يرى جيل كيبل، المختص في قضايا الإسلام والعالم العربي، أن الاجتياح البري الإسرائيلي لغزة ليس بإمكانه أن يظهر أحد طرفي الصراع منتصرا. كما أن بنيامين نتنياهو الذي يتعرض لضغط رهيب من الأجنحة المتطرفة لم يبلغ هدفه الحربي المعلن: لم يتم القضاء على سلاح غزة وشعبية حماس التي كانت في أسوأ حالاتها قبل المواجهة، هي الآن في أوجها كوجه للمقاومة البطولية للشعب الفلسطيني. وقال إن تكاثر صور مجازر المدنيين الفلسطينيين عزز إحساس الكثير من الشباب المنحدر من الهجرة بأن لوسائل الإعلام الفرنسية خطاب مزدوج منحاز لإسرائيل. وبالتالي تجد أنفسها في صلب المنطق الذي يأمله الجهاديون من الجيل الثالث الذين أطر أدمغتهم السوري والدولة الرسلامية: والقضية الجهادية العراقية السورية تبقى أقل تعبئة بالنسبة للجماهير، بينما القضية الفلسطينية تثير تعاطفاً أكبر، فالمرجعيات من أجل التعبئة والتحرك مروضة وجاهزة وهنا يأمل الجهاديون تشجيع وقوع انزلاقات. كما أن رمضان هو شهر مقدس، حيث يتجمع المسلمون في خشوع وحماس. وبالتالي ففي غزة، حيث ينهك الصيام والحر الشديد سكانها المسلمين ويتعرضون في نفس الوقت للقصف والتقتيل، وبالتالي فالإحساس بالغضب والتعاطف في أقصى درجاته. ولذلك، نرى الحرص الكبير بألا يتم الخلط بين القضيتين، أي ألا يتمكن الجهاديون الذين تدربوا في سوريا من استغلال هذه الأرضية الخصبة (القضية الفلسطينية). . هل يجب منع المظاهرات؟ كيف تنظر إلى الاجتياح البري الإسرائيلي لغزة؟ إنه النتيجة المنطقية للمأزق الذي وجد فيه أطراف الصراع نفسها. لا أحد منهما بإمكانه أن يظهر منتصرا حتى الآن، وليس من خيار آخر أمامهما سوى المغامرة. بنيامين نتنياهو الذي يتعرض لضغط رهيب من الأجنحة المتطرفة لتحالفه، ومن المستوطنين وسكان جنوب إسرائيل، المنطقة التي تتعرض أكثر لصواريخ حماس والتي تمكن مقاتلو المقاومة من حفر أنفاق فيها، لم يبلغ هدفه الحربي المعلن: لم يتم القضاء على سلاح غزة وشعبية حماس التي كانت في أسوأ حالاتها قبل المواجهة، هي الآن في أوجها كوجه للمقاومة البطولية للشعب الفلسطيني، بل ربما كرافد ناظم وموحد لجميع القضايا العربية والإسلامية من الشرق الأوسط إلى الضواحي والساحات الأوربية. وحماس من جانبها برفضها مبادرة التهدئة التي اقترحتها مصر، أعطت الانطباع بأنها تمسك زمام المبادرة وأنها قادرة على توجيه ضربات موجعة لأقوى جيش في المنطقة، ولكن هذه المزايدة على المدى القصير لا يمكن أن تخفي ضعفها البنيوي: فصلها عن نظام الأسد الذي كان يأويها، عن إيران منذ بداية الثورات العربية، ويكرهها المشير عبد الفتاح السيسي الذي قطع أغلب أنفاق التموين بين غزة ومصر، وأصبحت حماس معزولة عن عرابيها التقليديين، ويبقى مخزون ترسانتها العسكرية مهما، لكن لن يكون دائما لا ينضب. وإذا تمكنت حماس بهذا من منع إسرائيل من تحقيق الانتصار، وإذا ما أجبرت جيش إسرائيل على الغرق أكثر في مستنقع غزة بسكانها المليون وسبعمائة ألف فوق رقعة لا تتعدى 360 كلم2 بخسائر إسرائيلية وصور القتلى المدنيين التي لن يكون بمقدور نتنياهو تحملها، فإنها أي حماس، ستكون قد حققت مكسبا سياسيا حاسما على حساب السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس. هل هناك خطر من احتمال انتقال هذا الصراع إلى فرنسا؟ هذا السباق الدموي ضد الساعة يندرج في سياق إعادة ترتيب الأوراق في الشرق الأوسط، بين التفاوض النووي الإيراني الغربي والحروب الأهلية في سورياوالعراق، حيث أمسكت الدولة الاسلامية بزمام التمرد، لكنه بطبيعة الحال يحمل في ثناياه أثارا سلبية قد تحمل مخاطر زعزعة مجتمعاتنا الأوربية. وأسوأ السيناريوهات هو أن يتمكن بعض الجهاديين العائدين من العراقوسوريا والتي يبقى أثرها حتى الآن محدودا بالرغم من التحذيرات، أن يتركوا تجاوزات واعتداءات على اليهود بدعوى الانتقام لضحايا غزة. حتى الآن لم يكن للارهاب الجهادي على أراضينا أي دعم شعبي مهم، لكن المناخ يتغير عندما نرى، كما حصل الأسبوع الماضي، مجموعات من شباب الأحياء الشعبية يقلدون إشارات ديودوني بصواريخ قسام كارتونية أو عندما تتحول مظاهرة قرب كينس يهودي إلى مواجهة مع عناصر أمن رابطة الدفاع اليهودية. هل الجهاد تهديد قائم في فرنسا؟ الجهاد في منطقة الساحل لم يصل إلى فرنسا، لأن الجالية المالية في فرنسا تنحدر بالخصوص من مناطق الجنوب ذات الأصل الافريقية الزنجية. في مالي المعارضة للجهاديين المرو. ليس هناك وجه للمقارنة مع قضية خالد قلقال الجزائري العضو في الجماعة الاسلامية المسلحة والمسؤول عن حملة العمليات التي شهدتها فرنسا في صيف 1995، وبين خالد قلقال ومحمد مراح سنة 2012، لم تقع عمليات في فرنسا لسببين: في سنوات 90 استمرت الشرطة في تفكيك الشبكات الإسلامية، والعائلات كانت ترغب في التخلص والابتعاد عن العناصر المزعجة، لأنها كانت تريد إنجاح مسلسل الاندماج، وكانت استراتيجية الترقي الاجتماعي المفتاح الحاسم لرفض الإرهاب المستورد من الجزائر. الوضعية تغيرت بسبب الفقر وتهميش جزء مهم من الشباب المهاجر، ولو أننا نلاحظ بروز مقاولين من الجاليات المهاجرة يحققون نجاحات مالية ويصوتون لصالح اليمين، ويلعبون دورا أساسيا في تكسير التصويت الممنهج لصالح اليسار، كما رأينا ذلك خلال الانتخابات البلدية الأخيرة. فالسلفية في الأحياء الشعبية أصبح لها حضور كبير كمحدد لمجال النفوذ، لأن إطار قيمها يبدو بعيدا عن قيم المجتمع الفرنسي، فهو إطار يتوجه إلى شباب محبط تائه، ويقدم لهم حلولا بديلة وقواعد أخلاقية يمكن أن تعتبرها السلطات الفرنسية لا تطرح إشكاليات بل ترى فيها نوعا من الانغلاق الذاتي، تزايد يرى فيه البعض وسيلة لضبط الانحراف والإدمان على طريقة المسلمين السود في الولاياتالمتحدة، وأمام هذا النموذج الذي يقترحه السلفيون، ليس هناك خطاب مؤثر حول الوطن وبالمقارنة مع الولاياتالمتحدة التي يوجد بها مفهوم الوطن بقوة مع قصيدة تمجد الصداقة أو التعدد الثقافي، وفرنسا تفتقر لخطاب موحد ومندمج، فالعلمانية التي كانت هي لحمته الأساسية، أصبح ينظر إليها في الأحياء الفقيرة ليس كمجال محايد يكون لكل واحد مكان فيه، ولكن كعامل عنصري معادي للإسلام، إحساس