حماس» لم تُهزم، وستبقى المنظمة تحكم القطاع، وستبقى الشريكة المركزية في كل تسوية في المستقبل حتى لو تم ذلك بصورة غير مباشرة. وإذا أفضت الهدنة إلى خرق الحصار على القطاع فقد يعتبر الثمن الباهظ الذي دفعته «حماس» تضحية سائغة من وجهة نظرها من الواضح أن الجيش الإسرائيلي ضرب «حماس» ضربة قاسية نسبياً، وأن العملية سببت إضرارا عظيماً بالبنى التحتية المدنية في غزة وخلقت أزمة إنسانية واسعة (فهنالك نحو 450 ألف لاجئ فلسطيني؛ و1865 قتيلا وآلاف الجرحى). وضاءلت إسرائيل إلى الحد الأدنى الأضرار التي أحدثتها آلاف القذائف الصاروخية في أرضها بفضل منظومة القبة الحديدية (قُتل ثلاثة مدنيين) ودمرت جميع الأنفاق الهجومية التي عرفتها، برغم أن المعركة صاحبتها خسائر كبيرة في الدفاع والهجوم (64 ضابطا وجنديا قتيلا). ومن المعلوم بالقدر نفسه أن الأمر لم ينته: ف»حماس» لم تُهزم، وستبقى المنظمة تحكم القطاع، وستبقى الشريكة المركزية في كل تسوية في المستقبل حتى لو تم ذلك بصورة غير مباشرة. وإذا أفضت الهدنة إلى خرق الحصار على القطاع فقد يعتبر الثمن الباهظ الذي دفعته «حماس» تضحية سائغة من وجهة نظرها. سيكون امتحان نتائج الحرب هو نوع التسوية التي ستُحرز بعد أن تنتهي، وطول مدة التهدئة بعدها. ومن المستحيل تقريبا أن نتنبأ بذلك مسبقاً، لأن الأمور ليست متعلقة فقط بعظم الأضرار وقوة الردع بل بتطورات في المستقبل أيضا. فعلى سبيل المثال غيّر تولي الجنرالات الحكم في القاهرة قبل سنة تغييرا أساسيا العلاقات بين القوى في المثلث إسرائيل ? غزة ? مصر، وأفضى بصورة غير مباشرة إلى نشوب أحداث العنف في الشهر الماضي. إن طبول النصر، التي تُسمع الآن من الجانبين، يحسن أن تُستقبل بحذر وشك. فهذه معركة نفسية موجهة في الأساس إلى الجبهة الداخلية بغية إقناعها بأن التضحية والجهد لم يكونا عبثا. وفي إسرائيل حفظ صورة النصر الآن مهم لرئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الذي أصبح خصومه من الساسة يشمون الدم، ولهيئة القيادة العامة التي تهاجَم بسبب أدائها ولقادة الألوية ? الذين يخرجون في الحقيقة من القطاع مع شعور بالنجاح ? لكن يجب عليهم أن يعززوا روح القتال عند مقاتليهم استعدادا لما يأتي. لا يشبه الجو في الجيش الإسرائيلي وعند الجمهور الشعور بالفشل القاسي بعد حرب لبنان الثانية. يُشعر في الحقيقة بقدر من الشك وخيبة الأمل من إنجازات الحرب، لكن يبدو أن ذلك لن يُفصح عن نفسه باحتجاج شديد من رجال الاحتياط كما حدث في صيف 2006. وقد كان التنسيق بين القيادتين السياسية والعسكرية هذه المرة حسنا، ولم تحدث معارك بالسكاكين وانهيارات في الأداء وعزل. لكنه ما زالت تُسمع دعوات إلى التحقيق. ويخدم الإعلان عن فحص مراقب الدولة عن قضية الأنفاق نتنياهو إذا أخذنا في الحسبان طبيعة مراقب الدولة الحالي المريحة. وأعلنت لجنة الخارجية والأمن في الكنيست أيضا تحقيقا آخر. ومن الصعب إلى الآن أن نتنبأ بالأجندة السياسية للرئيس عضو الكنيست زئيف إلكين (من الليكود)، وهل سيستغل الفحص لمصلحة نتنياهو أم ضده. وهذه على كل حال بعض القضايا الأمنية الرئيسة التي تقتضي فحصا إذا انتهى القتال هذا الأسبوع حقا. ما الذي عرفته الاستخبارات؟ قدمت الحرب في غزة الامتحان الكبير الأول لتوجه الحرب الاستخبارية التي قادها رئيس «أمان»، اللواء أفيف كوخافي، في السنوات الأخيرة. وقد نجح نقل المعلومات الاستخبارية العملياتية إلى القوات الميدانية بمساعدة «الشاباك» في جلب قدر أكبر مما كان في الماضي من المعلومات المحددة. وفي مقابل ذلك فإن الانطباع الأول الحاصل هو أن «أمان» من الصعب عليها أكثر أن تشخص وأن تتنبأ بالتغييرات في توجه «حماس» قبيل نشوب الحرب وفي أثنائها. إن التقديرات المتفائلة التي سُمعت من وسائل الإعلام عن مبلغ سحق «حماس» واستعدادها للتوصل إلى هدنة تبين أنه مبالغ فيها. وكانت المعلومات الاستخبارية عن قواعد إطلاق القذائف الصاروخية، لمدى متوسط، جزئية وصعب على إسرائيل أن تصيب قادة «حماس» الكبار بسبب التأليف بين فجوة استخبارية وصعوبة عملياتية (الاختباء في أنفاق بين ظهراني سكان مدنيين). وجّه ضابط رفيع المستوى في أثناء الحرب وسائل الإعلام إلى أن تقريرا مفصلا عن تهديد الأنفاق ? فُسر بين الجمهور وفي المجلس الوزاري المصغر بأنه مفاجأة «حماس» المركزية في القتال ? قُدم إلى نتنياهو قبل سنة، واشتمل على معلومات مفصلة عن أكثر من ثلاثين نفقا هجوميا. وفي الأسبوع الماضي بيّن ضابط رفيع المستوى في فرقة غزة للصحافيين أن الفرقة وقادة المنطقة الجنوبية علموا بنية «حماس» أن تنفذ عملية كبيرة في نفق في الشهر الماضي، وأن الجيش الإسرائيلي استعد قبل ذلك ل»معركة تموز» ل»حماس». خطة العمليات إن هذين الشيئين الأخيرين خاصة يثيران أسئلة جديدة. فأولا يزعم وزراء في المجلس الوزاري المصغر أنهم لم يكونوا عالمين بخطورة المشكلة قياسا بالتهديدات الأمنية الأخرى، برغم تذكيرات «أمان» المتوالية. وثانيا لم يشمل تحديد أماكن الأنفاق التعرف المسبق على آبار الخروج في 9 إلى 12 منها (ويوجد هنا فرق في التقدير بين «أمان» و»الشاباك»)، والتي قد حُفرت إلى داخل إسرائيل. وثالثا وهو الجانب الأهم أنه تغيرت طبيعة العملية البرية في القطاع في آخر لحظة. نشبت الحرب في 7 تموز؛ وفي 15 من ذلك الشهر بعد ثمانية أيام من الهجمات الجوية ردا على إطلاق قذائف صاروخية على إسرائيل، أعلنت الحكومة بأنها مستعدة لهدنة (أي أنها تخلت عن علاج الأنفاق). ورفضت «حماس»، وبعد يومين، أي في 17 يوليوز، على إثر دخول «مخربين» من «حماس» من نفق قرب كيبوتس صوفا، أُجيزت العملية البرية للجيش الإسرائيلي. وفشلت «حماس» في عمليتها، فقد أصاب سلاح الجو الخلية، ونشر الجيش الإسرائيلي صور الواقعة. لكن أُمليت على الجيش بتأثير الخوف الذي أحدثته الواقعة خطة عمليات تختلف تمام الاختلاف، فحُصرت العناية في الأنفاق بدل ضرب ممتلكات «حماس» في عمق الميدان وضرب منظومة إطلاق صواريخها. واعترف ضباط كبار بأن هذه الخطة