومن 15 سنة الى 20 سنة بالنسبة للنساء . وبناء على هذه التطورات، فإن المنظمة الديمقراطية للشغل تجدد موقفها المبدئي تجاه مقاربة إصلاح نظام التقاعد بالمغرب باعتباره نظاما فاشلا مجزأ وغير عادل وضعيف لا يغطي سوى 30 في المائة من الساكنة النشيطة، ولازال يعاني من أزمة بنيوية وهيكلية تقع المسؤولية الأولى فيه على السياسات الاجتماعية والاقتصادية والتدبيرية المتبعة من طرف الحكومات المتعاقبة، ولا يمكن بأية حال من الأحوال أن يؤدي ثمنها الموظفون والموظفات والمتقاعدون والمتقاعدات وذوو حقوقهم، وهم اليوم يعيشون أسوء حال بسبب تدني مستواهم المعيشي ويعانون الضائقة أمام ارتفاع أسعار المواد الأساسية والخدمات الاجتماعية كالماء والكهرباء و تكاليف الصحة وارتفاع رسوم التمدرس والغلاء الفاحش للسكن وارتفاع نسب القروض من الأبناك وشركات القروض التي أضحت تثقل كاهل الأجراء بقروض مرتفعة وصلت في معدلها إلى أزيد من 38 ألف درهم للفرد. كما تعتبر المنظمة الديمقراطية للشغل أن دفوعات الحكومة لإصلاح الصندوق المغربي للتقاعد، وليس نظام التقاعد تفتقد للمصداقية، باعتبار أنها لازالت مبنية على معطيات وأرقام متجاوزة نابعة من دراسة اكتوارية أنجزها مكتب دراسات أجنبي سنة 2004، كما أن التشخيص، الذي وضع عدة مرات للصندوق المغربي للتقاعد ظل يخفي عدة حقائق، ولم يتم الكشف عن الجوانب المظلمة في حياة هذه المؤسسة الوطنية والقوانين المؤطرة لها ولنظامها في التقاعد وعلاقاتها مع المؤسسات المالية والتأمينية الأخرى، خاصة فيما يتعلق بالاستمارات والاحتياطات ونسب الفائدة والعلاقة الملتبسة بين الصندوق المغربي للتقاعد وصندوق الايداع والتدبير في مجال الاستثمارات ونسبة فائدة ومآل ما يقارب 90 مليار درهم من الاستثمارات والمجالات المرتبطة بها، وما هي الفوائد المترتبة عن ذلك لصالح ولفائدة المتقاعدين.هذا، علاوة على تغييب الحديث عن المعاشات العسكرية و مسألة تغطية العجز المالي لنظام هذه المعاشات عبر الفوائد السنوية للمعاشات المدنية، رغم أن هذه المسؤولية تقع على عاتق ميزانية الدولة، وهو ما يغيب في تشخيص وضعية الصندوق وتقديم تقريريين منفصلين وغياب الشفافية والوضوح في توظيف الأموال الاحتياطية المودعة لدى صندوق الإيداع والتدبير ونتائجها ومحصلاتها . لكل هذه الاعتبارات، فإن المنظمة الديمقراطية للشغل تدعو الحكومة إلى مراجعة مواقفها والسحب الفوري لمشروعها الترقيعي من أجل توقف نزيف الإجهاز على مكتسبات وحقوق الموظفين والأجراء والمتقاعدين وإشراك الجميع في بلورة مشروع متكامل لنظام للحماية الاجتماعية والتقاعد يحافظ على مكتسبات الطبقة العاملة النشيطة ويضمن ويحقق معاشا كريما للمتقاعدين وذوي حقوقهم ويؤمن الكرامة الإنسانية لهم ويضمن التماسك و الاستقرار الاجتماعي، وذلك عبر و من خلال البدائل التالية : * اعتماد نظام موحد لصناديق التقاعد ينطلق بقطبين عام وخاص في أفق توحيدهما بالموازاة مع توحيد نظام التأمين الإجباري عن المرض في صندوق واحد. وإجبارية الانخراط في النظام على كل الأجراء والمهن الحرة * وضع نظام جديد يتضمن تقاعد أساسيا إجباريا لكل الفئات النشيطة العاملة والمهن الحرة وتقاعدا تكميليا اختياريا لنفس الفئات، ويحدد سن التقاعد في 60 