أعلنت وزارة الداخلية الفرنسية، النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية، والتي فاز فيها إيمانويل ماكرون ب66.10% من الأصوات، فيما حصلت منافسته مارين لوبان فقط على 33.90%. وأوضحت وزارة الداخلية اليوم الأحد، أن أكثر من 20 مليون فرنسي صوت لصالح ماكرون، وصوت أكثر من 10 مليون ناخب لصالح لوبان. وتقدر نسبة الناخبين ب 74.56٪ (ما يقرب من 35.5 مليون ناخب)، وامتنع 25.44% عن التصويت. كما اختار 6.33٪ من الناخبين ورقة فارغة، وتم اعتبار 2.22% غير صالحة. ومن المتوقع أن يعتمد المجلس الدستوري هذه النتائج النهائية للانتخابات في منتصف الأسبوع، ومن المقرر كذلك أن يتسلم ماكرون السلطة يوم الأحد 14 أيار. وقوبل فوز ماكرون بارتياح في دول الاتحاد الأوروبي، وبدد فكرة الخروج منه، التي أعلنت عنها لوبان، خلال حملتها الانتخابية، حيث كتب وزير الخارجية الألماني سيغمار غابرييل، على صفحته في موقع تويتر بعد إعلان النتيجة إن «فرنسا كانت وستبقى في وسط قلب أوروبا». وتحتل الانتخابات الفرنسية المرتبة الثانية بعد الانتخابات الأمريكية، في الأوساط العربية، حيث يرى العرب أن كل ما يحدث في فرنسا قد يؤثر أيضا على البلدان الأوروبية الأخرى، خاصة وأن عددا كبيرا من الجاليات العربية والمسلمة تعيش في فرنسا، وهناك مخاوف من وصول المتطرفين اليمينيين إلى السلطة في كل أوروبا. ويحمل ماكرون، الليبرالي، برنامجا يسعى إلى مرونة أكبر في الاقتصاد الفرنسي والحفاظ على علاقة قوية مع الاتحاد الأوروبي، ويضع مكافحة الإرهاب على رأس أولوياته، وينتقد ربط الدين أو الأصول الجغرافية بالفكر المتطرف الذي يتغذى على الكراهية. وقد أكد الرئيس الفرنسي المنتخب في كلمة أمام أنصاره في باحة متحف اللوفر بقلب العاصمة باريس بعد إعلان النتائج، أن فرنسا ستكون حريصة على السلام وميزان القوى، وأن بلاده ستكون في الصفوف الأولى لمحاربة الإرهاب «دون كلل أوملل» سواء داخل الأراضي الفرنسية أو خارجها. وأكد أن ضمان أمن الفرنسيين «أمر لا هوادة فيه». وقال الرئيس إن أوروبا والعالم «في انتظارنا» للدفاع عن أفكار «حقبة الأنوار»، معتبرا أن «المهمة المنتظرة جسيمة»، ودعا أنصاره إلى منحه «أغلبية للتغيير» في الانتخابات البرلمانية المقبلة. وأضاف ماكرون «إن أوروبا والعالم في انتظارنا لندافع عن أفكار حقبة الأنوار وعن الحريات وحماية المضطهدين». ولتحقيق ذلك استعرض ماكرون بعد إعلان فوزه في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة جملة من التدابير المنتظرة، أبرزها «إصلاح أخلاقيات الحياة العامة، والدفاع عن حيوية الديمقراطية، إلى جانب إعادة بناء أوروبا وضمان سلامة الفرنسيين». كما قال إنه سيسعى لخدمة فرنسا بالبقاء مخلصا لمبادئ الجمهورية، وهي «الحرية والمساواة والأخوة». وأبلغ ماكرون الذي يركز الآن على الحصول على أغلبية في مجلس النواب حشد المحتفلين بفوزه بأنه من الضروري بناء أغلبية برلمانية من أجل إجراء التغييرات «التي تحتاجها فرنسا بشدة»، داعيا أنصاره إلى منحه «أغلبية للتغيير» في الانتخابات البرلمانية المقبلة المقررة