يزكيه مقاولو الإسلاموية الذين يقدمون العلمانية كغطاء لمعاداة الإسلام، مع اقتراح بدائل فئوية تتمحور حول تهويل الحلال كسياج هوياتي. . حتى سنة 1988 كانت دول المصدر هي التي تتحكم في مسلمي فرنسا، ثم كانت هناك محاولات سياسية لإبراز إسلام فرنسي، لكنه إسلام لا ينخرط فيه أبناء المهاجرين. والذين دبروا الإسلام الفرنسي ما بين 1989 و2005 كانوا هم الإخوان المسلمون البدويون الذين جاؤوا من بلدان المغرب العربي أو من الشام، وهم مصدر القطيعة القيمية باسم تأكيد الثقافة الإسلامية التي يروجونها في أوساط أبناء العمال المهاجرين، وبعد البهرجة الفولكلورية التي أعقبت مسيرة «إس .أو . إس»« عنصرية سنة 1983، لم تظهر نخب سياسية تنحدر من أوساط الهجرة يمكن أن تتخذ كنماذج للاندماج، مما خلق فراغا كبيرا واليأس على إيقاع فقر اجتماعي واقتصادي، وأدى ذلك إلى تنامي الإسلاميين الذين ظهروا كمنقذين عندما اختفت مؤسسات الجمهورية من الساحة وحتى سنة 2005، بعد أحداث كليشي، مونتفير ماي، وقع نزول للشباب المنحدر من الهجرة إلى الساحة السياسية، ونحن نؤدي ثمن 20 سنة من الاختلالات السياسية، وشهدنا لأول مرة في بعض المدن الشعبية انتعاشا لتصويت مسلم يشجعه مقاولون هوياتيون، ولم نعد في مواجهة بين سكان يتلقون المساعدة والسلطات، بل أمام ناخبين يعبرون ويسمعون أصواتهم. الظاهرة جديدة ولو أنها ليست مكثفة حتى الآن، وفي الواقع، فإن النموذج المتناقض لنشطاء إعادة الأسلمة هو الحركات المتشددة اليهودية، فالكثير من المغاربيين يقولون عن الاتصال بهذه الحركات «لعبنا لعبة الاندماج وخسرنا، بينما اليهود رسموا بقوة البعد المهيكل للقيم التي تحافظ على تماسك وبقاء الأفراد داخل جاليتهم ولذلك تحترمهم الدولة» وقد تبع مقاولو الحلال هذا النموذج. كيف يمكن تفسير العدد الكبير للذين يتوجهون إلى سوريا؟ الذين يتوجهون إلى سوريا يعتبرون أنه لم يعد هناك ما يمكن فعله في هذا البلد الكافر، وأنه يجب القتال ضد المسلمين السيئين، وأيضا من أجل إعلاء كلمة إسلام عادل ضد نظام دكتاتوري. البعض في البداية لا يضعون أنفسهم في منطق مناهض لسياسة الحكومة الفرنسية التي تعارض هي كذلك نظام الأسد. لكن عندما تكون قد مررت عبر الكتائب الجهادية للدولة الإسلامية، وتلقيت تكويناً إيديولوجيا معادياً للغرب، وتدريباً على القتال وقتلت «كفارا» وجردتهم من إنسانيتهم، فإن الوضعية تصبح مقلقة عند العودة. إنه نموذج مراح ونموشي، فهذا الأخير ينحدر من أوساط حركيين في روس المدينة التي شهدت رحلات عديدة للجهاد في سوريا، والتي كانت للأوساط السلفية فيها علاقات في العديد من المساجد المهمة التي كانت أمام أعين السلطات، لأن لها وظيفة مراقبة اجتماعية. والقضية السورية لا تهم سوى عدد قليل من الأشخاص حوالي 800 حسب الشرطة، ولكنها 10 أضعاف أفغانستان أو البوسنة أو الجزائر. هل المخاطر الإرهابية تختلف عن مخاطر عهد القاعدة؟ نعم، فالنموذج الإسلامي الجهادي الإرهابي تغير: فالدولة الإسلامية التي أعلن أبو بكر البغدادي نفسه خليفتها تهدف إلى جعل الأشخاص مستقلين. والقاعدة كانت تؤدي ثمن التداكر وتعين الأهداف. وانتحاريو 11 شتنبر لم يكونوا سوى منفذين، ومنظر هذا المعطى الجديد يدعى أبو مصعب السوري أحد مساعدي بن لادن سابقاً، اعتقله الأمريكيون و «سلم» إلى سوريا، ويعتقد أن نظام الأسد أفرج عنه سنة 2011 من أجل ربط المعارضة بالجهاد من أجل تفجيرها، والنتيجة كانت هي تأسيس الدولة الإسلامية التي استطاعت تكسير باقي المعارضين الأقل راديكالية، وسمحت للأسد بالظهور كملجأ وحيد ضد الوحشية الجهادية. عندما نقرأ «الدعوة للمقاومة الإسلامية العالمية» الذي كتبه السوري، يشرح فيه أنه يجب استهداف ثلاثة أنواع من الأهداف في الغرب: اليهود وليس أماكن عبادتهم، بل المراكز الاجتماعية والمسلمين الكافرين الذين يخدمون تحت راية الكفار، وكذلك الأحداث الرياضية. لاحظو امداح والإخوة تسارنييف في بوسطن، المتحف اليهودي في بروكسيل: إنها وصفة الاستعمال تنفذ بالحرف.. الفكرة هي أن لا يكلف ذلك غالياً، ولكن يثير ردود فعل مرعبة في أوربا وكذلك أعمال معادية للمسلمين تترجم من خلال تضامن المسلمين مع المقاولين والناشطين الأكثر تطرفاً في صفوف الحالية، من أجل الوصول إلى الحرب الأهلية في أوربا كمقدمة لانتصار الجهاد العالمي. حتى الآن كل هذا المشروع مازال جنينياً. يمكن لعودة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي إلى الواجهة أن يشكل الشرارة... نعم، في هذا السياق المتفجر، تكاثرت صور مجازر المدنيين الفلسطينيين مع إحساس الكثير من الشباب المنحدر من الهجرة بأن لوسائل الإعلام الفرنسية خطاب مزدوج منحاز لإسرائيل. وبالتالي تجد أنفسها في صلب المنطق الذي يأمله الجهاديون من الجيل الثالث الذين أطر أدمغتهم السوري والدولة الرسلامية: والقضية الجهادية العراقية السورية تبقى أقل تعبئة بالنسبة للجماهير، بينما القضية الفلسطينية تثير تعاطفاً أكبر، فالمرجعيات من أجل التعبئة والتحرك مروضة وجاهزة وهنا يأمل الجهاديون تشجيع وقوع انزلاقات. كما أن رمضان هو شهر مقدس، حيث يتجمع المسلمون في خشوع وحماس. وبالتالي ففي غزة، حيث ينهك الصيام والحر الشديد سكانها المسلمين ويتعرضون في نفس الوقت للقصف والتقتيل، وبالتالي فالإحساس بالغضب والتعاطف في أقصى درجاته. ولذلك، نرى الحرص الكبير بألا يتم الخلط بين القضيتين، أي ألا يتمكن الجهاديون الذين تدربوا في سوريا من استغلال هذه الأرضية الخصبة (القضية الفلسطينية). هل يجب منع المظاهرات؟ يجب أن نحافظ في فرنسا على حق التعبير عن القلق تجاه تدهور الأوضاع في المنطقة، ولكن يتعين توفير تأطير أكثر، لأن الانزلاقات غير مقبولة. فالظاهرة هي التعبير الاجتماعي المؤطر تجاه إحباط أو عدم رضى معين. وحرية التظاهر حق ديمقراطي وضرورة ومنع مظاهرة إذا كانت سلمية هو المخاطرة باستعمال وسائل أخرى سرية وغير مؤطرة. ومن المشروع القلق تجاه تنامي أعمال معادية لليهود وأيضاً القلق تجاه ما يعيشه المدنيون في غزة. والإمعان في عدم الرغبة في معالجة المشكل، يصبح في صالح تجار الهوية أشخاص أمثال سورال وديودوني. بتصرف عن «ليراسيون»