كقاعدة عامة و65 سنة كإجراء اختياري، و اعتماد آخر أجرة كمقياس وأساس احتساب أجرة المعاش . ومراجعة نسب المساهمات في نظام التقاعد تؤدي الدولة 2 / 3 والموظف 1 / 3 على غرار ما هو معمول به حاليا لدى القطاع الخاص والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي . * تحسين وضعية المتقاعدين المدنيين والعسكريين والرفع من معاشاتهم ومعاشات ذ وي الحقوق وإلغاء الضريبية المفروضة على أجرة المعاش، نظرا لكون فئة واسعة منهم تعيش أوضاعا مأساوية وبأقل من 200 درهم في الشهر. * استفادة ذوي الحقوق من المعاش الكامل بعد وفاة المتقاعد المنخرط وتتميع ذوي الحقوق من الأزواج من تقاعد زوجاتهم بمجرد الوفاة و الرفع من مدة الاستفادة لأبناء المتقاعدين المتوفين إلى حدود 26 سنة بدل 21 سنة في حالة متابعة الدراسة، * إنشاء صندوق للتعويض عن الشيخوخة يستفيد منه كل مسن بلغ سن التقاعد ولم يسبق له أن انخرط في أي نظام للتقاعد. * مراجعة نسب الضريبة على الأجر والإلغاء الكلي للضريبة على المعاش. * الرفع من مناصب الشغل بالقطاع العام وتوظيف أكبر عدد ممكن من العاطلين من الشباب خريجي الجامعات والمعاهد العليا والتقنية لتغطية الحاجيات من الموارد البشرية وضمان التوازنات الديمغرافية والمالية للنظام . * تصفية متأخرات الدولة لصالح الصندوق المغربي للتقاعد منذ سنة 1960 باعتماد القيمة الحقيقية للمستحقات. والمنظمة الديمقراطية للشغل تعتبر أن أي إصلاح يستهدف منظومة التقاعد لا يمكن عزله عن إصلاح منظومة الحماية الاجتماعية ككل من تأمين على الصحة وحوادث الشغل والأمراض المهنية وتقاعد وشيخوخة والزمانة، وأن إصلاح منظومة التقاعد قبل أن يكون مسألة حسابية وتقنية مالية صرفة فينبغي أن يكون إصلاح له أبعاد اجتماعية وإنسانية وتضامنية بين الأجيال.. و بصفة عامة تواجه جل أنظمة التقاعد مشاكل وتحديات على المستويات الديمغرافية والاقتصادية والاجتماعية تهدد ديمومة ونجاعة المزايا التى تمنحها أنظمة الحماية الاجتماعية ومن ثم فهو خيار ديمقراطي ويساهم في إعادة توزيع الثروات والحفاظ على السلم الاجتماعي وتوطيد مبادئ التضامن و التكافل الاجتماعى بالمملكة لبناء مجتمع تسود فيه العدالة والكرامة والاستقرار والسلم الاجتماعي. ولمواجهة هذا التوجه الحكومي الجديد الرامي إلى الاجهاز على مكتسبات وحقوق الموظفين والموظفات تقررالمنظمة الديمقراطية للشغل مقاومته بكل الأشكال النضالية المشروعة والإعلان عن برنامج نضالي في الدخول الاجتماعي المقبل بدءا من شهر أكتوبر 2014 ، وتدعو بالمناسبة كافة المركزيات النقابية المناضلة الى توحيد الصفوف من أجل الرد الحاسم على هذا الاستهتار الحكومي بحقوق الشغيلة المغربية وحقها في تقاعد كريم . كما تدعو كافة الموظفين والموظفات الرافضين لهذا المشروع إلى التعبئة والمشاركة المكثفة في المسيرات الوطنية والجهوية الاحتجاجية والإضراب العام الوطني في الوظيفة العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية المعنية بمشروع التقاعد من أجل المطالبة بالسحب الفوري له، كما تدعو مناضلاتها ومناضليها إلى حضور أشغال المجلس الوطني المقرر عقده في 5 أكتوبر 2014 بالمقر المركزي للمنظمة بالرباط. لتسطير البرنامج النضالي والمصادقة عليه.