في يونيو المقبل. وعلى وقع أنشودة الفرح (السلام الوطني للاتحاد الأوروبي) قال ماكرون في إشارة إلى الذين صوتوا لصالح مرشحة الجبهة الوطنية اليمينية مارين لوبان «سأفعل كل ما في وسعي في السنوات الخمس المقبلة كي لا يكون لأي شخص سبب يدعوه مجددا للتصويت للمتطرفين». وسبق ذلك أن أعلن ماكرون مساء الأحد الماضي في خطاب فوزه بالرئاسة أنه سيحارب الانقسام في بلاده وسيدافع عن مصالحها، مؤكدا أنه سيدافع أيضا عن المصير المشترك لأوروبا، وأضاف «أخاطب شعوب العالم وأقول لقادة كل الدول إن فرنسا جاهزة للسلام والتعاون الدولي». كما شدد الرئيس الفرنسي المنتخب على أن فرنسا ستكون في الطليعة في مكافحة الإرهاب على أرضها وبالخارج إذا لزم الأمر. ويشارك ماكرون هذا الأسبوع في احتفالات عدة إلى جانب الرئيس المنتهية ولايته فرانسوا هولاند، كما سيحضر تشكيلة حكومته المقبلة. ولم يحدد بعد يوم تسليم السلطات بين الرئيسين، لكن يرتقب أن يكون في 14 ماي الحالي على أبعد تقدير. وأعلن ريشار فيران الأمين العام لحركة «إلى الأمام» التي يترأسها ماكرون «يجب الانتظار أسبوعا» لمعرفة من سيكون رئيس الوزراء الذي سيختاره الرئيس المنتخب. ويرتقب أن تضم حكومته المقبلة حوالي 15 وزيرا، وأن تجمع بين الأطياف السياسية وشخصيات من «المجتمع المدني» إلى جانب عدد غير محدد من وزراء الدولة. وشارك الرئيس المنتحب يوم أمس الاثنين إلى جانب هولاند في إحياء ذكرى استسلام ألمانيا في 8 ماي 1945 على جادة الشانزليزيه. كما سيلتقي هولاند غدا الأربعاء في مناسبات تنظم في وسط باريس في اليوم العالمي لذكرى العبودية.
بورتريه: ماكرون.. الرئيس العاشق والأصغر سنا في الإليزيه
تمكن من الصعود بثبات في صفوف المؤسسة الفرنسية باستغلال مهاراته، مصرفيا متمرسا في عالم الاستثمار وعقد الصفقات، لولوج عالم السياسة. ومنذ استقالته المفاجئة من الحكومة، بعد عامين من دخولها، أرسل رسالة قوية مناهضة للمؤسسة القائمة ساعدته في أن يفوز بالانتخابات الرئاسية الأكثر غموضا في فرنسا. ويعزو كثيرون صعوده المفاجئ إلى توق الفرنسيين لوجه جديد، نزيه نسبيا، مع انهيار غير متوقع لعدد من منافسيه من التيارات السياسية الرئيسة، خاصة اليمين واليسار التقليديين. ولعب ذكاؤه التكتيكي الحاد أيضا دورا في صعوده، وهو الوافد الجديد الذي لم يكن معروفا على نطاق واسع قبل أقل من ثلاث سنوات. ويعد أيضا الرئيس الأصغر لفرنسا منذ عهد نابليون بونابرت. إيمانويل ماكرون، عاشق الأدب، المولود عام 1977، طالب الفلسفة في جامعة «ناتري»، انضم إلى مدرسة النخبة المدرسة الوطنية للإدارة، وعمل لعدد من السنوات في مجال الاستثمار في مؤسسة روتشيلد المالية. وسيكتشف خبايا المال والعمال، ويراكم خبرة في تسيير البنوك، ويحقق الملايين قبل أن يصبح مستشارا ماليا للرئيس فرانسوا هولاند عام 2012، وبعد ذلك وزيرا للاقتصاد عام 2014. يملك سجلا حافلا بالتكوينات الأكاديمية، بدأه بمعهد «هنري 4»، ثم التحق بمدرسة «العلوم السياسية» في باريس ذائعة الصيت عام 2001، وأتبعها الدراسة في «المدرسة العليا للإدارة» في مدينة