لم تُعد بالتفصيل قبل ذلك، بل صيغت في آخر لحظة مع فجوات جوهرية. وقد قاتلت القوات في الميدان بشجاعة وتفانٍ، لكن يُشك في أن تكون أُعدت إعدادا كافيا للمهمة التي أُرسلت من أجلها. وعلى ذلك فإن مقدار المعلومات الاستخبارية لا يستوي مع نوع الإعداد. كما أنه إذا كان الجيش الإسرائيلي علم بوقوع حرب في القطاع فلماذا أرهق كل ألوية مشاته بحثا عن الفتية الثلاثة المخطوفين من «غوش عتصيون» مدة ثلاثة أسابيع بدل حصر العناية في الإعداد للمعركة في غزة؟ ولماذا بادرت الحكومة إلى اعتقالات جماعية لنحو 500 من نشطاء «حماس» في الضفة منهم 60 ممن أُفرج عنهم بصفقة شاليت، إذا كانت تعلم أن هذه الإجراءات تحشر «حماس» في الزاوية؟. حرب الأنفاق منذ أن تبين تهديد الأنفاق بكامل خطورته، أُفرد اشتغال إعلامي واضح بعدم وجود حل تقني للعثور عليها. ويبدو أنه يحسن النظر بشك في تأميل جهاز الأمن صوغ حل أولي في غضون سنة، إذا أخذنا في الحسبان 14 سنة شغلوا أنفسهم فيها بتلك المشكلة دون نجاح. وكانت المواجهة الهجومية للأنفاق يعتريها النقص أيضا. إن الجيش الإسرائيلي حفر في الحقيقة أنفاقا في ثلاث قواعد تدريب له، لكن التدريب الذي تدربته الوحدات عليها بعيد عن أن يكون كافيا. وشهد قادة عادوا من القطاع بأن التحدي العملياتي أكثر تعقيدا مما اعتقدوا، وبأن القوات أعوزتها نظرية قتالية منظمة وخبرة بمواجهة الأنفاق التي وجدتها هناك. وبرزت في الحرب الحاجة الى قوات هندسة أخرى وإلى فرق مختصة أخرى بقتال الأنفاق. واعترف وزير الدفاع، بوغي يعلون، أول من أمس، بأن تفجير الأنفاق طالت مدته أكثر مما قدّر الجيش قبل ذلك. أخطاء في العمليات كل حرب تسودها جلبة في الجبهة الأمامية، فالعدو يفاجئ وتقع أخطاء في العمليات. ولا شك أيضا في أن الجيش الإسرائيلي دفع في الأيام الأولى ثمن الدخول والتجربة للحرب البرية مرة أخرى في منطقة مأهولة باكتظاظ، لأول مرة منذ خمس سنوات ونصف السنة. لكن يبدو أن عدد الأخطاء هذه المرة مقداره مقلق. وبرز بينها الدخول في ناقلات الجنود المدرعة «زلدا» (إم 113) القديمة غير المدرعة بخلاف تام لدروس عملياتية سابقة ودون رقابة من القيادة العليا (سبعة قتلى من غولاني)؛ وكانت خليتان من القيادة أُصيبتا نتاج إطلاق قذائف «آر.بي.جي» من «مخربين» دخلوا من أنفاق على مركبة غير مدرعة قرب السياج الحدودي (ستة قتلى في واقعتين)؛ والإهمال العملياتي المقلق الذي بيّنه الهجوم على الفيلبوكس في «ناحل عوز» (خمسة قتلى)؛ وإصابة راجمات صواريخ لمناطق احتشاد قرب السياج الحدودي (تسعة قتلى من ألوية مدرعة في واقعتين). إن قضية مناطق الاحتشاد مقلقة بصورة خاصة. ففي عمليات سابقة حرصوا في الجيش الإسرائيلي على مضاءلة القوات التي تنتظر قرب السياج الحدودي، وسحبوا أكثرها إلى الخلف، إلى منتهى مدى راجمات الصواريخ. وفي هذه المرة غلب عدم نظام مفرط حول الشارع 232 قرب حدود القطاع حينما ملأه مئات من المدنيين الفضوليين من مركز البلاد كانوا يجرون بين القوات كل