ستراسبورغ، بالإضافة إلى مروره بمؤسسات تربوية عريقة أخرى. فشل مرتين في امتحان القبول ل»مدرسة الأساتذة العليا»، ولكن استطاع الدخول إليها لاحقا، وحصل على درجة الماجستير، وعلى دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة في جامعة «باريس نانتير». لكن مع بداية 2016، قدم إيمانويل ماكرون استقالته من العمل في الحكومة، وأسس حزب «إلى الأمام» ذا التوجهات الوسطية، الذي استقطب الآلاف من الشباب الفرنسي، ثم أعلن بعد ذلك ترشحه للانتخابات الرئاسية الفرنسية، مرشحا مستقلا، بعد أن رفض الترشح تحت مظلة «الحزب الاشتراكي». وعندما استقال ليتفرغ لحركة «إلى الأمام» السياسية، قال كثير من النقاد إنه سيكون في أفضل الأحوال مجرد شهاب قصير العمر. لكن مع ارتباك الاشتراكيين وانشغال مرشح يمين الوسط فرانسوا فيون بفضيحة مالية، ظهر ماكرون في موقع محوري وبوصفه البديل. وأذهل ماكرون منافسيه من خلال بناء قاعدة تأييد راسخة والحصول على تأييد سياسيين منشقين عن يسار الوسط ويمين الوسط. ولم تكن له حظوظ تذكر في استطلاعات الرأي للظفر برئاسة فرنسا، نظرا لكونه مرشحا مستقلا بدون قاعدة حزبية، ورجل تكنوقراط بالأساس لم يُنتخب سابقا، فيما كانت كافة التوقعات تشير إلى أن المنافسة ستكون محصورة بين رئيسة «الجبهة الوطنية» ماري لوبان، ومرشح اليمين الوسط، فرانسوا فيون. وانتقل للدورة الثانية من الانتخابات بعد مجيئه في المرتبة الأولى بفارق صغير عن مرشحة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة لوبان. وتقول المقولة الشائعة على لسان نابليون «وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة»، فإن زوجته المدرسة السابقة بريجيت ترونو، التي تكبره بنحو 24 عاما، وقفت إلى جانبه في جميع مراحل حياته السياسية والأكاديمية والمصرفية. ماكرون التقى بزوجته عندما كان في سن الخامسة عشرة، حيث كانت مدرسته، فقدم وعدا مدهشا لها. وتورد الصحافة الفرنسية على لسان بريجيت قولها: «بينما كان في السابعة عشرة من عمره قال لي: مهما فعلت سأتزوجك»، لافتة إلى أن العلاقة بدأت عندما شارك ماكرون في بعض تمثيليات بريجيت عندما كان في مدرسة يسوعية خاصة في أميان في شمال فرنسا. وحاول والداه في البداية منعه من مواصلة العلاقة، بإرساله إلى باريس لإنهاء السنة الأخيرة من دراسته، حين شعروا بأن هذه العلاقة غير ملائمة، ولكن ماكرون وبريجيت بقيا معا بعد تخرجه، وتزوجا. يتذكر ماكرون أنهما كانا على تواصل مستمر، حيث يقول: «قضينا ساعات طويلة على الهاتف، ساعات وساعات على الهاتف». وقالت بريجيت في فيلم وثائقي: «شيئا فشيئا تجاوز المعوقات كلها بطريقة لا تصدق وبصبر»، وأضافت أنه «لم يكن صبيا، لكنه أقام علاقة متساوية مع أشخاص ناضجين». وقال ماكرون لقناة فرنسية: «لا أخفيها، وهي هنا في حياتي، ودائما كانت معي»، وقبلها في خطاب انتخابي على المسرح، وقال لمؤيديه: «أنا مدين لها بالكثير؛ لأنها عملت الكثير لتجعلني الشخص الذي أنا عليه الآن». وقال إن زوجته لن تكون أبدا وراءه، وأضاف: «لو تم انتخابي، آسف لو تم انتخابنا، فستكون هناك، وسيكون لها دور ومكان». ولعبت برجيت ترونيو دورا أساسيا في تألق نجم ماكرون سواء كان على الصعيد المهني أو السياسي، فمنحته الثقة الكافية لمواجهة التحديات التي يفرضها عالم السياسة على كل مرشح يريد أن يصل إلى المنصب الأعلى للسلطة بعيدا عن الأحزاب. وماكرون يقدم نفسه على أنه خارج الأحزاب، إلا أنه حصل على دعم بعض أبرز الشخصيات في اليمين واليسار، حتى إن كثيرين يعتقدون بأن هولاند يدعمه سرا. نظرته للمسلمين وماكرون هو مرشح «التمسك بأوروبا» في زمن البركسيت (تصويت بريطانيا على الخروج) وتصاعد المشاعر القومية عبر العالم الغربي. كما أنه يرفض، كما يقول، وضع الفرنسيين المسلمين «في مواجهة مع الجمهورية». ويقول إنه لن يقبل أبدا أن يوصم الناس بناء على دينهم أو معتقداتهم، كما أنه يرفض أي تعصب على أسس دينية. وسبق لماكرون أن دعا إلى بذل جهود لإعادة الحياة إلى منطقة اليورو والى تعزيز السوق الأوروبية الموحدة، وضرورة الدفاع عنها في مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وأغضب ماكرون بعض الدوائر الفرنسية المحافظة قبل بضعة أسابيع، عندما وصف الممارسات الاستعمارية الفرنسية بأنها كانت «جرائم ضد الإنسانية»، وبالرغم من اعتذاره بعدئذ «لجرحه مشاعر البعض»، لم يسحب ذلك التصريح. وفيما يخص السياسات الدفاعية، يقترح ماكرون زيادة الإنفاق إلى 2 في المئة من الناتج الوطني الإجمالي، وهو مطلب ملح للولايات المتحدة وغيرها من الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي. ويطالب بوضع «خارطة طريق دولية» لمحاربة «الإسلام المتطرف»، ووصف إفريقيا بأنها منطقة فيها «كل المخاطر وكل الفرص» لفرنسا. إلا أن هذا الشاب الوسيم مثل نجوم هوليوود، يتهمه مناوئون بأن برنامجه يسعى لإرضاء أكبر عدد من الناس ليس إلا، وبأنه لن يكون قادرا على الحكم لأن النظام السياسي في فرنسا يبقى برلمانيا، والبرلمان يبقى تحت سيطرة الأحزاب. دخول ماكرون، رجل التوافق واللون الرمادي إلى قصر الإليزيه، هو إعلان وفاة وحفل تأبين رسمي للأحزاب التقليدية في فرنسا وربما في أوروبا، وقد تكون المستشارة الألمانية إنغيلا ميركل الاستثناء فهي تستعد للترشح لفترة ولاية رابعة، وتبدو متناغمة مع ماكرون. بورتريه: ماكرون.. الرئيس العاشق والأصغر سنا في الإليزيه تمكن من الصعود بثبات في صفوف المؤسسة الفرنسية باستغلال مهاراته، مصرفيا متمرسا في عالم الاستثمار وعقد الصفقات، لولوج عالم السياسة. ومنذ استقالته المفاجئة من الحكومة، بعد عامين من دخولها، أرسل رسالة قوية مناهضة للمؤسسة القائمة ساعدته في أن يفوز بالانتخابات الرئاسية الأكثر غموضا في فرنسا. ويعزو كثيرون صعوده المفاجئ إلى توق الفرنسيين لوجه جديد، نزيه نسبيا، مع انهيار غير متوقع لعدد من منافسيه من التيارات السياسية الرئيسة، خاصة اليمين واليسار التقليديين. ولعب ذكاؤه التكتيكي الحاد أيضا دورا في صعوده، وهو الوافد الجديد الذي لم يكن معروفا على نطاق واسع قبل أقل من ثلاث سنوات. ويعد أيضا الرئيس الأصغر لفرنسا منذ عهد نابليون بونابرت. إيمانويل ماكرون، عاشق الأدب، المولود