يوم إلى أن انتهت المرحلة البرية تقريبا. كما أن مقاتلين في الخدمة النظامية والاحتياط اشتكوا من نقص الدروع الواقية، بل من نقص أجهزة الاتصال أحيانا واستعمال مركبات غير مدرعة (منها حتى شاحنات ريو) في مهام وراء السياج الحدودي، على نحو مفاجئ بسبب النفقة الضخمة للميزانية على المعدات في السنوات الأخيرة. حال القوات البرية تثير هذه الظواهر أفكارا محزنة عن حال الجيش البري بعامة ونظام الاحتياط بخاصة. وكانت بين الفرق القتالية من الألوية التي عملت في القتال فرق من المعاهد العسكرية لم تستخدم منذ عشرات السنين استخداما قتاليا، ولا تشمل وحدات عضوية مستقرة بل خريجي دورات دراسية. وتشمل تلك الفرق وحدات احتياط، لكن الجيش الإسرائيلي امتنع من أن يُدخل في القتال ألوية احتياط كاملة برغم أن عددا منها جرب القتال في القطاع في عملية «الرصاص المصبوب». إن ذلك الامتناع قد يعبر عن ضعف الثقة بقدرة نظام الاحتياط. وليس سراً أن الجيش النظامي أيضا لا يتدرب تدربا كافيا وأن تدريباته غير موجهة بقدر كاف إلى التحديات الجديدة وهي محاربة «الإرهاب» والعصابات المسلحة في منطقة مكتظة، مع استعمال العدو لما تحت الأرض، في مقابل المعارك بين الفرق المدرعة في الماضي. وزعم ضباط كبار في الأسبوعين الأخيرين أن صورة استعمال القوات في القطاع لم تشمل تقريبا المراوغة وأن الجيش الإسرائيلي امتنع عن إرسال وحدات مختارة لعمليات خاصة بعد أن انكشف إنزال قوات الصاعقة البحرية على ساحل غزة في بدء العملية. إن هذه الظواهر التي استُعرضت هنا باختصار وبناءً على انطباعات أولية فقط، تشهد بأن الجيش لا يستطيع أن يُسلم نفسه الآن لاحتضان الجمهور، ومديح المستوى السياسي. فالجيش الإسرائيلي يحتاج إلى تفكير عميق وتخطيط جديد فيما يتعلق خاصة باستعمال الجيش البري. وقد واجهت إسرائيل في غزة عدم تكافؤ، فقد استعملت جيشا متقدما تقنيا لمواجهة عدو اختار أن يلعب في ملعب مختلف وأحبط بذلك مسبقا بعض مزايا الجيش الإسرائيلي. إن سلاح الجو الإسرائيلي آلة مزيتة متطورة نشك في أن يوجد لها شبيه في العالم. وهو قادر بمساعدة «أمان» و»الشاباك» على أن يصوب السلاح إلى هدف بأقصى دقة. لكن يبدو أن ذلك غير كافٍ في مواجهة «حماس» أو «حزب الله»، لإحراز حسم. لم يتلق الجيش من المستوى السياسي توجيها الى قهر «حماس» في غزة، وذلك لأن الساسة كان يقلقهم عدد الخسائر المتوقعة داخل المنطقة المأهولة. من المؤكد أن الجيش الإسرائيلي لم يخسر في الحرب، لكنه خرج للمعركة البرية، والاستخبارات لم تُبين له بشكل كاف ما الذي يحاربه، ولم تتم تهيئة قوته للتحدي، وكانت هيئة القيادة العامة تستعمله بحسب خطة ملاءمتها للظروف مختلف فيها. تستطيع إسرائيل أن تقرر أن ذلك كاف لها حتى في الحروب القادمة. لكن اذا كان الجيش الإسرائيلي معنيا بالحفاظ على قدرته بصفته جيشا قادرا على احراز النصر وقت الحاجة من خلال عملية برية فيبدو أنه يُحتاج إلى أن يتم التفكير هنا بتغييرات لا يستهان بها. عن «هآرتس»