عام 1977، طالب الفلسفة في جامعة «ناتري»، انضم إلى مدرسة النخبة المدرسة الوطنية للإدارة، وعمل لعدد من السنوات في مجال الاستثمار في مؤسسة روتشيلد المالية. وسيكتشف خبايا المال والعمال، ويراكم خبرة في تسيير البنوك، ويحقق الملايين قبل أن يصبح مستشارا ماليا للرئيس فرانسوا هولاند عام 2012، وبعد ذلك وزيرا للاقتصاد عام 2014. يملك سجلا حافلا بالتكوينات الأكاديمية، بدأه بمعهد «هنري 4»، ثم التحق بمدرسة «العلوم السياسية» في باريس ذائعة الصيت عام 2001، وأتبعها الدراسة في «المدرسة العليا للإدارة» في مدينة ستراسبورغ، بالإضافة إلى مروره بمؤسسات تربوية عريقة أخرى. فشل مرتين في امتحان القبول ل»مدرسة الأساتذة العليا»، ولكن استطاع الدخول إليها لاحقا، وحصل على درجة الماجستير، وعلى دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة في جامعة «باريس نانتير». لكن مع بداية 2016، قدم إيمانويل ماكرون استقالته من العمل في الحكومة، وأسس حزب «إلى الأمام» ذا التوجهات الوسطية، الذي استقطب الآلاف من الشباب الفرنسي، ثم أعلن بعد ذلك ترشحه للانتخابات الرئاسية الفرنسية، مرشحا مستقلا، بعد أن رفض الترشح تحت مظلة «الحزب الاشتراكي». وعندما استقال ليتفرغ لحركة «إلى الأمام» السياسية، قال كثير من النقاد إنه سيكون في أفضل الأحوال مجرد شهاب قصير العمر. لكن مع ارتباك الاشتراكيين وانشغال مرشح يمين الوسط فرانسوا فيون بفضيحة مالية، ظهر ماكرون في موقع محوري وبوصفه البديل. وأذهل ماكرون منافسيه من خلال بناء قاعدة تأييد راسخة والحصول على تأييد سياسيين منشقين عن يسار الوسط ويمين الوسط. ولم تكن له حظوظ تذكر في استطلاعات الرأي للظفر برئاسة فرنسا، نظرا لكونه مرشحا مستقلا بدون قاعدة حزبية، ورجل تكنوقراط بالأساس لم يُنتخب سابقا، فيما كانت كافة التوقعات تشير إلى أن المنافسة ستكون محصورة بين رئيسة «الجبهة الوطنية» ماري لوبان، ومرشح اليمين الوسط، فرانسوا فيون. وانتقل للدورة الثانية من الانتخابات بعد مجيئه في المرتبة الأولى بفارق صغير عن مرشحة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة لوبان. وتقول المقولة الشائعة على لسان نابليون «وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة»، فإن زوجته المدرسة السابقة بريجيت ترونو، التي تكبره بنحو 24 عاما، وقفت إلى جانبه في جميع مراحل حياته السياسية والأكاديمية والمصرفية. ماكرون التقى بزوجته عندما كان في سن الخامسة عشرة، حيث كانت مدرسته، فقدم وعدا مدهشا لها. وتورد الصحافة الفرنسية على لسان بريجيت قولها: «بينما كان في السابعة عشرة من عمره قال لي: مهما فعلت سأتزوجك»، لافتة إلى أن العلاقة بدأت عندما شارك ماكرون في بعض تمثيليات بريجيت عندما كان في مدرسة يسوعية خاصة في أميان في شمال فرنسا. وحاول والداه في البداية منعه من مواصلة العلاقة، بإرساله إلى باريس لإنهاء السنة الأخيرة من دراسته، حين شعروا بأن هذه العلاقة غير ملائمة، ولكن ماكرون وبريجيت بقيا معا بعد تخرجه، وتزوجا. يتذكر ماكرون أنهما كانا على تواصل مستمر، حيث يقول: «قضينا ساعات طويلة على الهاتف، ساعات وساعات على الهاتف». وقالت بريجيت في فيلم وثائقي: «شيئا فشيئا تجاوز المعوقات كلها بطريقة لا تصدق وبصبر»، وأضافت أنه «لم يكن صبيا، لكنه أقام علاقة متساوية مع أشخاص ناضجين». وقال ماكرون لقناة فرنسية: «لا أخفيها، وهي هنا في حياتي، ودائما كانت معي»، وقبلها في خطاب انتخابي على المسرح، وقال لمؤيديه: «أنا مدين لها بالكثير؛ لأنها عملت الكثير لتجعلني الشخص الذي أنا عليه الآن». وقال إن زوجته لن تكون أبدا وراءه، وأضاف: «لو تم انتخابي، آسف لو تم انتخابنا، فستكون هناك، وسيكون لها دور ومكان». ولعبت برجيت ترونيو دورا أساسيا في تألق نجم ماكرون سواء كان على الصعيد المهني أو السياسي، فمنحته الثقة الكافية لمواجهة التحديات التي يفرضها عالم السياسة على كل مرشح يريد أن يصل إلى المنصب الأعلى للسلطة بعيدا عن الأحزاب. وماكرون يقدم نفسه على أنه خارج الأحزاب، إلا أنه حصل على دعم بعض أبرز الشخصيات في اليمين واليسار، حتى إن كثيرين يعتقدون بأن هولاند يدعمه سرا. نظرته للمسلمين وماكرون هو مرشح «التمسك بأوروبا» في زمن البركسيت (تصويت بريطانيا على الخروج) وتصاعد المشاعر القومية عبر العالم الغربي. كما أنه يرفض، كما يقول، وضع الفرنسيين المسلمين «في مواجهة مع الجمهورية». ويقول إنه لن يقبل أبدا أن يوصم الناس بناء على دينهم أو معتقداتهم، كما أنه يرفض أي تعصب على أسس دينية. وسبق لماكرون أن دعا إلى بذل جهود لإعادة الحياة إلى منطقة اليورو والى تعزيز السوق الأوروبية الموحدة، وضرورة الدفاع عنها في مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وأغضب ماكرون بعض الدوائر الفرنسية المحافظة قبل بضعة أسابيع، عندما وصف الممارسات الاستعمارية الفرنسية بأنها كانت «جرائم ضد الإنسانية»، وبالرغم من اعتذاره بعدئذ «لجرحه مشاعر البعض»، لم يسحب ذلك التصريح. وفيما يخص السياسات الدفاعية، يقترح ماكرون زيادة الإنفاق إلى 2 في المئة من الناتج الوطني الإجمالي، وهو مطلب ملح للولايات المتحدة وغيرها من الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي. ويطالب بوضع «خارطة طريق دولية» لمحاربة «الإسلام المتطرف»، ووصف إفريقيا بأنها منطقة فيها «كل المخاطر وكل الفرص» لفرنسا. إلا أن هذا الشاب الوسيم مثل نجوم هوليوود، يتهمه مناوئون بأن برنامجه يسعى لإرضاء أكبر عدد من الناس ليس إلا، وبأنه لن يكون قادرا على الحكم لأن النظام السياسي في فرنسا يبقى برلمانيا، والبرلمان يبقى تحت سيطرة الأحزاب. دخول ماكرون، رجل التوافق واللون الرمادي إلى قصر الإليزيه، هو إعلان وفاة وحفل تأبين رسمي للأحزاب التقليدية في فرنسا وربما في أوروبا، وقد تكون المستشارة الألمانية إنغيلا ميركل الاستثناء فهي تستعد للترشح لفترة ولاية رابعة، وتبدو متناغمة مع ماكرون. كيف علقت الصحافة الفرنسية والأجنبية على فوز ماكرون؟ يشكل فوز الوسطي إيمانويل ماكرون في الانتخابات الرئاسية الفرنسية في مواجهة منافسته من اليمين المتطرف مارين لوبن، انتصارا على الشعبوية ومصدر ارتياح بالنسبة إلى أوروبا. غير أن الصحافة الفرنسية والأجنبية اعتبرت أنه لا يزال يتوجب على ماكرون، وهو أصغر رئيس فرنسي، أن يفعل الكثير. أوروبا في فرنسا، اعتبرت صحيفة «لوموند» أن هناك أسبابا عدة لاعتبار أن فوز ماكرون «نسبي»، موضحة أن «العديد من الفرنسيين لم يصوتوا لصالح مرشح، بل ضد اليمين المتطرف»، فضلا عن وجود نسبة قياسية من الامتناع عن التصويت والأوراق البيض والأوراق اللاغية. وبالنسبة إلى صحيفة «ليبيراسيون» اليسارية، يتعلق الأمر ب»انتصار تحت الضغط» لأنّ «النسبة الكبيرة للامتناع عن التصويت، رغم التهديد الذي يمثله اليمين المتطرف، هي إشارة إلى عدم وجود رضا عن الرئيس الجديد». أما صحيفة «لوفيغارو» اليسارية فرأت أن هناك أكبر نسبة امتناع عن التصويت منذ العام 1969، فضلا عن تشتت الناخبين في أربعة تكتلات. وتوقعت الصحيفة انتخابات تشريعية صعبة بالنسية للرئيس الجديد. وحيّت صحيفة «ليزيكو» الاقتصادية من جهتها «خيار الأمل»، مع وجود «وجه جديد لفرنسا، شاب وجريء». وبالنسبة لصحيفة «لومانيتيه» الشيوعية، فإنّ «معركة جديدة تبدأ» من أجل «تحدي السياسات الليبرالية التي أعلنها الرئيس الجديد». -في إسبانيا، كتبت صحيفة «إل باييس» أن «فرنسا اختارت ماكرون واحتوت الشعبوية». وأضافت: «وفرنسا قالت: لا. إن فوز إيمانويل ماكرون المؤيد لأوروبا والمصرفي السابق الليبرالي احتوى موجة السخط الشعبوي، التي انتصرت في نوفمبر في الانتخابات الرئاسية الأمريكية وقبل الاستفتاء البريطاني». وتابعت الصحيفة «بعد البريكست وترامب، لن يكون هناك لوبن». – في ألمانيا، اعتبرت صحيفة «فرانكفورتر ألغميني زيتونغ» أن «أوروبا تجنبت كابوسا. لقد تم تجنّب ما لا يمكن تصوره. فرنسا لن تكون بقيادة امرأة من اليمين المتطرف. الانتصار الواضح لإيمانويل ماكرون يعطي ثقة، لكن يتعين على أوروبا ألا تتوهم كثيرا». وكتبت صحيفة «تاغس تسايتونغ» اليسارية أيضا أن «الفوز الواضح لإيمانويل ماكرون، هو مصدر ارتياح كبير لفرنسا». – في سويسرا كتبت صحيفة «لو تان» أن ماكرون «الرجل الجديد نجح في رهانه الجنوني (…) فأبعد من مستوى الامتناع عن التصويت والتطرف نحو اليمين واليسار وتفسخ الأحزاب التقليدية، فإن الدرس الأساسي في السابع من ماي، هو أن فرنسا اختارت رجلا جديدا لبدء تحولها». – في بريطانيا، كتبت «ذي غارديان» التي أبدت قلقها إزاء النسبة القياسية التي حققها اليمين المتطرف، «حظا موفقا سيد ماكرون ستحتاج إلى الحظ». واعتبرت أن «أي نتيجة أخرى كانت لتكون كارثة أوروبية، ولحسن الحظ أن الاستطلاعات كانت محقة، ولو لمرة». – في روسيا أشارت صحيفة «فيدوموستي» إلى أن الفرنسيين اختاروا «المرشح الذي يمثل المبادئ الأساسية للجمهورية الخامسة: الحُكم عبر نخبة مؤهلة والالتزام بالتكامل الأوروبي». اما صحيفة «غازيتا. رو» الإلكترونية، فلفتت إلى أن على الرئيس الجديد «أن يلبّي مطلب التغيير». الولاياتالمتحدة رأت صحيفة «نيويورك تايمز» في فوز ماكرون «ارتياحا كبيرا لأوروبا». آسيا كتبت صحيفة «ذي سيدني مورنينغ هيرالد» أن «فرنسا صوتت للأمل»، مشيرة أيضا إلى أن هذا الاقتراع شكل «ارتياحا لأوروبا».